غُربة
محمد الرياني
لم أجد بُدًّا من أن أسكنَ في غرفةٍ منعزلةٍ في الطابقِ الأخيرِ من مبنى يتكون من عشرةِ طوابق، اعتدتُ في قريتي الصغيرة أن أسكنَ في غرفةٍ صغيرةٍ فيها كل شيء، المطبخ والثلاجة القديمة والأصوات المتداخلة ووجه أمي وعكاز أبي، وأن أخرجَ من البابِ الذي يعاني من تحريكِ الرياحِ على الرغم من قطعةِ الحجرِ التي تمنعه من التحرك، من حسنِ حظي أن غرفتي في الطابق العلوي تشبه غرفتنا القديمة، وقد أحسنتُ صنعًا عندما أحضرتُ معي شيئًا من الذكريات، بعض دفاتري القديمة وأقلامي وشهاداتي وملابسي المختلفة، الغرفةُ التي استوطنتُها تطلُّ على مبانٍ مجاورةٍ تكاد تكون ملاصقةً لغرفتي، حبي للفضولِ دفعني لأن أترددَ على الشرفةِ لأرى مايجري أسفلَ مني أو حولي، شيءٌ غريبٌ لفتَ انتباهي في الطابق العلوي، امرأةٌ عجوزٌ تسكن في طابقٍ يجاورني، لمحتُها في الصباح تفتحُ الشباكَ سرعان ما أغلقتْه عندما رأتْني، أطلقتُ صافرةً بفمي مثل تلك التي كنتُ أطلقها للاستفزازِ أو للمناداة، عادت العجوزُ لتفتحَ الشباكَ وبيدها ديكٌ أحمرُ اللونِ يشبهُ ديكًا كنتُ أربيه في فناءِ دارنا، اشتقتُ لكلِّ شيءٍ في قريتي، اشتقتُ لحملِ الفراخ الصغيرةِ على الرغمِ من روائحها المنتنةِ أحيانًا وأصواتها التي تجلبُ الضجر، كررتُ إصدارَ الصوتِ بصوتٍ يعجبُ الدجاج، لمحتُ البِشرَ يخرجُ من عيني جارتي العجوز، يبدو أنها أُعجبتْ بي كوني قرويًّا جاء يدرس في المدينة، نزلتُ وتركتُها وديكها الأحمر، والزمن الذي يفصلني عن مكان دراستي يكاد ينفد ، في اليومِ الأولِ انتابني إحساسٌ رائعٌ بالراحةِ أزال عني شعورَ الغربة، رأيتُ في ملامح جارتي المسنة وجهَ أمي التي تركتُها مكرها، عدتُ في أعقابِ يومٍ سعيدٍ بعد حفلةِ تعارفٍ للطلاب الجدد، صعدتُ المصعدَ بارتياحٍ إلى غرفتي لأنامَ وأرى أحلامي وقتَ القيلولة، سمعتُ قذفًا على الباب، ألقيتُ اللحافَ جانبًا وذهبتُ أستطلع الأمر، نادت عليَّ الجارةُ وبيدها طبقٌ معدني، رائحةُ المرقِ تفوحُ منه، اقتربتُ من حافةِ السطح، ناولتْني الطبقَ وهي تسألني عن اسمي، عرفتْ مني أنني جئتُ مغتربًا للدراسة، ناولتْني الإناءَ المكشوف ، قربتُ أنفي وكأني أشمُّ رائحةَ طبخِ بيتنا، كنتُ جائعًا ولما أعتد على طعامِ أهل المدينة بعد ، غادرَ النومُ جفنيَّ بعد الشبع،حلَّ الليلُ وخرجتُ لأرى النجومَ من سطحِ الطابقِ العاشر، النجومُ تبدو أقربَ إليَّ ؛ بل أكاد أحصيها، نمتُ على السطحِ في جوٍّ مختلف، في الصباحِ صاحَ ديكٌ آخرُ وكأنه يريد إيقاظي، فتحتُ عينيَّ وأنا أتذكر دعوةَ أمي بأن أجاورَ سيدةً تشبهها، وهذا الذي حصل، قررتُ أن أعودَ من الفرحةِ لأخبر أهلي بأنني جاورتُ عجوزًا طيبةً ودجاجًا يفتحُ عينيه قبلي ليوقظني قبل أن تحضرَ الشمس .
لم أجد بُدًّا من أن أسكنَ في غرفةٍ منعزلةٍ في الطابقِ الأخيرِ من مبنى يتكون من عشرةِ طوابق، اعتدتُ في قريتي الصغيرة أن أسكنَ في غرفةٍ صغيرةٍ فيها كل شيء، المطبخ والثلاجة القديمة والأصوات المتداخلة ووجه أمي وعكاز أبي، وأن أخرجَ من البابِ الذي يعاني من تحريكِ الرياحِ على الرغم من قطعةِ الحجرِ التي تمنعه من التحرك، من حسنِ حظي أن غرفتي في الطابق العلوي تشبه غرفتنا القديمة، وقد أحسنتُ صنعًا عندما أحضرتُ معي شيئًا من الذكريات، بعض دفاتري القديمة وأقلامي وشهاداتي وملابسي المختلفة، الغرفةُ التي استوطنتُها تطلُّ على مبانٍ مجاورةٍ تكاد تكون ملاصقةً لغرفتي، حبي للفضولِ دفعني لأن أترددَ على الشرفةِ لأرى مايجري أسفلَ مني أو حولي، شيءٌ غريبٌ لفتَ انتباهي في الطابق العلوي، امرأةٌ عجوزٌ تسكن في طابقٍ يجاورني، لمحتُها في الصباح تفتحُ الشباكَ سرعان ما أغلقتْه عندما رأتْني، أطلقتُ صافرةً بفمي مثل تلك التي كنتُ أطلقها للاستفزازِ أو للمناداة، عادت العجوزُ لتفتحَ الشباكَ وبيدها ديكٌ أحمرُ اللونِ يشبهُ ديكًا كنتُ أربيه في فناءِ دارنا، اشتقتُ لكلِّ شيءٍ في قريتي، اشتقتُ لحملِ الفراخ الصغيرةِ على الرغمِ من روائحها المنتنةِ أحيانًا وأصواتها التي تجلبُ الضجر، كررتُ إصدارَ الصوتِ بصوتٍ يعجبُ الدجاج، لمحتُ البِشرَ يخرجُ من عيني جارتي العجوز، يبدو أنها أُعجبتْ بي كوني قرويًّا جاء يدرس في المدينة، نزلتُ وتركتُها وديكها الأحمر، والزمن الذي يفصلني عن مكان دراستي يكاد ينفد ، في اليومِ الأولِ انتابني إحساسٌ رائعٌ بالراحةِ أزال عني شعورَ الغربة، رأيتُ في ملامح جارتي المسنة وجهَ أمي التي تركتُها مكرها، عدتُ في أعقابِ يومٍ سعيدٍ بعد حفلةِ تعارفٍ للطلاب الجدد، صعدتُ المصعدَ بارتياحٍ إلى غرفتي لأنامَ وأرى أحلامي وقتَ القيلولة، سمعتُ قذفًا على الباب، ألقيتُ اللحافَ جانبًا وذهبتُ أستطلع الأمر، نادت عليَّ الجارةُ وبيدها طبقٌ معدني، رائحةُ المرقِ تفوحُ منه، اقتربتُ من حافةِ السطح، ناولتْني الطبقَ وهي تسألني عن اسمي، عرفتْ مني أنني جئتُ مغتربًا للدراسة، ناولتْني الإناءَ المكشوف ، قربتُ أنفي وكأني أشمُّ رائحةَ طبخِ بيتنا، كنتُ جائعًا ولما أعتد على طعامِ أهل المدينة بعد ، غادرَ النومُ جفنيَّ بعد الشبع،حلَّ الليلُ وخرجتُ لأرى النجومَ من سطحِ الطابقِ العاشر، النجومُ تبدو أقربَ إليَّ ؛ بل أكاد أحصيها، نمتُ على السطحِ في جوٍّ مختلف، في الصباحِ صاحَ ديكٌ آخرُ وكأنه يريد إيقاظي، فتحتُ عينيَّ وأنا أتذكر دعوةَ أمي بأن أجاورَ سيدةً تشبهها، وهذا الذي حصل، قررتُ أن أعودَ من الفرحةِ لأخبر أهلي بأنني جاورتُ عجوزًا طيبةً ودجاجًا يفتحُ عينيه قبلي ليوقظني قبل أن تحضرَ الشمس .