إمام المسجد الحرام: جمعت هذه الآية الكريمة "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات كافة
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط إمام وخطيب المسجد الحرام.
وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: عباد الله: إن من منن الله الرؤوف بعباده، اللطيف بهم، المتودد إليهم بألوان النعم، أن يأمرهم بكل خير تسعد به نفوسهم، وتطمئن به قلوبهم، وتطيب به حياتهم، ويكون به فوزهم وفلاحهم في دنياهم وأخراهم.
وإن من أعظم ذلك نفعًا، وأقواه وأبقاه أثرًا، ثلاثة أوامر ربانية، اشتملت عليها آية في كتاب الله، جمعت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات كافة، حتى لم تبق حسنة إلا حوتها، ولا فضيلة إلا أرشدت إليها، ولا مكرمة إلا أتت عليها، ونبهت إليها؛ إذ هي ترسي قواعد المعاملة مع الخلق جميعًا، وتوضح طرق الإحسان إليهم، والإسعاد لهم، وتدل على سبيل السلامة من شرور ذوي الشر منهم.
وذلك في قوله عز اسمه مخاطبًا أشرف خلقه، وأكرم رسله، صلوات الله وسلامه عليه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾.
فابتدأ سبحانه بأمره أن يأخذ بأخلاق الناس وأعمالهم ما سهل عليهم قوله، وخفَّ وتيسر عليهم فعله، وما سمحت به نفوسهم، وبلغته طاقتهم، من غير تضييق ولا استقصاء، بطلب الأكمل الأتم، وبالبحث في البواطن، رفعًا للحرج، ودفعًا للعنت.
ثم الأمر بالعرف، وهو كل معروف تعرفه العقول السليمة، وتقر بحسنه ونفعه، وأعلاه توحيد الله تعالى، وكل ما أمر به سبحانه من الأعمال أو ندب إليه، -كما رجح ابن جرير رحمه الله-، ومنه صلة من قطع، وإعطاء من حرم، والعفو عمن ظلم.
وأضاف فضيلته: ولما كان أذى الجاهلين أمرًا محتومًا لا بد منه، ولا سبيل إلى منعه، جاء الأمر الثالث بالإعراض عن الجاهلين، فلا يقابل جهلهم بمثله، انتقامًا لنفسه، وشفاءً لغيظه، بل يصبر على أذاهم، ويحلُم عنهم، وتلك هي الحال الحسنى، والطريقة المثلى، التي كان عليها نبي الرحمة والهدى، صلوات الله وسلامه عليه، مع أوليائه وأعدائه، استجابةً منه لأمر الله؛ فإن الله تعالى -كما قال ابن القيم رحمه الله- أمره أنْ يصبرَ نفسه "مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ، وألّا تَعْدُوَ عَيْناهُ عَنْهُمْ".
ثم بين فضيلة الدكتور أسامة خياط أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيهُ -صلى الله عليه وسلم- أنْ يعفو عنهم، ويستغفر لهم، ويشاورهم في الأمر، وأن يصلي عليهم، وأمره أن يهَجْر من عصاه وتَخلَّفَ عنْه حتى يتوب، ويراجع طاعته، كَما هَجَرَ الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وأمره أن يُقيم الحدودَ على مَن أتى مُوجباتها منهم، وأنْ يكونوا عنْده في ذلكَ سواءً شرِيفهم ودنيئهم، وأمره في دَفْع عدوه من شياطِين الإنس، بأن يدفع بالتِي هي أحسن، فيُقابل إساءة من أساء إليه بالإحسان، وجهْله بالحلْم، وظلْمه بالعفو، وقطيعته بالصلة، وأخبره أنه إنْ فعل ذلك عاد عدوه كأنه ولِي حميم، وأمره في دفعه عدوّه من شياطِين الجنّ بالِاستعاذة باللَّه منهم، وجمع لَه هذين الأمرين في ثلاثة مواضع من القرآن، فقال سبحانه: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ - وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ، فأمره باتقاء شر الجاهلين بالإعراض عنهم، وباتقاء شر الشَّيطان بالاسْتعاذة منه، وجمع له في هذه الآية مكارم الأخْلاق والشّيم كلَّها، فإنَّ المطاع له مع الناس ثلاثة أحوال: فإنّه لا بد له من حق عليهم يلزمهم القيام به، وأمرٍ يأمرهم به، ولابد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه، فأمر أن يأخذ من الحق الذي عليهم ما طوعت به أنفسهم، وسمحت به، وسهل عليهم ولم يشق، وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضرر ولا مشقة، وأمر أن يأمرهم بالعرف، وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضًا، لا بالعنف والغلظة، وأمره أن يقابل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه دون أن يقابله بمثله، فبذلك يكتفي شرهم، وقال عز وجل: ﴿قُلْ رَبِّ إمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ ، رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي في القَوْمِ الظّالِمِينَ ، وإنّا عَلى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهم لَقادِرُونَ ، ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ، وقُلْ رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ، وأعُوذُ بِكَ رَبِّ أنْ يَحْضُرُونِ﴾.
وَقالَ سبحانه: ﴿وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ ، وما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ، وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ فهذه سيرته صلى الله عليه وسلم مع أهل الأرض إنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم. وبه القدوة في كل ذلك، فقد قال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾.
وفي الخطبة الثانية تحدث فضيلة الدكتور خياط مبيناً بأنّ الإعراض عن الجاهلين وهم السفهاء بترك معاشرتهم، وعدم مماراتهم، ولا علاج أقوى لأذاهم، وأدحر لعدوانهم، وأشد على قلوبهم، من الإعراض عنهم، وإنما يجب هذا الإعراض -كما قال أهل العلم-، لأنهم لا يطلبون الحق إذا فقدوه، ولا يأخذون فيما يخالف أهواءهم إذا وجدوه، ولا يرعون عهدًا، ولا يحفظون ودّا، ولا يشكرون من النعمة إلا ما اتصل مدده، فإذا انقطع عاد الشكر كفرًا، واستحال المدح ذمًا، والوصل هجرًا، والود بغضًا.
فاتقوا الله عباد الله، وليكن لكم في الاستجابة لأوامر الله بأخذ العفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين أحسن ما تعتدونه لنيل كل خير ودفع كل شر، والسعادة في الدنيا، والفوز والفلاح والرفعة في الآخرة.
وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: عباد الله: إن من منن الله الرؤوف بعباده، اللطيف بهم، المتودد إليهم بألوان النعم، أن يأمرهم بكل خير تسعد به نفوسهم، وتطمئن به قلوبهم، وتطيب به حياتهم، ويكون به فوزهم وفلاحهم في دنياهم وأخراهم.
وإن من أعظم ذلك نفعًا، وأقواه وأبقاه أثرًا، ثلاثة أوامر ربانية، اشتملت عليها آية في كتاب الله، جمعت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات كافة، حتى لم تبق حسنة إلا حوتها، ولا فضيلة إلا أرشدت إليها، ولا مكرمة إلا أتت عليها، ونبهت إليها؛ إذ هي ترسي قواعد المعاملة مع الخلق جميعًا، وتوضح طرق الإحسان إليهم، والإسعاد لهم، وتدل على سبيل السلامة من شرور ذوي الشر منهم.
وذلك في قوله عز اسمه مخاطبًا أشرف خلقه، وأكرم رسله، صلوات الله وسلامه عليه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾.
فابتدأ سبحانه بأمره أن يأخذ بأخلاق الناس وأعمالهم ما سهل عليهم قوله، وخفَّ وتيسر عليهم فعله، وما سمحت به نفوسهم، وبلغته طاقتهم، من غير تضييق ولا استقصاء، بطلب الأكمل الأتم، وبالبحث في البواطن، رفعًا للحرج، ودفعًا للعنت.
ثم الأمر بالعرف، وهو كل معروف تعرفه العقول السليمة، وتقر بحسنه ونفعه، وأعلاه توحيد الله تعالى، وكل ما أمر به سبحانه من الأعمال أو ندب إليه، -كما رجح ابن جرير رحمه الله-، ومنه صلة من قطع، وإعطاء من حرم، والعفو عمن ظلم.
وأضاف فضيلته: ولما كان أذى الجاهلين أمرًا محتومًا لا بد منه، ولا سبيل إلى منعه، جاء الأمر الثالث بالإعراض عن الجاهلين، فلا يقابل جهلهم بمثله، انتقامًا لنفسه، وشفاءً لغيظه، بل يصبر على أذاهم، ويحلُم عنهم، وتلك هي الحال الحسنى، والطريقة المثلى، التي كان عليها نبي الرحمة والهدى، صلوات الله وسلامه عليه، مع أوليائه وأعدائه، استجابةً منه لأمر الله؛ فإن الله تعالى -كما قال ابن القيم رحمه الله- أمره أنْ يصبرَ نفسه "مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ، وألّا تَعْدُوَ عَيْناهُ عَنْهُمْ".
ثم بين فضيلة الدكتور أسامة خياط أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيهُ -صلى الله عليه وسلم- أنْ يعفو عنهم، ويستغفر لهم، ويشاورهم في الأمر، وأن يصلي عليهم، وأمره أن يهَجْر من عصاه وتَخلَّفَ عنْه حتى يتوب، ويراجع طاعته، كَما هَجَرَ الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وأمره أن يُقيم الحدودَ على مَن أتى مُوجباتها منهم، وأنْ يكونوا عنْده في ذلكَ سواءً شرِيفهم ودنيئهم، وأمره في دَفْع عدوه من شياطِين الإنس، بأن يدفع بالتِي هي أحسن، فيُقابل إساءة من أساء إليه بالإحسان، وجهْله بالحلْم، وظلْمه بالعفو، وقطيعته بالصلة، وأخبره أنه إنْ فعل ذلك عاد عدوه كأنه ولِي حميم، وأمره في دفعه عدوّه من شياطِين الجنّ بالِاستعاذة باللَّه منهم، وجمع لَه هذين الأمرين في ثلاثة مواضع من القرآن، فقال سبحانه: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ - وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ، فأمره باتقاء شر الجاهلين بالإعراض عنهم، وباتقاء شر الشَّيطان بالاسْتعاذة منه، وجمع له في هذه الآية مكارم الأخْلاق والشّيم كلَّها، فإنَّ المطاع له مع الناس ثلاثة أحوال: فإنّه لا بد له من حق عليهم يلزمهم القيام به، وأمرٍ يأمرهم به، ولابد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه، فأمر أن يأخذ من الحق الذي عليهم ما طوعت به أنفسهم، وسمحت به، وسهل عليهم ولم يشق، وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضرر ولا مشقة، وأمر أن يأمرهم بالعرف، وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضًا، لا بالعنف والغلظة، وأمره أن يقابل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه دون أن يقابله بمثله، فبذلك يكتفي شرهم، وقال عز وجل: ﴿قُلْ رَبِّ إمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ ، رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي في القَوْمِ الظّالِمِينَ ، وإنّا عَلى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهم لَقادِرُونَ ، ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ، وقُلْ رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ، وأعُوذُ بِكَ رَبِّ أنْ يَحْضُرُونِ﴾.
وَقالَ سبحانه: ﴿وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ ، وما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ، وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ فهذه سيرته صلى الله عليه وسلم مع أهل الأرض إنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم. وبه القدوة في كل ذلك، فقد قال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾.
وفي الخطبة الثانية تحدث فضيلة الدكتور خياط مبيناً بأنّ الإعراض عن الجاهلين وهم السفهاء بترك معاشرتهم، وعدم مماراتهم، ولا علاج أقوى لأذاهم، وأدحر لعدوانهم، وأشد على قلوبهم، من الإعراض عنهم، وإنما يجب هذا الإعراض -كما قال أهل العلم-، لأنهم لا يطلبون الحق إذا فقدوه، ولا يأخذون فيما يخالف أهواءهم إذا وجدوه، ولا يرعون عهدًا، ولا يحفظون ودّا، ولا يشكرون من النعمة إلا ما اتصل مدده، فإذا انقطع عاد الشكر كفرًا، واستحال المدح ذمًا، والوصل هجرًا، والود بغضًا.
فاتقوا الله عباد الله، وليكن لكم في الاستجابة لأوامر الله بأخذ العفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين أحسن ما تعتدونه لنيل كل خير ودفع كل شر، والسعادة في الدنيا، والفوز والفلاح والرفعة في الآخرة.