منه خَلَق الله كل شيء كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30]، ولهذا فلا غنى لحيٍّ عنه، مِن أوصافه أنه لطيف شفّاف، ومع هذا قد يكون مدمِّرًا، وتراه على خفته وشفافيته يحمل الأثقال العظيمة، والأحمال الكبيرة، وهذه الأمور المتضادة في هذا المخلوق العجيب؛ تدل على عظمة خالقه، وتصرفه في كونه، فهو سبحانه إن أراد هذا الماء نعمةً كان كذلك، فنبتت به الأرض، وأثمر به الزرع، ودرَّ بسببه الضرع، واستبشر به الخلْق، كما قال سبحانه: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الروم: 48].
وإذا أراده نقمةً سلّطه على مَن يشاء، فكان عذاباً، قال تعالى عن سيل العرم: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ [سبأ: 16]، وقال تعالى عن فرعون: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 90].
وبهذا ندرك أنّ أمر هذا الماء إلى الله، يأمره فيأتمر، ولعلنا نتذكر قصة موسى عليه السلام لمّا وصل هو وقومه البحر، ووقفوا أمامه ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: 61- 63].
انفلق البحر بقدرة الله، ووقف الماء السيّال؛ فأصبح كالجبال ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾، وأصبح المكان يابسًا كما قال سبحانه: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه: 77]، وقد كان هذا الأمر عذابًا على فرعون وجنوده؛ لأنهم ظلمة، وكان نعمةً على موسى عليه السلام والمؤمنين معه، لهذا صام موسى هذا اليوم شكرًا لله، وهو يوم عاشوراء، الذي يصومه المسلمون شكرًا لله، فهل نعتبر بذلك، وندرك أنّ الماء جنديٌّ من جنود الله، يسخِّره فيكون رحمة، ويسيّره فيكون عذابًا؟
نسأل الله الرحمة والفضل.
د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك
وإذا أراده نقمةً سلّطه على مَن يشاء، فكان عذاباً، قال تعالى عن سيل العرم: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ [سبأ: 16]، وقال تعالى عن فرعون: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 90].
وبهذا ندرك أنّ أمر هذا الماء إلى الله، يأمره فيأتمر، ولعلنا نتذكر قصة موسى عليه السلام لمّا وصل هو وقومه البحر، ووقفوا أمامه ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: 61- 63].
انفلق البحر بقدرة الله، ووقف الماء السيّال؛ فأصبح كالجبال ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾، وأصبح المكان يابسًا كما قال سبحانه: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه: 77]، وقد كان هذا الأمر عذابًا على فرعون وجنوده؛ لأنهم ظلمة، وكان نعمةً على موسى عليه السلام والمؤمنين معه، لهذا صام موسى هذا اليوم شكرًا لله، وهو يوم عاشوراء، الذي يصومه المسلمون شكرًا لله، فهل نعتبر بذلك، وندرك أنّ الماء جنديٌّ من جنود الله، يسخِّره فيكون رحمة، ويسيّره فيكون عذابًا؟
نسأل الله الرحمة والفضل.
د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك