كنت قد توقفت في الحلقة الماضية عند فرحة العيد في أوائل الثمانينات الميلادية .. كنا نحن الصغار ننتظر ليلة العيد بشغف كبير حيث كان شهر الصيام يأتي في القيظ (الحر الشديد) وكان الصوم امراً اجبارياً لامناص منه حتى لو لم نبلغ الحُلم .. في ليلة العيد كان يطل علينا بعد صلاة العشاء في ليلة التاسع والعشرون من رمضان أو في الليلة الأخيرة من رمضان عدد من المذيعين القديرين لإعلان ليلة العيد كان أبرزهم على الإطلاق الأستاذ /ماجد الشبل أو الاستاذ / عبدالرحمن يغمور معلنين أن غداً أول أيام عيد الفطر السعيد لينتشر الفرح بين عائلات الحي ويذيع التليفزيون أغنية محمد عبده الشهيرة (ومن العايدين ومن الفايزين) .. اذكر جيداً أننا في ذلك الوقت نذهب مع الوالد يرحمه الله بعد صلاة العشاء مباشرةً إلى الشارع العام لاستلام ثياب العيد من الخياط اليماني في (سوق سويقة) حيث لم تكن بعد ظهرت الثياب الجاهزة ، ولشراء شماغ البسام الأصلي الذي لم يعد كما كان من ناحية الجودة واللون ، ونقوم بشراء بقية الملابس الأخرى من (عم عابدين) الذي يعتبر اليوم احد أشهر مُلاك معدات الصب والخرسانة .. ثم نذهب لمحلات الألعاب لشراء المسدس الذهبي الشهير ذو الصوت العالي والألوان المتعددة أو لشراء السيارات التي تعمل بالبطارية أو غيرها من الألعاب التي كانت مشهورة في ذلك الوقت ، ثم نعرج ونحن خارجين من السوق لشراء حلويات العيد .. يا الله كأن الصورة الآن أمامي كانت الأموال مباركه والبضاعة مباركه والأيام مباركة كانت الحياة في ذلك الوقت (بريئة) والنفوس متصالحة مع نفسها ومع الآخرين ومع ربها .. الشارع العام هذا الشاهد الباقي إلى اليوم كان آنذاك مفتوحاً لدخول السيارات قبل أن يكون جادة وللمشاة فقط مما افقده الكثير من بريق الماضي ويندر اليوم أن يذهب سكان تبوك (الأولين) إلى هذا السوق بل أن كثيراً من أصحاب المحلات القديمه الشهيرة في هذا السوق غادروه إلى غير رجعه أو سلموه للآسيويين ، احد مُلاك هذه المحلات من الأخوة اليمانيين الذين لن يتكرروا وجدته قبل أشهر في دكانه بشارع المطار - (الأسم القديم) - يضع يده على خده حزيناً متأملاً ماآلت إليه هذه المدينة من صخب وفوضى بعد أن كانت يوماً ما وديعه توزع الفرح على سكانها .. !!
ندلف عائدين إلى المنزل عند منتصف الليل حيث مازالت العيون مفتوحه والمحلات مفتوحه وللسهر بقية فهذه ليلة العيد لانوم فيها ولاتعب .. تقوم والدتي أطال الله في عمرها بتجهيز معمول العيد وهو عبارة عن طحين يتم حشوه بالتمر ووضعه في الفرن ثم بعد استوائه يتم رشه بالسكر المطحون ليتم تقديمه للضيوف صباح العيد .. البيت بكامله خلية نحل الكل يعمل الفتيات يقمن بفرش السجاد الذي تم غسله قبل العيد بيومين وهذه عادة مازالت العوائل السعوديه تحافظ عليها حتى اليوم ، والبعض منهن يقمن بتجهيز المجلس الذي سوف يتم استقبال الضيوف فيه ، أما الأولاد فمتسمرون أمام التلفزيون يشاهدون الحلقات الأخيرة لمسلسلات رمضان أو عرض برامج العيد ، الوالد يصلي الشفع والوتر ويقرأ آيات من القرآن قبل أن ينام قليلاً ليصحو لصلاة الفجر أما نحن فنغالب النعاس بلعب الكورة لنصلي العيد .. يؤذن للفجر والجميع مستيقظين منتظرين أنفاس الصبح الأولى ونور شمس العيد .. يصحو الوالد يرحمه الله يلبس ثياب العيد بعد أن كنا سبقناه إلى ذلك ثم يلبس مشلحه الأسود وتحضر والدتي البخور لنتبخر جمعياً ونشرب القهوة مع التمر ثم نخرج سوياً قاصدين مصلى العيد .
مُصلى العيد لمن لايعرفه في ذلك الوقت كان مكان مسجد الملك عبدالعزيز يرحمه الله قبل إنشائه كان يؤمنا للصلاة على ما اذكر الشيخ عبدالعزيز الحميد قاضي محكمة تبوك السابق نصلي العيد ونحضر الخطبة ونحن خارجين من مصلى العيد يعايد المصلين بعضهم البعض حيث كانت المدينة صغيرة وغالبية الناس يعرفون بعضهم ، تمتلئ جيوبنا بالعيديات من الأموال حيث كانت الريالات لها طعم مختلف عن اليوم عندما كان الريال ريالاً .. !! وحتى الحلويات كان لها طعم آخر لم يعد كاليوم ... نعود للمنزل يعايد أفراد الأسرة بعضهم البعض ، يبدأ توافد الضيوف لمنزلنا ويعود النشاط للجميع بعد أن أعيانا السهر ونستقبل المهنئين بالعيد حتى قبل صلاة الظهر وبعض الصغار يشاهد برنامج المسابقات الياباني الشهير (الحِصن) .. بعد صلاة الظهر يغالب الجميع النعاس ويعود الهدوء للبيت وينام الجميع وينتهي العيد .
وبهذه الحلقة أنهي جزءاً يسيراً جداً من بعض حياة جيلي ممن ولدوا في أوائل التسعينات الهجرية وهم الجيل الذي عايش أوائل الطفرة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية .. هم جيل الملك خالد يرحمه الله ..وجيل مجلة ماجد الشهيرة والتغذية المدرسية والترنق الأخضر .. هم جيل غرنديزار وعدنان ولينا والليث الأبيض .. هم جيل ماجد الشبل وغالب كامل وعبدالرحمن يغمور وحسين نجار والعبيله وشواله .. هم جيل إمام الحرم ابن سبيل والخليفي وعلي جابر .. هم جيل ماجد عبدالله وصالح النعيمة وأمين دابو ... هم جيل القناة الأولى وافتح ياسمسم .. هم جيل المسلسلات الخالدة أصابع الزمن وخالتي قماشة وأنا البرادعي يارشدي ... هم الجيل الذي استمع لمشايخ الصحوة عبر الأشرطة في ذلك الوقت عائض القرني وسلمان العودة وسعد البريك والشيخ القطان ... هم الجيل الذي وقف للمعلم وأوفاه التبجيلا ... هم الجيل الذي يسري في عروقه حب هذا الوطن .. هم الجيل الحقيقي للأمن والأمان عندما كان الأمن والأمان ....تحياتي ودموعي وابتساماتي لذلك الجيل الاستثنائي .
حمد الحمود
الأثنين 03/07/1434هـ
ندلف عائدين إلى المنزل عند منتصف الليل حيث مازالت العيون مفتوحه والمحلات مفتوحه وللسهر بقية فهذه ليلة العيد لانوم فيها ولاتعب .. تقوم والدتي أطال الله في عمرها بتجهيز معمول العيد وهو عبارة عن طحين يتم حشوه بالتمر ووضعه في الفرن ثم بعد استوائه يتم رشه بالسكر المطحون ليتم تقديمه للضيوف صباح العيد .. البيت بكامله خلية نحل الكل يعمل الفتيات يقمن بفرش السجاد الذي تم غسله قبل العيد بيومين وهذه عادة مازالت العوائل السعوديه تحافظ عليها حتى اليوم ، والبعض منهن يقمن بتجهيز المجلس الذي سوف يتم استقبال الضيوف فيه ، أما الأولاد فمتسمرون أمام التلفزيون يشاهدون الحلقات الأخيرة لمسلسلات رمضان أو عرض برامج العيد ، الوالد يصلي الشفع والوتر ويقرأ آيات من القرآن قبل أن ينام قليلاً ليصحو لصلاة الفجر أما نحن فنغالب النعاس بلعب الكورة لنصلي العيد .. يؤذن للفجر والجميع مستيقظين منتظرين أنفاس الصبح الأولى ونور شمس العيد .. يصحو الوالد يرحمه الله يلبس ثياب العيد بعد أن كنا سبقناه إلى ذلك ثم يلبس مشلحه الأسود وتحضر والدتي البخور لنتبخر جمعياً ونشرب القهوة مع التمر ثم نخرج سوياً قاصدين مصلى العيد .
مُصلى العيد لمن لايعرفه في ذلك الوقت كان مكان مسجد الملك عبدالعزيز يرحمه الله قبل إنشائه كان يؤمنا للصلاة على ما اذكر الشيخ عبدالعزيز الحميد قاضي محكمة تبوك السابق نصلي العيد ونحضر الخطبة ونحن خارجين من مصلى العيد يعايد المصلين بعضهم البعض حيث كانت المدينة صغيرة وغالبية الناس يعرفون بعضهم ، تمتلئ جيوبنا بالعيديات من الأموال حيث كانت الريالات لها طعم مختلف عن اليوم عندما كان الريال ريالاً .. !! وحتى الحلويات كان لها طعم آخر لم يعد كاليوم ... نعود للمنزل يعايد أفراد الأسرة بعضهم البعض ، يبدأ توافد الضيوف لمنزلنا ويعود النشاط للجميع بعد أن أعيانا السهر ونستقبل المهنئين بالعيد حتى قبل صلاة الظهر وبعض الصغار يشاهد برنامج المسابقات الياباني الشهير (الحِصن) .. بعد صلاة الظهر يغالب الجميع النعاس ويعود الهدوء للبيت وينام الجميع وينتهي العيد .
وبهذه الحلقة أنهي جزءاً يسيراً جداً من بعض حياة جيلي ممن ولدوا في أوائل التسعينات الهجرية وهم الجيل الذي عايش أوائل الطفرة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية .. هم جيل الملك خالد يرحمه الله ..وجيل مجلة ماجد الشهيرة والتغذية المدرسية والترنق الأخضر .. هم جيل غرنديزار وعدنان ولينا والليث الأبيض .. هم جيل ماجد الشبل وغالب كامل وعبدالرحمن يغمور وحسين نجار والعبيله وشواله .. هم جيل إمام الحرم ابن سبيل والخليفي وعلي جابر .. هم جيل ماجد عبدالله وصالح النعيمة وأمين دابو ... هم جيل القناة الأولى وافتح ياسمسم .. هم جيل المسلسلات الخالدة أصابع الزمن وخالتي قماشة وأنا البرادعي يارشدي ... هم الجيل الذي استمع لمشايخ الصحوة عبر الأشرطة في ذلك الوقت عائض القرني وسلمان العودة وسعد البريك والشيخ القطان ... هم الجيل الذي وقف للمعلم وأوفاه التبجيلا ... هم الجيل الذي يسري في عروقه حب هذا الوطن .. هم الجيل الحقيقي للأمن والأمان عندما كان الأمن والأمان ....تحياتي ودموعي وابتساماتي لذلك الجيل الاستثنائي .
حمد الحمود
الأثنين 03/07/1434هـ