درج الناس على وصف القرن الماضي بأنه عصر السرعة، وذلك يرجع إلى التطور الهائل الذي طرأ على وسائل النقل والانتقال. وقد شهد أيضاً ثورة في ميدان الاتصال والوسائط، بحيث صار ممكناً أن يجلس المرء إلى جوار جهاز مسموع أو مرئي فيأتيه الصوت أو الصورة أو كلاهما معاً بأسرع من لمح البصر.
لقد جاءت الإذاعة فتسلّلت إلى الناس كوسوسة الشيطان، واستحوذت منهم على الآذان والتفوا حولها، وما لبث أن جاء التليفزيون فاستوليا على أفراد الأسرة، وضعف تأثير الأب، بل صار التليفزيون هو الأم المؤثرة في الأسرة ، وأصبح الناس على دين إذاعاتهم.
إن تضليل عقول البشر هو على حد قول باولو فرير ((أداة للقهر)). إنه يمثّل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة. يقول طه حسين ((إن أجهزة الإعلام تعرف شيئين اثنين لا ثالث لهما ((التبليه)) و((التأليه))، وكلاهما قادر على إغراق العقل وغيابه عن مواصلة ما يجري في الحياة. في الوقت الذي كان يقول فيه: ((لابد أن نأخذ التجربة والصورة الغربية في حضارتها خيرها وشرّها)).
إنً الإعلام في الوطن الإسلامي يعاني من:
1) الضمور أو الإفلاس الثقافي.
2) البث المباشر عبر الأقمار الصناعية.
إذ يقوم الإعلام ـ بوسائله المتعددة ـ بدور بارز في تحقيق أبلغ أهداف الغزو الفكري والثقافي أثراً وهو تغريب الهويّة الثقافية للأمة، ولقد كانت وسائل الإعلام من أخطر الوسائل التي سخّرها الغربيون.
التليفزيون ـ مثلاً ـ إحدى وسائل الإعلام المشهورة، وأهميته تفوق أي جهاز إعلامي آخر، وكذلك مؤثراته خطيرة جداً، يقول إبراهيم إمام: ((إن هناك تلوّثاً خطيراً يهتم به علماء الاجتماع والتربية هو التلوث الناجم عن التليفزيون)). ويقول رالف باناي: ((إذا كان السجن هو كلية لدراسة الإجرام، فإن التليفزيون هو المدرسة الإعدادية للانحراف)). ويذكر كيرتس بول أن هناك خمسة أسباب رئيسة للانحراف ـ انحراف الأحداث خاصة ـ مِنْ بينها التليفزيون والسيارة والسيجارة والخمر هي آفات القرن ، لأنها تؤذي جسم الإنسان وتفسد عقله.
لقد ترجمت في العصر الحديث العلوم، وذلك شيء لا غبار عليه، فإن الحضارة كلٌّ مشترك. أما نقل الثقافات برمتها، والآداب بجملتها، على ما فيها من مُثُل سيئة، وأدب رخيص مكشوف، وأفكار هدّامة، وعقائد ملحدة، وصور ذميمة، فإن ذلك قد عافه سلفنا الصالح.
ولا يظنّ ظان أن ((ألف ليلة وليلة)) و((كليلة ودمنة)) إنتاج إسلامي، ولكن ذلك عمل هندسي فارسي في جاهليتهم، ترجمه أناس مشكوك في حسن نواياهم ولقد عاف المسلمون مسرح اليونان الوثني ولم يرتضوا ما فيه من عقائد إباحيّة.
إذن، مَنْ يصحِّح المعادلة الإعلامية في العالم؟. من المؤسف حقاً أن نظام الإعلام العالمي الحالي بل وحتى المستقبلي القريب يتسم باختلاف أساسي بسبب عدم التوازن الذي فرضته الدول الكبرى على عملية تبادل المعلومات، حتى أصبحت معظم البلاد النامية وبصورة خاصة في عالمنا الإسلامي مجرد بلاد مستهلكة للمعلومات التي تصدّر إليها، ولعل الصورة تكون أشدّ خطورة، والهوّة أكثر اتساعاً إذا أخذنا في الاعتبار عصر الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية.
وقد جاء هذا الاختلال وعدم التوازن بسبب الهيمنة التي تفرضها الدول المتقدمة من خلال السيطرة التي تملكها عن طريق تملكُّها للتقنية الفنية العالمية، وسبقها في هذه المجالات، وعن طريق سيطرتها على وكالات الأنباء والإعلان، حتى أصبحت عملية الإعلان في الصحف والمجلات والتليفزيون والإذاعة، أدوات للسيطرة الثقافية، والإساءة إلى ثقافة البلد المستقبل وتشويه تاريخه وحضارته.
وما أجمل أن نختم بما قاله مالك بن نبي رحمه الله: مرّ العالم الإسلامي الحديث بمرحلة التكديس بإقامة حضارة عمادها تكديس الأشياء ونقل الواجهة الحضارية الغربية دون معرفة كنه المرض ولا حقيقة الدواء، فاندفع إلى صيدلية الغرب طالباً الشفاء، فصار يتناول حبوباً وأقراصاً، هذه لعلاج الجهل، وتلك لعلاج الفقر كما اهتم باستيراد الأشياء والمظاهر، ولكنه لو تعمّق في نظرته، لوجد أن الحضارة لا تُصنع بمنتوجاتها، كما أن الوالدة لا تلِدُها أولادُها.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة
التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com
لقد جاءت الإذاعة فتسلّلت إلى الناس كوسوسة الشيطان، واستحوذت منهم على الآذان والتفوا حولها، وما لبث أن جاء التليفزيون فاستوليا على أفراد الأسرة، وضعف تأثير الأب، بل صار التليفزيون هو الأم المؤثرة في الأسرة ، وأصبح الناس على دين إذاعاتهم.
إن تضليل عقول البشر هو على حد قول باولو فرير ((أداة للقهر)). إنه يمثّل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة. يقول طه حسين ((إن أجهزة الإعلام تعرف شيئين اثنين لا ثالث لهما ((التبليه)) و((التأليه))، وكلاهما قادر على إغراق العقل وغيابه عن مواصلة ما يجري في الحياة. في الوقت الذي كان يقول فيه: ((لابد أن نأخذ التجربة والصورة الغربية في حضارتها خيرها وشرّها)).
إنً الإعلام في الوطن الإسلامي يعاني من:
1) الضمور أو الإفلاس الثقافي.
2) البث المباشر عبر الأقمار الصناعية.
إذ يقوم الإعلام ـ بوسائله المتعددة ـ بدور بارز في تحقيق أبلغ أهداف الغزو الفكري والثقافي أثراً وهو تغريب الهويّة الثقافية للأمة، ولقد كانت وسائل الإعلام من أخطر الوسائل التي سخّرها الغربيون.
التليفزيون ـ مثلاً ـ إحدى وسائل الإعلام المشهورة، وأهميته تفوق أي جهاز إعلامي آخر، وكذلك مؤثراته خطيرة جداً، يقول إبراهيم إمام: ((إن هناك تلوّثاً خطيراً يهتم به علماء الاجتماع والتربية هو التلوث الناجم عن التليفزيون)). ويقول رالف باناي: ((إذا كان السجن هو كلية لدراسة الإجرام، فإن التليفزيون هو المدرسة الإعدادية للانحراف)). ويذكر كيرتس بول أن هناك خمسة أسباب رئيسة للانحراف ـ انحراف الأحداث خاصة ـ مِنْ بينها التليفزيون والسيارة والسيجارة والخمر هي آفات القرن ، لأنها تؤذي جسم الإنسان وتفسد عقله.
لقد ترجمت في العصر الحديث العلوم، وذلك شيء لا غبار عليه، فإن الحضارة كلٌّ مشترك. أما نقل الثقافات برمتها، والآداب بجملتها، على ما فيها من مُثُل سيئة، وأدب رخيص مكشوف، وأفكار هدّامة، وعقائد ملحدة، وصور ذميمة، فإن ذلك قد عافه سلفنا الصالح.
ولا يظنّ ظان أن ((ألف ليلة وليلة)) و((كليلة ودمنة)) إنتاج إسلامي، ولكن ذلك عمل هندسي فارسي في جاهليتهم، ترجمه أناس مشكوك في حسن نواياهم ولقد عاف المسلمون مسرح اليونان الوثني ولم يرتضوا ما فيه من عقائد إباحيّة.
إذن، مَنْ يصحِّح المعادلة الإعلامية في العالم؟. من المؤسف حقاً أن نظام الإعلام العالمي الحالي بل وحتى المستقبلي القريب يتسم باختلاف أساسي بسبب عدم التوازن الذي فرضته الدول الكبرى على عملية تبادل المعلومات، حتى أصبحت معظم البلاد النامية وبصورة خاصة في عالمنا الإسلامي مجرد بلاد مستهلكة للمعلومات التي تصدّر إليها، ولعل الصورة تكون أشدّ خطورة، والهوّة أكثر اتساعاً إذا أخذنا في الاعتبار عصر الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية.
وقد جاء هذا الاختلال وعدم التوازن بسبب الهيمنة التي تفرضها الدول المتقدمة من خلال السيطرة التي تملكها عن طريق تملكُّها للتقنية الفنية العالمية، وسبقها في هذه المجالات، وعن طريق سيطرتها على وكالات الأنباء والإعلان، حتى أصبحت عملية الإعلان في الصحف والمجلات والتليفزيون والإذاعة، أدوات للسيطرة الثقافية، والإساءة إلى ثقافة البلد المستقبل وتشويه تاريخه وحضارته.
وما أجمل أن نختم بما قاله مالك بن نبي رحمه الله: مرّ العالم الإسلامي الحديث بمرحلة التكديس بإقامة حضارة عمادها تكديس الأشياء ونقل الواجهة الحضارية الغربية دون معرفة كنه المرض ولا حقيقة الدواء، فاندفع إلى صيدلية الغرب طالباً الشفاء، فصار يتناول حبوباً وأقراصاً، هذه لعلاج الجهل، وتلك لعلاج الفقر كما اهتم باستيراد الأشياء والمظاهر، ولكنه لو تعمّق في نظرته، لوجد أن الحضارة لا تُصنع بمنتوجاتها، كما أن الوالدة لا تلِدُها أولادُها.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة
التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com