ما من كائن في هذه الحياة إلا وبينه وبين الموجودات التي حوله نوع من الاشتراك ، فبين الإنسان وغيره من الحيوانات الاشتراك في الخوف من المجهول ، وبذلك يتم التعايش في هذه الدنيا ، في مساحة المشتركات الموجودة .
وما أجمل أن ينطلق الإنسان مما يحسن ، وأن يدع مالا يحسنه إلى من يحسنه ويعرف تفاصيله ، وليس إشكالية العلوم في جزئياتها ، لأن الجزئية لن يُثيرها في الغالب إلا من هو من بني جلدة ذلك التخصص وذلك العلم ، وإنما الإشكالية تكمن في ذلك الجزء المشترك بين أنواع العلوم ، فإنه ما من علم إلا وبينهم قدر مشترك واتفاق عام .
وإن هذا القدر المشترك التي تتداخل فيه العلوم هو موضع الاختلاف والجدل بين فئات التيار الواحد ، أو الجماعة الواحدة ، لأن كلا منهم يرى أن له الحق في خوض غمار هذا القدر المشترك بحسب تراكماته العلمية ، وحسب مبلغه من العلم بذلك القدر .
لذلك فأغلب الخلاف في الآونة الأخيرة ينصب على هذا القدر المشترك ، الذي يرى كل فرد من أفراد النخب أن له كامل الأحقية في التحدث عنه ، وإبداء الآراء المتعلقة به ، وحل المشكلات والمعضلات المتعلقة بذلك .
ومن أبرز تلك الاختلافات التي هي موجودة اليوم على الساحة ، هو اشتراك الناس في علم الديانة بعمومها ، فهو العلم الوحيد الذي يطمئن من حوله ، ويكسبه نوعا من الارتياح ، لأنه يجيب على المشكلات الكبرى ، والهواجس التي تؤرق المرء ، وخصوصا تلك التي تحدث بعد موته وانتقاله من هذه الدنيا ، وبداية خلقه وتكوينه ، ولذلك أكسب هذا العلم لمن يتلقاه نوعا من الارتياح والطمأنينة ، فكل من يتحدث بهذا المنطلق ستجد أنه مصدق ويستجاب له ، فعند التأمل ستجد أن أغلب الثورات اقصد القديمة منها- قامت من هذا المنطلق ، حتى الثورات التي تحمل نهجا مغايرا مثل ثورة مارتن فإنه كان يثور ليفسر الكتاب المقدس .
ولا أشك أن هذا الجانب أصبح هو الجانب المستغل ، لأنه الجانب الذي يأسر المتلقي ، أيا كان هذا المتحدث ، لأنه مجال يشترك فيه الناس أجمعون ، مهما اختلفت مشاربهم ، واختلفت آراؤهم ، لذلك هو الجانب المؤثر في المجتمعات بالدرجة الأولى .
ولو تأملنا جميع العلوم العلمية والتطبيقية ، فإنا سنجدها قطعا لابد أن تعود وتنطلق من الثوابت والمبادئ التي يؤمن بها مجموعة من الناس، فيحاولون تسخير تلك العلوم لما لا يخالف تلك الثوابت ، وقد اختلف تسخير الناس لتلك العلوم بين راد لها أواتهامها بالانحراف ، وبين مؤلف لها ومنافح عنها يردد عدم التعارض بينها وبين الثوابت والمبادئ التي يؤمن بها ، وأن إيهام التعارض ضرب من أضرب الوسواس القائم على الهوس والخوف من أجل المحافظة على الطهر والنزاهة .
إن هذا مثال على الاشتراك العلمي الذي يقع فيه الناس ، وتختلف الأفهام عليه ، فكل يرى أنه مؤهل وأهل للقيام بهذا العلم والتحدث باسم أهله .
وهذا الأمر لا ينبغي أن نجعله حاجزا للناس من تعلم هذه العلوم ، بحجة الخصوصية لأهله ، وما إلى ذلك من أوهام التخصصات التي تختلق اليوم لتكون مادة دسمة للرد على المخالف ، بل يجب علينا أن نوسع الدائرة وأن نجعل الجميع يشارك بالفهم والنهل من هذه العلوم بحسب طاقته وقدرته .
ولابد من هذا الاشتراك ووجوده في العلوم ، ولكنه يصبح ظاهرة غير صحية إذا كانت هناك محاولة لاستغلال هذا الاشتراك في إحداث الإرباك داخل المجتمع ، بحجة الاشتراك ، ويصبح ظاهرة غير صحية إذا كان المتحدث لم يحاول القراءة في هذا المشترك كعلم ينهل منه ثوابته ومبادئه وركائزه الأصلية التي ينطلق منها ، لا أن يعمد إلى قراءة الحركات التي تتبنى هذا العلم الذي فيه نوع من الاشتراك معه ، ويبدأ ويحكم بالأحكام جزافا ، ويصبح ظاهرة غير صحية إذا لم يكن يؤمن بهذا الاشتراك ثم يدعي نفي العلم الذي يقع فيه الاشتراك لنظرياته التي يؤمن بها ، لا من أجل وجود حقيقة النفي ، ولكن من أجل طمأنة الناس لخطابه الذي يريد إبلاغه للجمهور .
إن البلاء الذي نواجهه في هذا الاشتراك ، هو التعدي على أهل كل فن وجهابذته بحجة هذا المشترك ، فيخالف أصول متفق عليها ، ومصالح تم الإقرار عليها عند أهل الفن .
والكلام هنا منصب على محل الاتفاق ، أم محل النزاع فالأمر فيها أوسع ، ولكن يواجه أصحاب الاشتراك مع المتخصص في علم من العلوم بعدم الأهلية ، وعند التمحيص في مدلول هذه اللفظة ستجد أن المقصود محصور في الشهادة الأكاديمية ، وهذا خطأ شائع يحمله بعض المجتمعات ، فكثير من المجتمعات ما عادت ترضخ تحت وطأة هذه المفهوم ، فكم من أكاديمي لا يحمل من شهادته إلا اسمها ؟ .
إن إيماننا بهذا الاشتراك ، يعني إيماننا بوجود مفاهيم جديدة ، ومساجلات علمية نزيهة ، تتسع الساحات للتعايش في ظله ، ويقل من خلاله الاتهامات المجازفة ، التي تكون سببا للفرقة ، وللخروج بصوت المعارض الحاقد ، لأنه فتح بابه لتقبل وجهة نظر نزيهة ، فوجد الاتهامات تصب عليها صبا ، فلنوسع دائرة المشترك ، كما هو موسع في أصل خِلقة هذا الكون .
m.a.d.y@hotmail.com
محمد آل الياس
وما أجمل أن ينطلق الإنسان مما يحسن ، وأن يدع مالا يحسنه إلى من يحسنه ويعرف تفاصيله ، وليس إشكالية العلوم في جزئياتها ، لأن الجزئية لن يُثيرها في الغالب إلا من هو من بني جلدة ذلك التخصص وذلك العلم ، وإنما الإشكالية تكمن في ذلك الجزء المشترك بين أنواع العلوم ، فإنه ما من علم إلا وبينهم قدر مشترك واتفاق عام .
وإن هذا القدر المشترك التي تتداخل فيه العلوم هو موضع الاختلاف والجدل بين فئات التيار الواحد ، أو الجماعة الواحدة ، لأن كلا منهم يرى أن له الحق في خوض غمار هذا القدر المشترك بحسب تراكماته العلمية ، وحسب مبلغه من العلم بذلك القدر .
لذلك فأغلب الخلاف في الآونة الأخيرة ينصب على هذا القدر المشترك ، الذي يرى كل فرد من أفراد النخب أن له كامل الأحقية في التحدث عنه ، وإبداء الآراء المتعلقة به ، وحل المشكلات والمعضلات المتعلقة بذلك .
ومن أبرز تلك الاختلافات التي هي موجودة اليوم على الساحة ، هو اشتراك الناس في علم الديانة بعمومها ، فهو العلم الوحيد الذي يطمئن من حوله ، ويكسبه نوعا من الارتياح ، لأنه يجيب على المشكلات الكبرى ، والهواجس التي تؤرق المرء ، وخصوصا تلك التي تحدث بعد موته وانتقاله من هذه الدنيا ، وبداية خلقه وتكوينه ، ولذلك أكسب هذا العلم لمن يتلقاه نوعا من الارتياح والطمأنينة ، فكل من يتحدث بهذا المنطلق ستجد أنه مصدق ويستجاب له ، فعند التأمل ستجد أن أغلب الثورات اقصد القديمة منها- قامت من هذا المنطلق ، حتى الثورات التي تحمل نهجا مغايرا مثل ثورة مارتن فإنه كان يثور ليفسر الكتاب المقدس .
ولا أشك أن هذا الجانب أصبح هو الجانب المستغل ، لأنه الجانب الذي يأسر المتلقي ، أيا كان هذا المتحدث ، لأنه مجال يشترك فيه الناس أجمعون ، مهما اختلفت مشاربهم ، واختلفت آراؤهم ، لذلك هو الجانب المؤثر في المجتمعات بالدرجة الأولى .
ولو تأملنا جميع العلوم العلمية والتطبيقية ، فإنا سنجدها قطعا لابد أن تعود وتنطلق من الثوابت والمبادئ التي يؤمن بها مجموعة من الناس، فيحاولون تسخير تلك العلوم لما لا يخالف تلك الثوابت ، وقد اختلف تسخير الناس لتلك العلوم بين راد لها أواتهامها بالانحراف ، وبين مؤلف لها ومنافح عنها يردد عدم التعارض بينها وبين الثوابت والمبادئ التي يؤمن بها ، وأن إيهام التعارض ضرب من أضرب الوسواس القائم على الهوس والخوف من أجل المحافظة على الطهر والنزاهة .
إن هذا مثال على الاشتراك العلمي الذي يقع فيه الناس ، وتختلف الأفهام عليه ، فكل يرى أنه مؤهل وأهل للقيام بهذا العلم والتحدث باسم أهله .
وهذا الأمر لا ينبغي أن نجعله حاجزا للناس من تعلم هذه العلوم ، بحجة الخصوصية لأهله ، وما إلى ذلك من أوهام التخصصات التي تختلق اليوم لتكون مادة دسمة للرد على المخالف ، بل يجب علينا أن نوسع الدائرة وأن نجعل الجميع يشارك بالفهم والنهل من هذه العلوم بحسب طاقته وقدرته .
ولابد من هذا الاشتراك ووجوده في العلوم ، ولكنه يصبح ظاهرة غير صحية إذا كانت هناك محاولة لاستغلال هذا الاشتراك في إحداث الإرباك داخل المجتمع ، بحجة الاشتراك ، ويصبح ظاهرة غير صحية إذا كان المتحدث لم يحاول القراءة في هذا المشترك كعلم ينهل منه ثوابته ومبادئه وركائزه الأصلية التي ينطلق منها ، لا أن يعمد إلى قراءة الحركات التي تتبنى هذا العلم الذي فيه نوع من الاشتراك معه ، ويبدأ ويحكم بالأحكام جزافا ، ويصبح ظاهرة غير صحية إذا لم يكن يؤمن بهذا الاشتراك ثم يدعي نفي العلم الذي يقع فيه الاشتراك لنظرياته التي يؤمن بها ، لا من أجل وجود حقيقة النفي ، ولكن من أجل طمأنة الناس لخطابه الذي يريد إبلاغه للجمهور .
إن البلاء الذي نواجهه في هذا الاشتراك ، هو التعدي على أهل كل فن وجهابذته بحجة هذا المشترك ، فيخالف أصول متفق عليها ، ومصالح تم الإقرار عليها عند أهل الفن .
والكلام هنا منصب على محل الاتفاق ، أم محل النزاع فالأمر فيها أوسع ، ولكن يواجه أصحاب الاشتراك مع المتخصص في علم من العلوم بعدم الأهلية ، وعند التمحيص في مدلول هذه اللفظة ستجد أن المقصود محصور في الشهادة الأكاديمية ، وهذا خطأ شائع يحمله بعض المجتمعات ، فكثير من المجتمعات ما عادت ترضخ تحت وطأة هذه المفهوم ، فكم من أكاديمي لا يحمل من شهادته إلا اسمها ؟ .
إن إيماننا بهذا الاشتراك ، يعني إيماننا بوجود مفاهيم جديدة ، ومساجلات علمية نزيهة ، تتسع الساحات للتعايش في ظله ، ويقل من خلاله الاتهامات المجازفة ، التي تكون سببا للفرقة ، وللخروج بصوت المعارض الحاقد ، لأنه فتح بابه لتقبل وجهة نظر نزيهة ، فوجد الاتهامات تصب عليها صبا ، فلنوسع دائرة المشترك ، كما هو موسع في أصل خِلقة هذا الكون .
m.a.d.y@hotmail.com
محمد آل الياس