رسالةٌ إلى معلمةٍ في يومِها
محمد الرياني أرسلَ إلى زوجتِه المعلمةِ رسالةً طويلةً على غيرِ عادته، في كلِّ مرةٍ يرسلُ إليها همسةً، طرفةً، حكايةً قصيرة، أو وجهًا مبتسمًا ليطردَ عنها الضجر ، هذه المرةُ أرسلَ رسالةً تمزجُ بين كلِّ أشكالِ الدموع؛ دموعِ الحبِّ والفرحِ والشفقةِ والودِّ والرحمة، قال لها: انتظري بعضَ الوقتِ قبل أن تكتبي شيئًا على السبورة، وقبلَ أن تسألي طالباتِك سؤالًا، تأملي وجوههنَّ جيدًا، انظري صوبَ اليمين ثم تأملي الملامح، حتمًا سترين فتاةً تخفضُ رأسَها ؛ربما لم تكن تحملُ مصروفَ إفطارها، وقد تكونُ تجترُّ مرارةَ فقدٍ أو حرمان، وقد تبصرين أخرى تجلسُ خلفَها تعبثُ بأشيائها من القلقِ أو الخوفِ أو اليأس، حوِّلي بصرَك نحو الجهةِ الأخرى، طوفي ببصركِ بينهن كي تتأكدي من كلِّ الملامحِ مجتمعة، هل شاهدتِ البِشْرَ والسعادةَ على مُحياهنَّ الغض ، هل شممتِ رائحةً للألم؟ هل استروحتِ رائحةَ السعادة؟ ضعي كلَّ المشاهدِ في آنيةٍ خياليةٍ وتصوري المنظرَ الذي رأيت، بعد ذلك قدِّمي لهنَّ تحيةَ الصباحِ مثلَ باقةِ وردٍ منوعةِ الألوان، ابتسمي لهنَّ بملءِ شفتيكِ وابدئي معهنَّ مثلَ حمامةِ سلامٍ بيضاءَ حضرتْ من الصباحِ الباكرِ لتغردَ أجملَ الألحان، وإذا انتهتِ الحصةُ عودي إلى غرفةِ المعلماتِ واسأليهنَّ عن خبرهنَّ اليوم وهل فعلنَ مثلك ، هل صادفنَ موقفًا مُبكيًا أو منظرًا مفرحًا؟ قولي لهنَّ قولًا جميلًا كي يسمعنَ كلامًا جميلًا، ختمَ رسالتَه لزوجتِه المعلمةِ بأن تحتفظَ بالرسالةِ وأن تتذكرَها جيدًا، قال لها: غدًا تنضجُ الطالباتُ ويحتفلنَ احتفالًا يليقُ بالمعلماتِ في السرِّ والعلنِ ووقتِ الدعاء وعند كلِّ لحظةٍ يخطرُ فيها طيفُ المعلمة، دمعتْ عيناها ثم عادتْ إلى طالباتِها لتقرأَ الملامحَ أكثرَ وتسجلَها في ذاكرتِها.