العقل والتعقّل
يُمثل العقل جوهر الإنسان الحقيقي، ومناط تكليفه ودليله لمعرفةِ ما في الكون والحياة من خفايا وأسرار، وهو يعني في اللغة إدراك الأشياء على أصولها، ومنه عقل الطفل أي أدرك وميز، والرجل حبس نفسه من الوقوع في الرذائل والمهالك وفي مُقدمتها المسكرات والمخدرات، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير لهذا العقل، ولكن بمعاني ومترادفات، منها بصيغ فعلية مثل نعقل، ويعقلون، ومنها بصيغ أسمية مثل القلب، والبصيرة، وله عدة نوافذ يُطل بها الإنسان على ما حوله من خلال الحواسّ الخمس الظاهرية، كالسمع والبصر والذوق والشم واللمس، والحواس الباطنية من أحاسيس وعواطف وانفعالات وميول وتوجهات، فالعقل إذاً يُمثل قوة كامنة في الإنسان لما يشتمل عليه من إدراك ووعي وتدبر وتفكر وتذكر وتخيل وتصور، ومقدرة على الاستدلال والتنبؤ والتحليل، والقياس والتحكم، فيما أعتبره أحد علماء النفس بأنه مطية لاستنباط علاقات وأفكار جديدة ومتطورة تخدم الانسانية جمعاء، وهو على نوعين، عقل واعي، ويتحكم بسائر عضلات الإنسان الإرادية، وعقل باطني ويتحكم في عكسها العضلات اللاإرادية من خلال النخاع الشوكي والجهاز العصبي التلقائي وكلاهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، فبينما يقوم العقل الواعي بتزويد العقل الباطني بما يريده إيجاباً أم سلباً، فإن العقل الباطني يعمل على تخزين وادخار هذه المدخلات والتي تظهر على هيئة سلوك وقتما يتذكرها صاحبها، ولذلك ما أجدر بمن أصيب بالخوف والتوتر والقلق النفسي، ومشاعر الحزن والكآبة المستمرة أن يتناسى هذه المنغصات بقدر الإمكان، لما لها من آثار سلبية على نفسيته والتي من المؤكد أن تؤدي مع الاجترار والتحدث بها باستمرار إلى الإصابة بالأمراض النفسية التي ربما يصعب علاجها، من جهة أخرى أوضحت دراسات في هذا الخصوص، بأن العقل الباطني قد يُساهم وبما ترسخ فيه من مخزون علمي ومعرفي وتجارب وشيئاً من الحدس أو إلالهام في توليد أفكار هادفة ومفيدة وقتما يخلد الإنسان للراحة والسكينة والاسترخاء، فتوماس أديسون، بعدما واجه مشاكل مُحيرة حين شروعه لاختراع المصباح الكهربائي، قام بنقل هذه المشاكل برمتها بالرغم من جمعه لكافة الحقائق العلمية بخصوصها من عقله الواعي إلى عقله الباطني وأخذ يُفكر فيها ملياً وبعمق وعصف ذهني متواتر أثناء استرخائه، وغفوته القصيرة، فكان هذا الاختراع الذي لا يخلوا منه أي بيت أو شارع أو حديقة عامة على مستوى العالم، ولعلنا نختم ذلك بضرورة أن يقوم كل شخص بتحفيز عقله الباطني كلما أراد إنجاز عملاً مُتميزاً أو نادراً أو شعر بتكاسل أو متاعب نفسية أو إصابة بأي مرض كأن يقول: أنا بصحة وعافية ويُكرر ذلك، وعلى الزائرين له أن يشاطروه بمشاعر البهجة والسرور والتفاؤل كأن يقولو له: وجهك مُشرق، وبشرنا الطبيب بخروجك من المستشفى قريباً، لما لهذه المحفزات من وقع طيب على النفس البشرية، عدا كونها تُساهم كثيراً في التعافي السريع من الأمراض بإذن الله تعالى.*