إن في كتب الأدب الطريف واللطائف والظرائف من الكنوز الإنسانية التراث العظيم، ومن ذلك الجوانب الاقتصادية، وفيما يلي نعرض طرفاً من هذا المخزون.
وزنة اقتصادية: اشترى رجل ثلاثة أرطال لحماً، وقال لامرأته: اطبخيه وخرج إلى مشغله، فطبخته المرأة وأكلته فلما جاء زوجها، قال: هاتي ما طبخت. قالت له: أكله السنور (القط)، فأخذ الرجل السنور ووزنه، فإذا فيه ثلاثة أرطال، فقال لها: هذا وزن السنور، فأين اللحم؟! أو هذا وزن اللحم، فأين السنور؟!.
اللسان الاقتصادي: قال أحد الشعراء معبراً عن ذلك:
من كان يملك درهمين تعلمت شفتاه أنواع الكلام فقالا
وتقدم الإخوان فاستمعوا له ورأيته بين الورى مختالاً
لولا دراهمه التي في كيسه لرأيته أسو البرية حالا
إن الغني إذا تكلم بالخطأ قالوا صدقت وما نطقت محالا
وإذا الفقير أصاب قالوا كلهم أخطأت يا هذا وقلت ضلالا
إن الدراهم في المواطن كلها تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السنان لمن أراد قتالا
تكلفة الفرصة البديلة: قيل لرجل اشتهر بالبخل:
لماذا لا تدعو الناس إلى مائدتك وأنت معروف بالتأنق واختيار ما يعجب من الطعام؟! قال: يمنعني من ذلك أني لم آكل مع أحد إلا رأيت منه ما يعيبه.
يلتهم كبد الدجاجة، ويستأثر بكلية الخروف، ويزدرد قانصة الأوز ويستولي على صدور الفراخ.
ولذا، فالوحدة عندي خير من أكيل السوء!!
غداء اقتصادي: قال أبو نواس في بخيل:
أبو نوح دخلت عليه يوماً فغداني برائحة الطعام
وقدَّم بيننا لحماً سميناً أكلناه على طبق الكلام
فلما أن رفعت يدي سقاني كؤوساً خمرها ريح المدام
فكان كمن سقى الظمآن آلاً وكنت كمن تغدى في المنام
خبير اقتصادي: كان بعض البخلاء إذا وقع الدرهم في كفه قال مخاطباً له: أنت عقلي وديني وصلاتي وصيامي، وجامع شملي وقرة عيني وقوتي وعمادي وعدتي، ثم يقول: يا حبيب قلبي وفؤادي قد صرت إلى من يصونك ويعرف حقك ويعظم قدرك ويشفق عليك، وكيف لا يكون كذلك وبك تجلب المسار، وتدفع المضار وتعظم الأقدار ويعتمر الديار، وتفتض الأبكار؟ ترفع الذكر وتعلى القدر ثم يطرحه في الكيس وينشد:
بنفسي محجوب عن العين شخصه وليس بخال من لساني ولا قلبي
ومن ذكره حظي من الناس كلهم وأول حظي منه في البعد والقرب
كرم اقتصادي: قال الجاحظ: قال أبو حسان كان عندنا رجل مقل وكان له أخ مكثر، وكان مفرط البخل شديد الافتخار بما ليس عنده، فقال له يوماً أخوه: ويحك!! أنا فقير معيل وأنت غني خفيف الظهر لا تعينني على الزمان ولا تؤاسيني ببعض مالك ولا تنفرج لي عن شيء؟ والله ما رأيت قط ولا سمعت بأبخل منك!!. قال: ويحك! ليس الأمر كما تظن في الغنى، ولا المال كما تحسب في الإنفاق، ولا أنا كما تقول في البخل ولا في العسر، والله لو ملكت ألف ألف درهم لوهبت لك خمس مائة ألف درهم.
يا هؤلاء، رجل يهب بضربة واحدة خمس مائة ألف يقال له بخيل!!
رؤيا اقتصادية: دخل أبو صاعد على الأمير الغنوي فأنشده:
رأيت في النوم أني مالك فرساً ولي وصيف وفي كفي دنانير
فقال: قوم لهم علم ومعرفة رأيت خيراً وللأحلام تفسير
اقصص منامك في بيت الأمير تجد تحقيق ذاك وللفأل التباشير
فلما سمع الأمير إنشاده قال: ﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ﴾ [يوسف: 44].
حيلة تجارية: ضل لأعرابي جمل، فحلف بالله أنه إن وجده باعه بدرهم! فوجده، فلزمه بيعه، فشد في عنق الجمل سنور (قط) وقال: السنور بمائة درهم والجمل بدرهم، ولا أبيعهما إلا معاً!!.
مجاعة: قال وهب بن شاذان:
مات في عرس سليمان من الجوع جماعة
مات أقوام وقوم علموا فيه القناعة
لم يكن ذلك عرساً إنما كان مجاعة
برأس المال: سرق رجل قميصاً فبعثه مع ابنه يبيعه، فسرق منه في الطريق، فلما رجع قال أبوه: بعت القميص، قال: نعم. قال بكم؟ قال: برأس المال.
إن كل قارئ لهذه القطوف يستطيع أن يتلمس العديد من الدلالات الاقتصادية من هذه المداعبات الطريفة، بل إن هناك أبعاداً اقتصادية نفيسة يمكن تبينها من بعض هذه الطرائف.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com
وزنة اقتصادية: اشترى رجل ثلاثة أرطال لحماً، وقال لامرأته: اطبخيه وخرج إلى مشغله، فطبخته المرأة وأكلته فلما جاء زوجها، قال: هاتي ما طبخت. قالت له: أكله السنور (القط)، فأخذ الرجل السنور ووزنه، فإذا فيه ثلاثة أرطال، فقال لها: هذا وزن السنور، فأين اللحم؟! أو هذا وزن اللحم، فأين السنور؟!.
اللسان الاقتصادي: قال أحد الشعراء معبراً عن ذلك:
من كان يملك درهمين تعلمت شفتاه أنواع الكلام فقالا
وتقدم الإخوان فاستمعوا له ورأيته بين الورى مختالاً
لولا دراهمه التي في كيسه لرأيته أسو البرية حالا
إن الغني إذا تكلم بالخطأ قالوا صدقت وما نطقت محالا
وإذا الفقير أصاب قالوا كلهم أخطأت يا هذا وقلت ضلالا
إن الدراهم في المواطن كلها تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السنان لمن أراد قتالا
تكلفة الفرصة البديلة: قيل لرجل اشتهر بالبخل:
لماذا لا تدعو الناس إلى مائدتك وأنت معروف بالتأنق واختيار ما يعجب من الطعام؟! قال: يمنعني من ذلك أني لم آكل مع أحد إلا رأيت منه ما يعيبه.
يلتهم كبد الدجاجة، ويستأثر بكلية الخروف، ويزدرد قانصة الأوز ويستولي على صدور الفراخ.
ولذا، فالوحدة عندي خير من أكيل السوء!!
غداء اقتصادي: قال أبو نواس في بخيل:
أبو نوح دخلت عليه يوماً فغداني برائحة الطعام
وقدَّم بيننا لحماً سميناً أكلناه على طبق الكلام
فلما أن رفعت يدي سقاني كؤوساً خمرها ريح المدام
فكان كمن سقى الظمآن آلاً وكنت كمن تغدى في المنام
خبير اقتصادي: كان بعض البخلاء إذا وقع الدرهم في كفه قال مخاطباً له: أنت عقلي وديني وصلاتي وصيامي، وجامع شملي وقرة عيني وقوتي وعمادي وعدتي، ثم يقول: يا حبيب قلبي وفؤادي قد صرت إلى من يصونك ويعرف حقك ويعظم قدرك ويشفق عليك، وكيف لا يكون كذلك وبك تجلب المسار، وتدفع المضار وتعظم الأقدار ويعتمر الديار، وتفتض الأبكار؟ ترفع الذكر وتعلى القدر ثم يطرحه في الكيس وينشد:
بنفسي محجوب عن العين شخصه وليس بخال من لساني ولا قلبي
ومن ذكره حظي من الناس كلهم وأول حظي منه في البعد والقرب
كرم اقتصادي: قال الجاحظ: قال أبو حسان كان عندنا رجل مقل وكان له أخ مكثر، وكان مفرط البخل شديد الافتخار بما ليس عنده، فقال له يوماً أخوه: ويحك!! أنا فقير معيل وأنت غني خفيف الظهر لا تعينني على الزمان ولا تؤاسيني ببعض مالك ولا تنفرج لي عن شيء؟ والله ما رأيت قط ولا سمعت بأبخل منك!!. قال: ويحك! ليس الأمر كما تظن في الغنى، ولا المال كما تحسب في الإنفاق، ولا أنا كما تقول في البخل ولا في العسر، والله لو ملكت ألف ألف درهم لوهبت لك خمس مائة ألف درهم.
يا هؤلاء، رجل يهب بضربة واحدة خمس مائة ألف يقال له بخيل!!
رؤيا اقتصادية: دخل أبو صاعد على الأمير الغنوي فأنشده:
رأيت في النوم أني مالك فرساً ولي وصيف وفي كفي دنانير
فقال: قوم لهم علم ومعرفة رأيت خيراً وللأحلام تفسير
اقصص منامك في بيت الأمير تجد تحقيق ذاك وللفأل التباشير
فلما سمع الأمير إنشاده قال: ﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ﴾ [يوسف: 44].
حيلة تجارية: ضل لأعرابي جمل، فحلف بالله أنه إن وجده باعه بدرهم! فوجده، فلزمه بيعه، فشد في عنق الجمل سنور (قط) وقال: السنور بمائة درهم والجمل بدرهم، ولا أبيعهما إلا معاً!!.
مجاعة: قال وهب بن شاذان:
مات في عرس سليمان من الجوع جماعة
مات أقوام وقوم علموا فيه القناعة
لم يكن ذلك عرساً إنما كان مجاعة
برأس المال: سرق رجل قميصاً فبعثه مع ابنه يبيعه، فسرق منه في الطريق، فلما رجع قال أبوه: بعت القميص، قال: نعم. قال بكم؟ قال: برأس المال.
إن كل قارئ لهذه القطوف يستطيع أن يتلمس العديد من الدلالات الاقتصادية من هذه المداعبات الطريفة، بل إن هناك أبعاداً اقتصادية نفيسة يمكن تبينها من بعض هذه الطرائف.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com