الحمد لله - حمداً كثيراً بعيدَ المدى- الذي أعطى كلَّ شيءٍ خلقَهُ ثمَّ هَدَى. والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، محمدٍ رسول الله صادقِ الوعدِ الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أمّا بعد:
فبما أنّ شجرة المسكيت قد استفحل أمرها وأصبح ظاهرةً تحتاج إلى دراسةٍ مستفيضةٍ، بل وأضحى مشكلةً عويصةً تدعوا أبناء عمومتي- أهل المملكة، الكرام النجباء، بصفةٍ عامةٍ وأهل تبوك بصفةٍ خاصةٍ إلى اجتثاث تلك الشجرة من فوق الأرض؛ فاسمحوا لي أن أبدأ بما قاله شاعر بني أمية عندما استفحل أمر بني العباس، فكان قد قال:
أرى تَحتَ الرَّمادِ وَمِيضَ نارٍ *** وأَخْشَى أن يكونَ لَها ضِرَامُ
فإنَّ النـّارَ بالعـودَيـْنِ تُذكَـى *** وإنَّ الحَـرْبَ أوَّلـُها كَلامُ
أقولُ من التعجُّب ليت شعري*** أ أيقـاظٌ أميـةَ أم نيـامُ !؟
لا جَرمَ أنّ شجرةَ المسكيت نباتٌ شيطاني ، يعيش في كل تربةٍ ،خصبةٍ كانت، أم جرداء قاحلة. وتنتشر انتشار النار في الهشيم، غير أنّ النار لا تستطيع الانتشار فيها إلاّ بشقِّ الأنفس. فإن أنت أشعلت فيها النار وجئت بعد برهةٍ لوجدت ساقها- أقول ساقها لأنّ النار تكون قد تحولت بعد الإمساك بالشجرة إلى وميضٍ خافتٍ، كالذي يتأرجح من شمعةٍ تلفظ أنفاسها الأخيرة، ثمّ خبت وسكن لهيبها قبل أن تلامس الفروع- لوجدته "أي الساق" ذا لونين : جانب أسود متفحم حيث أذهبت النار ماءه ولم يبق إلاّ الكربون الأسود، وجانب ما زال مخضراً لأنّ النار لم تستطع الوصول إليه.أمّا إذا نَمَت وازدهرت ثمّ أزهرت صار طلعها مشابهاً لشجرة الزقوم حيث وصفها جلّ من قائل بقوله:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ }الصافات65.
ولشجرة المسكيت مع أهلي بالسودان حكاية طويلةٌ ومحزنةٌ. ففي أوائل الثمانينات من القرن الماضي- أي القرن العشرين- كثر الجفاف والتصحّر بسوداني الحبيب. و جفّت الأنهار الموسمية مثل دلتا طوكر ونهر القاش الذي يمر بمدينة كسلا، حيث كنت ترى على جانبيه أشجار الموز والمانجو الظليلة والمثمرة والتي ألهمت شاعرنا أن يقول فيها من أجمل ما قيل في الشعر الغنائي العربي في هذا الزمان، فقد قال قصيدة متوسطة الطول لا أذكر منها سوى قوله:
كَسَلا أشرقت بها شمسُ وَجْدِي *** فَهيَ في الحقِّ جنّةُ الإشراقِ
كان صُبـحــاً طَـلْـقَ المُحَيـَّا نديَّـاً *** إذْ حلَلْنَـا حديقـةَ العُشَّــاقِ
نغمُ الساقيـاتِ حـرَّك أشْجـاني *** وهاجَ الهـوى أنيـنُ السـواقي
أما الآن فقد احتلّت شجرة المسكيت الخبيثة مكان تلك الأشجار. و بناءً على رواية العوام من بني وطني- إلاّ أنّ العوامَ مصدرٌ غيرُ موثوقٍ به- إذ كنتُ وقتها في سلطنة عمان، فقد جاء خبراء من أمريكا وأوصوا بزراعة شجرة المسكيت، مشيرين إلى أنها تحفظ التربة من التفكك نتيجةً لعوامل التعرية وتمنعها من الانتقال مع الرياح.وهذا صحيحٌ من الناحية العلمية، لكن ظهرت آثار جانبية لشجرة المسكيت جعلت ضررها أكبر من نفعها، مثل انتشارها في كلّ الرقعة الزراعية، فإذا حملت الرياح بذورها إلى أي مكانٍ نمت فيه وإن أكلتها الأغنام فهي لا تستطيع هضم تلك البذور فتخرجها وهي أكثر قابلية للنمُوِّ بل أشدُّ خطورةً من اليورانيوم المخصب- إن جاز التعبير. وإذا أنشبت أظفارها أي غرزت جذورها عميقاً في التربة فهي تمتصُّ معظم المياه الجوفية القريبة من السطح و لا تترك لجيرانها من النباتات الأُخَر شيئاً يذكر. وهذا يظهر جلياً في اخضرارها الشديد وفي ذبول تلك النباتات.
هذا وقد كانت عندي نخلة في ساحة منزلنا، حبيبة إلى نفسي أهزُّ جذعها نهاراً في موسم نضج التمر فتساقط عليَّ رطباً جنياً وتهزّها نسمة الأسحار فتتمايل جرائدها لتخفي عني ضوء القمر لحظة وتظهره أخرى فيداعب عيني قائلاً لها: (إنّ الصبح قد أقبل، ألا تحبين أن يجعل الله صاحبك مع الذين وصفهم أصدق القائلين- سبحانه و تعالى- بقوله:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الذاريات:18. فجاءت شجرة المسكيت إلى تلك الساحة وشربت ماء النخلة حتى ذبلت الأخيرة وصارت جرائدها كالعرجون القديم.
وملأت شجرة المسكيت البيوت المهجورة والتي تركها أصحابها وضربوا في الأرض بحثاً عن الرزق الحلال. فتحولت تلك الساحات إلى غابات كثيفة كأنها على جانبي نهر الأمازون. ولو وقف بها عنترة نهاراً جهاراً لَمُلأ منها رعباً ولنسي عبلة التي كان يذكرها في أحلك المواقف حيث قال لها، أي لحبيبته عبلة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ منّي *** وبيضُ الهندِ تَقطِرُ من دَمِي
فودِدْتُ تقبيـلَ السيـوفِ لأنـَّهــا *** لمَعتْ كبـارقِ ثَغركِ المتبسِّمِ
ولكن دعونا نعود لمحاربة النبت الشيطاني (شجرة المسكيت)، والعود أحمد.فنصيحتي لكم إخوتي في العروبة والإسلام- أن تجتثوها من فوق الأرض في أسرع فرصةٍ ممكنةٍ قبل أن يستفحل أمرها وتصعب إزالتها أو تكون مكلفةً جِدَّا،
ولقد رأيتها بعيني رأسي وهي تنتشر في صمت رهيب وبسرعة هائلة في أبي سبعة وطريق المدينة وكانت هناك واحدة كبيرة بجوار فندق الحمدان، بل وحتى الورود والمروج لم يسلما من شظاياها. وبعد المدينة المنورة في طريق العمرة وقبل الجموم على مشارف مكة المكرمة بل وفي جدة والقنفذة ومعظم وديان الجنوب، ولا أدري شيئاً عن الرياض والدمام فأنا ما زرت من المملكة الحبيبة مكاناً شرقياً. والعاقل من اتعظ بغيره. ولقد كتبت مقالتي هذه وأنا لا أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، والله على ما أقول وكيل. كيف لا ! فبلادكم الطيبة بلاد الحرمين. وأنتم- أبناء عمومتي- أحسنتم وفادتي وأكرمتم مثواي، وعندما كان إبليس ينجح أحيانا في الإمساك بزمام نفسي الجامحة و يضلّها ضلالاّ بعيداً ، كنت أتمثل بقول أحد مادحي خير البرية حيث يقول عن نفسه الجامحة:
من لي بردِّ جِماحٍ عن غوايتها *** كما يُرَدُّّ جِماحُ الخيلِ باللُّجُمِ
وفجأة أجد أحد أبنائي من السعوديين الطيبين قد اقتلع زمامها من إبليس بالهداية والإرشاد الجاد وأرجعها إلى جادة الطريق الذي بيَّنه خير البرية، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وفي الختام أتمنى من الله العلي القدير أن يوفقكم إلى إدراك خطورة الأمر فتعملوا جادين على إزالة تلك الشجرة الخبيثة، فأقول لكم ما قاله الشاعر- مترجم كسرى- لأهله بالأحساء عندما أحس بأن كسرى يعدُّ العدَّةَ لحربهم في سرية تامة ، فقد حذّرهم بقصيدة جميلةٍ - تسببت في قطع لسانه قبل مقتله- قال فيها:
قوموا قياماً على أمشاطِ أرجُلِكُمْ*** وافزعوا فقد ينالُ الأمنَ مَنْ فزعا
أرجو أن يتمّ ذلك قريباً ولا أريد أن أقول لكم ما قاله دريد بن الصّمة :-
أمرتهمو أمري بمنعرج اللِّوَى *** فلم يستبينوا النُّصحَ إلاّ ضُحَى الغدِ.
والمعذرة كلّ المعذرة إن كان نصيب الشعر أكبر من نصيب الشجرة، فلقد أردت أن تميل مقالتي إلى الأدب العربي فيكون وقعها خفيفاً على النفس بدلاً من أن تكون علميةً جادة فتُصبِحَ ثقيلةَ الظلِّ. أحبتي في الله! احذروا المسكيت وحاربوه بكل ما استطعتم من قوة! ولا تستهينوا به أو تهنوا في حربه. أقضوا عليها تماماً ولا تتركوا منه شجيرةً واحدةً وإلاّ انتشرت من جديد، فهي العدوُّ اللّدود. ويحضرني هنا حكاية الإنجليز عندما غزوا جنوب أفريقيا قبل أكثر من مائتي عام وحاربتهم قبائل الزولو حرباً ضروساً بقيادة ملكهم (شاكا زولو) الذي كان يقول لجنده على لسان الإنجليز :
{Never leave an enemy behind, or it will rise again and leap at your throat!}
[( لاتترك عدواً خلفك "أي أقضوا عليه تماماً " وإلاّ نهض مرةً أخرى و وثب على حلقك!).
وكنت قد نويت أن أقول الكثير، المثير الخطير، ولكني تذكرت أنّ الناس في هذا الزمان وخاصةً حدثاء الأسنان منهم قد درجوا على شراء الوجبات الخفيفة التي يجدونها بكثرة في الأسواق المنتشرة في الشبكة العنكبوتية مثل انتشار المسكيت بالسودان.
وأسأل المولى عزّ وجلّ أن يوفق الجميع للعمل بما فيه الخير للإسلام والمسلمين وبكل ما يؤدي إلي مرضاته، والصلاة والسلام على خير الأنام، نبينا وحبيبنا محمدٍ مسك الختام.
كتبـه
التجاني محمد صديق (أبو سارة)
مترجم بشعبة دعوة وتوعية الجاليات بتبوك
فبما أنّ شجرة المسكيت قد استفحل أمرها وأصبح ظاهرةً تحتاج إلى دراسةٍ مستفيضةٍ، بل وأضحى مشكلةً عويصةً تدعوا أبناء عمومتي- أهل المملكة، الكرام النجباء، بصفةٍ عامةٍ وأهل تبوك بصفةٍ خاصةٍ إلى اجتثاث تلك الشجرة من فوق الأرض؛ فاسمحوا لي أن أبدأ بما قاله شاعر بني أمية عندما استفحل أمر بني العباس، فكان قد قال:
أرى تَحتَ الرَّمادِ وَمِيضَ نارٍ *** وأَخْشَى أن يكونَ لَها ضِرَامُ
فإنَّ النـّارَ بالعـودَيـْنِ تُذكَـى *** وإنَّ الحَـرْبَ أوَّلـُها كَلامُ
أقولُ من التعجُّب ليت شعري*** أ أيقـاظٌ أميـةَ أم نيـامُ !؟
لا جَرمَ أنّ شجرةَ المسكيت نباتٌ شيطاني ، يعيش في كل تربةٍ ،خصبةٍ كانت، أم جرداء قاحلة. وتنتشر انتشار النار في الهشيم، غير أنّ النار لا تستطيع الانتشار فيها إلاّ بشقِّ الأنفس. فإن أنت أشعلت فيها النار وجئت بعد برهةٍ لوجدت ساقها- أقول ساقها لأنّ النار تكون قد تحولت بعد الإمساك بالشجرة إلى وميضٍ خافتٍ، كالذي يتأرجح من شمعةٍ تلفظ أنفاسها الأخيرة، ثمّ خبت وسكن لهيبها قبل أن تلامس الفروع- لوجدته "أي الساق" ذا لونين : جانب أسود متفحم حيث أذهبت النار ماءه ولم يبق إلاّ الكربون الأسود، وجانب ما زال مخضراً لأنّ النار لم تستطع الوصول إليه.أمّا إذا نَمَت وازدهرت ثمّ أزهرت صار طلعها مشابهاً لشجرة الزقوم حيث وصفها جلّ من قائل بقوله:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ }الصافات65.
ولشجرة المسكيت مع أهلي بالسودان حكاية طويلةٌ ومحزنةٌ. ففي أوائل الثمانينات من القرن الماضي- أي القرن العشرين- كثر الجفاف والتصحّر بسوداني الحبيب. و جفّت الأنهار الموسمية مثل دلتا طوكر ونهر القاش الذي يمر بمدينة كسلا، حيث كنت ترى على جانبيه أشجار الموز والمانجو الظليلة والمثمرة والتي ألهمت شاعرنا أن يقول فيها من أجمل ما قيل في الشعر الغنائي العربي في هذا الزمان، فقد قال قصيدة متوسطة الطول لا أذكر منها سوى قوله:
كَسَلا أشرقت بها شمسُ وَجْدِي *** فَهيَ في الحقِّ جنّةُ الإشراقِ
كان صُبـحــاً طَـلْـقَ المُحَيـَّا نديَّـاً *** إذْ حلَلْنَـا حديقـةَ العُشَّــاقِ
نغمُ الساقيـاتِ حـرَّك أشْجـاني *** وهاجَ الهـوى أنيـنُ السـواقي
أما الآن فقد احتلّت شجرة المسكيت الخبيثة مكان تلك الأشجار. و بناءً على رواية العوام من بني وطني- إلاّ أنّ العوامَ مصدرٌ غيرُ موثوقٍ به- إذ كنتُ وقتها في سلطنة عمان، فقد جاء خبراء من أمريكا وأوصوا بزراعة شجرة المسكيت، مشيرين إلى أنها تحفظ التربة من التفكك نتيجةً لعوامل التعرية وتمنعها من الانتقال مع الرياح.وهذا صحيحٌ من الناحية العلمية، لكن ظهرت آثار جانبية لشجرة المسكيت جعلت ضررها أكبر من نفعها، مثل انتشارها في كلّ الرقعة الزراعية، فإذا حملت الرياح بذورها إلى أي مكانٍ نمت فيه وإن أكلتها الأغنام فهي لا تستطيع هضم تلك البذور فتخرجها وهي أكثر قابلية للنمُوِّ بل أشدُّ خطورةً من اليورانيوم المخصب- إن جاز التعبير. وإذا أنشبت أظفارها أي غرزت جذورها عميقاً في التربة فهي تمتصُّ معظم المياه الجوفية القريبة من السطح و لا تترك لجيرانها من النباتات الأُخَر شيئاً يذكر. وهذا يظهر جلياً في اخضرارها الشديد وفي ذبول تلك النباتات.
هذا وقد كانت عندي نخلة في ساحة منزلنا، حبيبة إلى نفسي أهزُّ جذعها نهاراً في موسم نضج التمر فتساقط عليَّ رطباً جنياً وتهزّها نسمة الأسحار فتتمايل جرائدها لتخفي عني ضوء القمر لحظة وتظهره أخرى فيداعب عيني قائلاً لها: (إنّ الصبح قد أقبل، ألا تحبين أن يجعل الله صاحبك مع الذين وصفهم أصدق القائلين- سبحانه و تعالى- بقوله:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الذاريات:18. فجاءت شجرة المسكيت إلى تلك الساحة وشربت ماء النخلة حتى ذبلت الأخيرة وصارت جرائدها كالعرجون القديم.
وملأت شجرة المسكيت البيوت المهجورة والتي تركها أصحابها وضربوا في الأرض بحثاً عن الرزق الحلال. فتحولت تلك الساحات إلى غابات كثيفة كأنها على جانبي نهر الأمازون. ولو وقف بها عنترة نهاراً جهاراً لَمُلأ منها رعباً ولنسي عبلة التي كان يذكرها في أحلك المواقف حيث قال لها، أي لحبيبته عبلة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ منّي *** وبيضُ الهندِ تَقطِرُ من دَمِي
فودِدْتُ تقبيـلَ السيـوفِ لأنـَّهــا *** لمَعتْ كبـارقِ ثَغركِ المتبسِّمِ
ولكن دعونا نعود لمحاربة النبت الشيطاني (شجرة المسكيت)، والعود أحمد.فنصيحتي لكم إخوتي في العروبة والإسلام- أن تجتثوها من فوق الأرض في أسرع فرصةٍ ممكنةٍ قبل أن يستفحل أمرها وتصعب إزالتها أو تكون مكلفةً جِدَّا،
ولقد رأيتها بعيني رأسي وهي تنتشر في صمت رهيب وبسرعة هائلة في أبي سبعة وطريق المدينة وكانت هناك واحدة كبيرة بجوار فندق الحمدان، بل وحتى الورود والمروج لم يسلما من شظاياها. وبعد المدينة المنورة في طريق العمرة وقبل الجموم على مشارف مكة المكرمة بل وفي جدة والقنفذة ومعظم وديان الجنوب، ولا أدري شيئاً عن الرياض والدمام فأنا ما زرت من المملكة الحبيبة مكاناً شرقياً. والعاقل من اتعظ بغيره. ولقد كتبت مقالتي هذه وأنا لا أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، والله على ما أقول وكيل. كيف لا ! فبلادكم الطيبة بلاد الحرمين. وأنتم- أبناء عمومتي- أحسنتم وفادتي وأكرمتم مثواي، وعندما كان إبليس ينجح أحيانا في الإمساك بزمام نفسي الجامحة و يضلّها ضلالاّ بعيداً ، كنت أتمثل بقول أحد مادحي خير البرية حيث يقول عن نفسه الجامحة:
من لي بردِّ جِماحٍ عن غوايتها *** كما يُرَدُّّ جِماحُ الخيلِ باللُّجُمِ
وفجأة أجد أحد أبنائي من السعوديين الطيبين قد اقتلع زمامها من إبليس بالهداية والإرشاد الجاد وأرجعها إلى جادة الطريق الذي بيَّنه خير البرية، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وفي الختام أتمنى من الله العلي القدير أن يوفقكم إلى إدراك خطورة الأمر فتعملوا جادين على إزالة تلك الشجرة الخبيثة، فأقول لكم ما قاله الشاعر- مترجم كسرى- لأهله بالأحساء عندما أحس بأن كسرى يعدُّ العدَّةَ لحربهم في سرية تامة ، فقد حذّرهم بقصيدة جميلةٍ - تسببت في قطع لسانه قبل مقتله- قال فيها:
قوموا قياماً على أمشاطِ أرجُلِكُمْ*** وافزعوا فقد ينالُ الأمنَ مَنْ فزعا
أرجو أن يتمّ ذلك قريباً ولا أريد أن أقول لكم ما قاله دريد بن الصّمة :-
أمرتهمو أمري بمنعرج اللِّوَى *** فلم يستبينوا النُّصحَ إلاّ ضُحَى الغدِ.
والمعذرة كلّ المعذرة إن كان نصيب الشعر أكبر من نصيب الشجرة، فلقد أردت أن تميل مقالتي إلى الأدب العربي فيكون وقعها خفيفاً على النفس بدلاً من أن تكون علميةً جادة فتُصبِحَ ثقيلةَ الظلِّ. أحبتي في الله! احذروا المسكيت وحاربوه بكل ما استطعتم من قوة! ولا تستهينوا به أو تهنوا في حربه. أقضوا عليها تماماً ولا تتركوا منه شجيرةً واحدةً وإلاّ انتشرت من جديد، فهي العدوُّ اللّدود. ويحضرني هنا حكاية الإنجليز عندما غزوا جنوب أفريقيا قبل أكثر من مائتي عام وحاربتهم قبائل الزولو حرباً ضروساً بقيادة ملكهم (شاكا زولو) الذي كان يقول لجنده على لسان الإنجليز :
{Never leave an enemy behind, or it will rise again and leap at your throat!}
[( لاتترك عدواً خلفك "أي أقضوا عليه تماماً " وإلاّ نهض مرةً أخرى و وثب على حلقك!).
وكنت قد نويت أن أقول الكثير، المثير الخطير، ولكني تذكرت أنّ الناس في هذا الزمان وخاصةً حدثاء الأسنان منهم قد درجوا على شراء الوجبات الخفيفة التي يجدونها بكثرة في الأسواق المنتشرة في الشبكة العنكبوتية مثل انتشار المسكيت بالسودان.
وأسأل المولى عزّ وجلّ أن يوفق الجميع للعمل بما فيه الخير للإسلام والمسلمين وبكل ما يؤدي إلي مرضاته، والصلاة والسلام على خير الأنام، نبينا وحبيبنا محمدٍ مسك الختام.
كتبـه
التجاني محمد صديق (أبو سارة)
مترجم بشعبة دعوة وتوعية الجاليات بتبوك