ثمة حقيقة مهمة ينبغي ملاحظتها في عالم أحدثت السيارة تغييراً عظيماً في مظهره بحيث ظهرت بصمتها واضحة في جميع مجالات الأنشطة وأساليب الحياة.
فعلى الرغم من أن المجتمعات في جميع أنحاء العالم تعرف النقل بدلالة قدرة الآلة المحركة، فإن القوة التي يبذلها الإنسان هي التي تلبي الجزء الأعظم من الاحتياجات التنقلية الشخصية.
إن ازدحام الشوارع بالمركبات وتعطل المرور، وما ينتج عن ذلك من تلوث الهواء في المدن والمطر الحمضي والتغير المناخي العالمي، يلفت الانتباه إلى الحاجة إلى بديل عن السيارة.
ولذا شجعت مناطق عديدة كثيفة التلوث العودة إلى استخدام الدراجات جزءاً من استراتيجياتها البيئية. وفي المقابل، فإن مدناً كثيرة مشبعة بالسيارات قد تخلت تقريباً عن الدراجة، فلقد عمل نمو الضواحي على انتشار الأعمال والمنازل والخدمات على مسافات بعيدة ثبطت استخدام الدراجات والنقل الجماعي.
إن السيارة التي قدمت للمجتمع الصناعي إمكانية التحرك الشخصي المستقل مع الراحة بدرجة لم تعرف من قبل، اعتبرت منذ وقت طويل مركبة المستقبل.. بيد أن البلاد التي أصبحت تعتمد على السيارة تدفع الآن ثمناً باهظاً.
إن كبريات مدن العالم التي تختنق شوارعها بالمركبات المحتشدة قد تتوقف الحركة فيها تماماً، قبل أن ينفد نفطها؛ فحركة المرور في مدن كثيرة أبطأ منها في حالة استخدام الدراجات، حيث تهبط سرعات السيارات في ساعات الذروة أحياناً إلى ثمانية كيلو مترات في الساعة.
والمشكلة أن أصحاب القرار يقتصرون في بحثهم، نموذجياً، على الحلول التقنية للمشكلات الناجمة عن السيارات، وهذا أسلوب لا يفي بالغرض، ما لم توجد بدائل عن استخدام السيارات.
كما أن إنشاء مزيد من الطرق ليس هو الحل لمشكلة الاكتظاظ واختناق الشوارع؛ فمخططو النقل يجدون أن إنشاء طرق سريعة جديدة إنما يجذب مزيداً من السيارات حيث يتحول بعض ركاب النقل العام إلى استخدام سياراتهم الخاصة، وتعمر مناطق جديدة بمحاذاة الطرق الجديدة.
يقول روبرت فاريس: لم يعد باستطاعتنا أن نركز في حلنا لأزمة الاكتظاظ كلية على بسط مزيد من الخرسانة والأسفلت؛ فالوقت ضيق للغاية والمال شحيح للغاية والأرض كثيراً ما لا تكون متاحة.
في عام 1988م أجرت مجلة نيوزويك لقاء صحفياً مع لايل ساكستون بشأن اختناق المرور عند تقاطع الطرق، فعلق بقوله: لقد أقمنا مجتمعنا حول السيارة، ويتعين علينا أن نتعامل معها.
بيد أن الحقيقة تقول إنه من غير المتعين على الحكومات والناس قبول الوضع الراهن.
إن أحسن طريق لتحقيق مصالح المدن البعيدة المدى هي أن تنحى الحواضر التي يزيد عدد سكانها على 500.000 نسمة إلى التخطيط الإقليمي، وتوضع خطط نمو تحد من الزحف الحضري الذي تسوده (الهرجلة).
ختاماً أقول: إن هناك في مختلف أنحاء العالم كميات ضخمة من تلك الأشياء التي لا تقدر بثمن من الأرض والنفط والهواء النظيف قد تُخلي عنها من أجل تزويد المركبات بمحركات، ومع هذا فإن معظم الناس في هذا العالم ربما لن يستطيعوا تملك سيارة!!
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com
فعلى الرغم من أن المجتمعات في جميع أنحاء العالم تعرف النقل بدلالة قدرة الآلة المحركة، فإن القوة التي يبذلها الإنسان هي التي تلبي الجزء الأعظم من الاحتياجات التنقلية الشخصية.
إن ازدحام الشوارع بالمركبات وتعطل المرور، وما ينتج عن ذلك من تلوث الهواء في المدن والمطر الحمضي والتغير المناخي العالمي، يلفت الانتباه إلى الحاجة إلى بديل عن السيارة.
ولذا شجعت مناطق عديدة كثيفة التلوث العودة إلى استخدام الدراجات جزءاً من استراتيجياتها البيئية. وفي المقابل، فإن مدناً كثيرة مشبعة بالسيارات قد تخلت تقريباً عن الدراجة، فلقد عمل نمو الضواحي على انتشار الأعمال والمنازل والخدمات على مسافات بعيدة ثبطت استخدام الدراجات والنقل الجماعي.
إن السيارة التي قدمت للمجتمع الصناعي إمكانية التحرك الشخصي المستقل مع الراحة بدرجة لم تعرف من قبل، اعتبرت منذ وقت طويل مركبة المستقبل.. بيد أن البلاد التي أصبحت تعتمد على السيارة تدفع الآن ثمناً باهظاً.
إن كبريات مدن العالم التي تختنق شوارعها بالمركبات المحتشدة قد تتوقف الحركة فيها تماماً، قبل أن ينفد نفطها؛ فحركة المرور في مدن كثيرة أبطأ منها في حالة استخدام الدراجات، حيث تهبط سرعات السيارات في ساعات الذروة أحياناً إلى ثمانية كيلو مترات في الساعة.
والمشكلة أن أصحاب القرار يقتصرون في بحثهم، نموذجياً، على الحلول التقنية للمشكلات الناجمة عن السيارات، وهذا أسلوب لا يفي بالغرض، ما لم توجد بدائل عن استخدام السيارات.
كما أن إنشاء مزيد من الطرق ليس هو الحل لمشكلة الاكتظاظ واختناق الشوارع؛ فمخططو النقل يجدون أن إنشاء طرق سريعة جديدة إنما يجذب مزيداً من السيارات حيث يتحول بعض ركاب النقل العام إلى استخدام سياراتهم الخاصة، وتعمر مناطق جديدة بمحاذاة الطرق الجديدة.
يقول روبرت فاريس: لم يعد باستطاعتنا أن نركز في حلنا لأزمة الاكتظاظ كلية على بسط مزيد من الخرسانة والأسفلت؛ فالوقت ضيق للغاية والمال شحيح للغاية والأرض كثيراً ما لا تكون متاحة.
في عام 1988م أجرت مجلة نيوزويك لقاء صحفياً مع لايل ساكستون بشأن اختناق المرور عند تقاطع الطرق، فعلق بقوله: لقد أقمنا مجتمعنا حول السيارة، ويتعين علينا أن نتعامل معها.
بيد أن الحقيقة تقول إنه من غير المتعين على الحكومات والناس قبول الوضع الراهن.
إن أحسن طريق لتحقيق مصالح المدن البعيدة المدى هي أن تنحى الحواضر التي يزيد عدد سكانها على 500.000 نسمة إلى التخطيط الإقليمي، وتوضع خطط نمو تحد من الزحف الحضري الذي تسوده (الهرجلة).
ختاماً أقول: إن هناك في مختلف أنحاء العالم كميات ضخمة من تلك الأشياء التي لا تقدر بثمن من الأرض والنفط والهواء النظيف قد تُخلي عنها من أجل تزويد المركبات بمحركات، ومع هذا فإن معظم الناس في هذا العالم ربما لن يستطيعوا تملك سيارة!!
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com