الحقيقة الأولى:
أن عبد الرحمن بن خلدون، أحد علماء القرن الثامن الهجري (أي الرابع عشر للميلاد)، قد سبق معظم العلماء الاقتصاديين بأربعة قرون على الأقل، واعتبر بذلك ((رائد علم الاقتصاد))، حتى أن الدكتور ((زكي محمود شبانه)) في محاضراته عن ((النظم الاقتصادية)) يقرِّر أن ((مقدمة)) ابن خلدون التي ظهرت عام 784 للهجرة (أي فيما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد)، هي صورة مماثلة لكتاب ((ثروة الأمم)) الذي كتبه أبو الاقتصاد الحديث ـ كما يقال ـ آدم سميث عام 1776م، وأنه رغم كون ابن خلدون قد سبق آدم سميث بخمسة قرون، فقد بحث في مقدمته مواضيع: الحضارة ونشؤوها، وإنتاج الثروة وصور النشاط الاقتصادي، ونظريات القيمة، والتوزيع، والسكان، ولا يختلف انكتابان إلا اختلافاً بيئياً وحسب..
هذا الرأي الذي أبداه أحد الباحثين الاقتصاديين العرب، قد أكده الاقتصادي الفرنسي المعاصر ((لويس بودين)) الذي يقول:
((إنه لمن المدهش حقاً الوقوف على دقة طريقة ابن خلدون العلمية القائمة على قانون السببية، وعلى غزارة الأفكار الجديدة في عصره، التي أوردها وحللها، قبل آدم سميث الملقب بأبي الاقتصاد الحديث بأربعمائة عام، فهو يشرح تقسيم العمل، والتخصص المهني، والنقود، والقيمة، والسكان، وغير ذلك من النظريات الاقتصادية، وليس من المبالغة في شيء اعتباره من أعظم الاقتصاديين الأوائل)).
وفضلاً عما تقدم، فإن العالم الاقتصادي ((كلوزيو)) يقول أيضاً: ((لئن كانت نظريات ابن خلدون عن حياة المجتمع تجعله في مقدمة فلاسفة التاريخ، فإن فهمه للدور الذي يؤديه العمل والملكية والأجور يُحلُّه في مقدمة العلماء الاقتصاديين المحدثين)).
الحقيقة الثانية:
أن شبهاً كبيراً يقوم بين كتاب ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد، المتوفى عام 230 للهجرة، وكتاب ((رأس المال)) لكارل ماركس، المتوفى عام 1883 للميلاد، كما أورده د. صلاح الدين نامق في مقدمته لكتاب ((المبادئ الاقتصادية في الإسلام)) الذي ألفه د. علي عبد الرسول، ونشرته دار الفكر العربي في القاهرة عام 1968م.
الحقيقة الثالثة:
أن كتاب ((هيود ألنون)) المتخصص في دراسات الضرائب والمالية العامة، والصادر عام 1936م الموافق لعام 1356 للهجرة، مطابقٌ لما جاء في كتاب ((الخراج)) لأبي يوسف المتوفى عام 193 للهجرة..
نكتفي بهذه الحقائق الثلاث، ثم نطرح سؤالاً منطقياً: لماذا وقع هذا التجاهل للاقتصاد الإسلامي ولعلماء الاقتصاد المسلمين، بل لماذا ادعى اللاحقون لأنفسهم ما كان السابقون قد أنجزوه؟!.
والجواب: يقدِّمه لنا الدكتور إبراهيم الطحاوي ، الذي يرى أن جهد الاقتصاديين الأوروبيين لم يتجاوز حدود ترجمة الدراسات من العربية إلى لغة بلادهم، ثم نسبتها إلى أنفسهم، اعتماداً على جهل مواطنيهم بالعربية من جهة، وعلى عدم انتباه المسلمين لتتبع مثل هذه ((الاقتباسات)) من جهة أخرى.
ا . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة
التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com