طُغْيان المُدُن
الكاتبة / العنود سعيد
سارت السيارة الصغيرة بين السيارات في الشوارع الواسعة ، دُهشت عندما شعرت بأنني أضيع في هذا الوسط الغريب عليّ، لم أعتد على هذه الضوضاء، إنها تنقر في رأسي كالغراب.
ما أجمل الهدوء في قريتنا ،تلك النسمة العليلة نستنشقها كل صباح ، هذا الزحام في المدينة يكاد يخنقني ، الناس يتحركون في سرعة غير معتادة ، انظري، الجميع هنا وكأنهم في سباق مع الحياة، أسقف المنازل العالية سرقت ظلال الشمس الدافئة ٠
لاح لأبي إبراهيم في الأفق من الذاكرة صور اختزلت كل الماضي الجميل في قريته، والحنين المتدفق لحبيبته التي عاش فيها بين حنايا أطرافها الدافئة، وأهلها الطيبين، ورائحة الندى وعصافيرها التي تغني طربًا، تنهل من ينابيع الفرح أزهارًا ،أصوات الماكينات الزراعية تداعب المسامع وكأنها على آذانهم كتغريد البلابل،
طال وقوفه بعض الشيء، ولكن صوت زوجه المملوء باللهفة لابنتها أعاده إلى عالمًا لا ملامح له ،أيقظه من سبات ذكرياته العتيقة،
متى نصل؟!! إنني في شوق لسمر؛ هذه المرة أطالت الغياب ، لقد التهمت حياة المدينة مشاعرها حتى أصبحت لا تكترث بالسؤال عنا ٠
دعنا نبحث عن مكان للقهوة ريثما نصل لشقة سمر ، ستتفاجأ بنا .
إنني لا أفضل مثل هذه الأماكن؛ فهي تشعرني بالضيق، بالإضافة أنها لا تملك خصوصية للمكان، لكننا مضطرون لذلك، لا حل لنا .
تشير الساعة تمام الخامسة عصرًا، وصل أبو إبراهيم و زوجه إلى مكان يُقدم فيه القهوة العربية ، الإضاءات خافتة، أصوات الموسيقى صاخبة، الشعور بالغربة يلاحق أبا ابراهيم وزوجه في كل زاوية يذهبان لها ، أشياء غير مألوفة لا تشعرهم بالأمان كما اعتادوا في قريتهم.
أحضر النادل القهوة العربية كما طلبها أبو إبراهيم، وسكبها في الفنجان، لكن رائحتها لم تكن كما اعتادوا عليها ،رائحة معطرة بالهيل تلك التي تشعره بالحيوية والانتعاش.
في إحدى زوايا المقهى أصوات ضحك متعالية أشعرت أبا إبراهيم بالاشمئزاز.
: حاولي يا أم إبراهيم أن تتجاهلي الأمر ، هذه الأجواء لا تناسبني، أشعر بالأسى على سمر كيف تستطيع العيش في هذا الفضاء الغريب .
-أظن أنها تعاني بعيدا عن قريتها.
أثارت أصوات الموسيقى الغربية انزعاجهما، بدأت الفتيات والشباب بالتمايل بالرقص مع تلك الموسيقى،
لم يتمالك أبو إبراهيم نفسه من الغضب، وقرر الخروج مع زوجه، التفت وهو في طريقه للخروج إلى فتاة ترقص بشكل غريب وتبدو في حالة سكر ، صرخت الأم ؛ يا إلهي، إنها تشبه أ
ابنتنا سمر ، اقتربتْ أكثر منها وزوجها في حالة ذهول مما شاهده .
: يا إلهي، إنها ابنتنا!!
صرخت بصوت عال ، سمر سمر ' انتبه الجميع لصوتها المليئ بالغصة،
التفتت إليهما وهي تترنح .. أمي ، أبي كيف أتيتم إلى هنا؟!!، تعالوا ارقصوا معنا .
صفعتها أمها بحجم تلك الصفعة التي تلقتها من رؤيتها لها بهذه الطريقة .
بدأت سمر تستوعب الموقف، وقفت في خجل ، نظرات والدها قاتلة : أرجوك يا أبي سامحني.
يتكئ على زوجه في صوت هزيل مملوء بالحسرة :لقد خبئت أحلامي في عينيكِ منذ اليوم الأول لقدومكم على هذه الحياة ؛ تلك الأحلام التي لم أتمكن من تحقيقها ، تبدين غريبة عني اليوم كغربة هذا المكان الذي أقف به الآن، لقد كنت متلهفا لرؤيتكِ ، تمنيت لو أني متُ قبل هذه اللحظة ، أدركت الآن أن المرء يموت آلاف المرات؛ خشية الخيبة من ضياع أشياء كانت بالنسبة له حياة أخرى ، نعم، اليوم فقط يا سمر مات شغفي في الحياة،
ولهفة الانتظار الطويلة التي كنا نحنو لها حين تدخلين علينا وتملئين منزلنا بالسعادة.
صرف وجهه عنها ، هيا يا أم إبراهيم نعود لقريتنا 'لقد كان لنا ابنة هنا، لكنها ماتت اليوم ولحقت بأخيها إبراهيم
سارت السيارة الصغيرة بين السيارات في الشوارع الواسعة ، دُهشت عندما شعرت بأنني أضيع في هذا الوسط الغريب عليّ، لم أعتد على هذه الضوضاء، إنها تنقر في رأسي كالغراب.
ما أجمل الهدوء في قريتنا ،تلك النسمة العليلة نستنشقها كل صباح ، هذا الزحام في المدينة يكاد يخنقني ، الناس يتحركون في سرعة غير معتادة ، انظري، الجميع هنا وكأنهم في سباق مع الحياة، أسقف المنازل العالية سرقت ظلال الشمس الدافئة ٠
لاح لأبي إبراهيم في الأفق من الذاكرة صور اختزلت كل الماضي الجميل في قريته، والحنين المتدفق لحبيبته التي عاش فيها بين حنايا أطرافها الدافئة، وأهلها الطيبين، ورائحة الندى وعصافيرها التي تغني طربًا، تنهل من ينابيع الفرح أزهارًا ،أصوات الماكينات الزراعية تداعب المسامع وكأنها على آذانهم كتغريد البلابل،
طال وقوفه بعض الشيء، ولكن صوت زوجه المملوء باللهفة لابنتها أعاده إلى عالمًا لا ملامح له ،أيقظه من سبات ذكرياته العتيقة،
متى نصل؟!! إنني في شوق لسمر؛ هذه المرة أطالت الغياب ، لقد التهمت حياة المدينة مشاعرها حتى أصبحت لا تكترث بالسؤال عنا ٠
دعنا نبحث عن مكان للقهوة ريثما نصل لشقة سمر ، ستتفاجأ بنا .
إنني لا أفضل مثل هذه الأماكن؛ فهي تشعرني بالضيق، بالإضافة أنها لا تملك خصوصية للمكان، لكننا مضطرون لذلك، لا حل لنا .
تشير الساعة تمام الخامسة عصرًا، وصل أبو إبراهيم و زوجه إلى مكان يُقدم فيه القهوة العربية ، الإضاءات خافتة، أصوات الموسيقى صاخبة، الشعور بالغربة يلاحق أبا ابراهيم وزوجه في كل زاوية يذهبان لها ، أشياء غير مألوفة لا تشعرهم بالأمان كما اعتادوا في قريتهم.
أحضر النادل القهوة العربية كما طلبها أبو إبراهيم، وسكبها في الفنجان، لكن رائحتها لم تكن كما اعتادوا عليها ،رائحة معطرة بالهيل تلك التي تشعره بالحيوية والانتعاش.
في إحدى زوايا المقهى أصوات ضحك متعالية أشعرت أبا إبراهيم بالاشمئزاز.
: حاولي يا أم إبراهيم أن تتجاهلي الأمر ، هذه الأجواء لا تناسبني، أشعر بالأسى على سمر كيف تستطيع العيش في هذا الفضاء الغريب .
-أظن أنها تعاني بعيدا عن قريتها.
أثارت أصوات الموسيقى الغربية انزعاجهما، بدأت الفتيات والشباب بالتمايل بالرقص مع تلك الموسيقى،
لم يتمالك أبو إبراهيم نفسه من الغضب، وقرر الخروج مع زوجه، التفت وهو في طريقه للخروج إلى فتاة ترقص بشكل غريب وتبدو في حالة سكر ، صرخت الأم ؛ يا إلهي، إنها تشبه أ
ابنتنا سمر ، اقتربتْ أكثر منها وزوجها في حالة ذهول مما شاهده .
: يا إلهي، إنها ابنتنا!!
صرخت بصوت عال ، سمر سمر ' انتبه الجميع لصوتها المليئ بالغصة،
التفتت إليهما وهي تترنح .. أمي ، أبي كيف أتيتم إلى هنا؟!!، تعالوا ارقصوا معنا .
صفعتها أمها بحجم تلك الصفعة التي تلقتها من رؤيتها لها بهذه الطريقة .
بدأت سمر تستوعب الموقف، وقفت في خجل ، نظرات والدها قاتلة : أرجوك يا أبي سامحني.
يتكئ على زوجه في صوت هزيل مملوء بالحسرة :لقد خبئت أحلامي في عينيكِ منذ اليوم الأول لقدومكم على هذه الحياة ؛ تلك الأحلام التي لم أتمكن من تحقيقها ، تبدين غريبة عني اليوم كغربة هذا المكان الذي أقف به الآن، لقد كنت متلهفا لرؤيتكِ ، تمنيت لو أني متُ قبل هذه اللحظة ، أدركت الآن أن المرء يموت آلاف المرات؛ خشية الخيبة من ضياع أشياء كانت بالنسبة له حياة أخرى ، نعم، اليوم فقط يا سمر مات شغفي في الحياة،
ولهفة الانتظار الطويلة التي كنا نحنو لها حين تدخلين علينا وتملئين منزلنا بالسعادة.
صرف وجهه عنها ، هيا يا أم إبراهيم نعود لقريتنا 'لقد كان لنا ابنة هنا، لكنها ماتت اليوم ولحقت بأخيها إبراهيم