×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
بندر الرشيدي

الثقة بالنفس
بندر الرشيدي

إن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وإن الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الاطمئنان للإمكانات هو بداية الفشل، وكثير من الطاقات أهدرت وضاعت بسبب عدم إدراك أصحابها لما يتمتعون به من إمكانات أنعم الله بها عليهم لو استغلوها لاستطاعوا أن يفعلوا الكثير، والناس لا تحترم ولا تنقاد إلى من لا يثق بنفسه وبما عنده من مبادئ وقيم وحق، كما أن الهزيمة النفسية هي بداية الفشل، بل هي سهم مسموم إن أصابت الإنسان أردته قتيلاً .
يقول مونتغمري في كتابه 'الحرب عبر التاريخ': 'أهم مميزات الجيوش الإسلامية لم تكن في المعدات أو التسليح أو التنظيم, بل كانت في الروح المعنوية العالية وثقتهم العالية بأنفسهم".
"يقول جرودون بايرون: 'إن الثقة بالنفس هي الاعتقاد في النفس والركون إليها والإيمان بها,
وأوضح من هذا التعريف تعريف بعض علماء المسلمين: 'هي إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته, أي الإيمان بذاته"
والثقة بالنفس لا تعني الغرور أو الغطرسة، وإنما هي نوع من الاطمئنان المدروس إلى إمكانية تحقيق النجاح والحصول على ما يريده الإنسان من أهداف.


فالمقصد من الثقة بالنفس هو الثقة بوجود الإمكانات والأسباب التي أعطاها الله للإنسان، فهذه ثقة محمودة وينبغي أن يتربى عليها الفرد ليصبح قوي الشخصية، أما عدم تعرفه على ما معه من إمكانات, ومن ثم عدم ثقته في وجودها, فإن ذلك من شأنه أن ينشأ فردًا مهزوز الشخصية لا يقدر على اتخاذ قرار، فشخص حباه الله ذكاءً لكنه لا يثق في وجوده لديه, فلا شك أنه لن يحاول استخدامه، ولكن ينبغي مع ذلك أن يعتقد الواثق بنفسه أن هذه الإمكانات إنما هي من نعم الله تعالى عليهم, وإن فاعليتها إنما هي مرهونة بعون الله تعالى وتوفيه للعبد، وبذلك ينجو الإنسان الواثق بنفسه من شرك الغطرسة والغرور، وها هو سليمان عليه السلام الذي أتاه الله تعالى ملكًا لم يؤته أحدًا من العالمين، لما مر بجيشه على واد النمل وسمع النملة, فماذا كان (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل:19
فمع ثقته بنفسه وبما حباه الله عز وجل من ملك وإمكانات وقدرة على فهم لغة الحيوانات إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم ينس أن ينسب كل ذلك إلى محض فضل الله ومنته.


ومن بعض القصص الإسلامية الخالدة دلالةً على الثقة بالنفس:
- لما أرسل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ربعي بن عامر ليفاوض قائد الفرس رستم دخل ربعي بثيابه الرثة ورمحه وبغلته على رسم في إيوانه وبين حراسه وجنده، ودارت مفاوضات قذفت الرعب في قلب رستم وكان بداية لهزيمة الفرس، إذ سأل رستم ربعيًا فقال له: ما الذي جاء بكم؟
فقال ربعي بكل ثقة: 'الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة, وخاف رستم وأيقن أنه لن يستطيع أن يكسب الجولة مع هذا الصنف من البشر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "ونُصرت بالرعب مسيرة شهر.


- ولما بعث المقوقس عظيم مصر رسله إلى جيش عمرو بن العاص رضي الله عنه أبقاهم عمرو عنده يومين ليطلعوا على حياة جند رباهم الإسلام وهيأهم لفتح أرض الكنانة، فلما عادوا إلى المقوقس قالوا له: 'رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف رفيعهم من وضيعهم ولا السيد من العبد وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم فقال المقوقس: 'والذي يحلف به لو أن هؤلاء الرجال استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد"


بندر بن سويد الرشيدي
طالب دراسات عليا قسم الإدارة والتخطيط التربوي.. جامعة تبوك
بواسطة : بندر الرشيدي
 5  0