إن الحياة الإسلامية مبنية على الترتيب والتنظيم، وأن يعطى كل فرد على هذه المساحة، وفي أي بقعة كانت حقه، وأن يظهر المسلم برونقه الخاص، وشكله المتميز، أن يظهر بذوقه في التعامل مع الأشياء، واحترامه لحقوق من يقطنون معه، كما يحب أن يؤدي الناس له حقوقه.
ولنا في التنظيم تعاقب الليل والنهار، ولباس الليل، ومعاش النهار، وشروق الشمس وغياب القمر عبرة وآية.
وفي التميز بكل أشكاله قوله تعالى" وثيابك فطهر"، وتخصيص المصطفى جبة حمراء ليلتقي بها الوفود.. فكل ذلك ينبع من تقدير الشريعة للذوق العام.
إن الذوق العام يخضع لطبيعة كل بلد، ومبادئ كل بشر، فما يستقبح عندنا، قد يستحسن عند الآخر، سواء استحسانا فطريا، أو انحرافا قد أصاب النفس الإنسانية، ففي النهاية الحكم في تلك الأذواق مبادئ أولئك البشر والثوابت التي يؤمنون بها.
لكن في أغلب الأحيان البشرية لها إطارها العام في الأذواق، وخصوصا الأذواق التي تعطي حق كل شخص من الاستمتاع بما هو حوله، واحترام من يحيط به، وإعطاء الآخر كفايته مما يكون من الممتلكات العامة.
إن جعل الحياة تسير في تراتيب معينة، وفي أبجديات واضحة وغير مزورة، يريح بال الإنسان في طلب حقه، ويطمئن جنان الإنسان في دفع الحقوق إلى الناس.
إن بعض من تملّكه حب النفس، وسطوة الذات، وأولئك الذين لم يجدوا أنفسهم إلا في سلب الآخرين من حرية الاستمتاع في الممتلكات العامة، تصيبه سكرة إن أنت طلبته حقك كفرد من أفراد المجتمع، يطمع بأن يعيش في متعة ولذة كما هو ينغمس فيها، فيبدأ يتخبط ويزبد وكأنك قد سلبت منه ممتلكا خاصا فيه، وإن كف عن ذلك وتنازل ليعطيك نوعا من حقك فكأنما مثله ومثلك كشحاذ طلبه مالا يزيد عن نفقة المطلوب ووجد من يعطيه أو يقاسمه نفقته، فيخرج وهو ممتن لهذا الفعل النبيل إن وجد من يقدر ضعفه وقلة حيلته، ويجد المعطي أنها فرصة لاستغلال ذلك الضعف فيظهر المنّة عليه في أمر هو مفروض لذلك الطالب ، فكانت تلك نسخة مصغرة إن طلبت التعامل بالذوق العام.
إن المشكلة الأساسية التي نواجهها في مجتمعنا غفلة الناس عن حقوق الآخرين أيا كان ذلك الآخر مقيما أو مستوطنا أو طالبا للرزق- في الاستفادة من الممتلكات العامة، أو حتى حقه في السير في تلك الشوارع الفسيحة، وتلك المقاهي المرصوصة في جنبات الطريق...إلخ، ليجد كل ما يضايقه، ويشدد الخناق عليه، فهو خرج من بيته ليشعر بشيء من الراحة والطمأنينة، فيجد أن الخناق قد ازداد عليه من تلك السلوكيات الفجة التي لا تعي معنى المنظومة الاجتماعية.
إن بعض الناس لا يزال لا يجيد التفرقة بين حقه كفرد يزاول ما يحلو له في أي وقت أراد، وبين وجوده في منظومة اجتماعية، تحتم عليه تقدير وإجلال من هم معه داخل هذه المنظومة، من ممتلكات ورموز وأفراد، فهو يمتلك حجة الحرية، التي قد يقف بها أمام كل شخص، وغفل ركنا مهما من أركان الحرية، وهي المحافظة على المنظومة الاجتماعية، وأن ما يزعزعها يزعزع من هو في الداخل، فقد تكون الزعزعة سببا في طمع الآخرين، وقد تكون سببا في عدم الانسجام مع المجتمع المحاط به، فهو يرى الذي لا ينسجم- أن نفسه في حسرة، إذ أن الوفرة من كل ما يريد تحيط به، ويستطيع الوصول إليها في أي وقت، ولكنه يرى أن هناك أفرادا يحيلون بينه وبينها، بسبب تلك السلوكيات الأنانية، ليعبر عن الخلل الذي يقبع فيه المجتمع من خلال فقدان الحس الذوقي .
ولا يعني ذلك أن تدون كل الأذواق العامة وتصبح معلقة في كل أنحاء المعمورة، بل لابد أن يكتسب ذلك الفرد من خلال مجتمعه الذي هو في داخله، فيرث الحس الذوقي من خلال مخالطته، وأنا على ثقة أن تلك السلوكيات الخاطئة يعملها العامل في أغلب الأحيان وهو على دراية تامة بخطئه.
وينبغي هنا التنبيه على نقطة، وهي أن التغيير يختلف اختلافا جذريا عما نحن بصدده.
إن من المؤسف أنك لا تجد الأمر يكتفي بالإخلال بالذوق العام فحسب، بل تجد أن الأمر الممارس أمر يخالف الثوابت والمبادئ، التي يسير عليها الأفارد ومع ذلك فهو لا يكتفي بإعلانه فقط، بل يسعى بقصد أو بدون قصد- إلى مضايقة الأفراد في أماكن استرخائهم واستجمامهم، فيضطر الفرد الآخر أن ينصرف، وهو يحمل البؤس لأن مرحه قد عكر ولم ينته كما يريد هو، وهو يتمثل كثيرا في( سيجارة محترقة).
إن المحافظة على الذوق العام، هو نوع من المحافظة على المواطنة، التي نحرص على وجودها وتعزيزها، فلماذا تخترق تلك المواطنة في بعض الأحيان من أولئك دعاة المواطنة، لنجدهم هم ضدها، وهو لا يعلم أن المتناقضات تحيط به.
فلنعزم ونشد على أكتاف بعضنا ونصحح صورة المواطنة كما هي ، وكما يريده منا وطننا، ولنكسر تلك الصورة الشوهاء عن ذلك المصطلح، الذي لم يكن بأعز ممن سبقه من المصطلحات التي ألبست أثوابا لم تكن في يوم من الأيام لها.
وحتى تتضح المقالة أكثر فإني سأعمد إلى ذكر صورة واحدة من تلك الصور التي تدل على عدم اكتراث كثير منا بالذوق العام:
إن إشارة المرور الموضوعة في الطرقات، من أجل المحافظة عليك أيها المواطن، تعكس صورة شبه متكاملة عن المجتمع الذي يقطن في تلك المدينة، فهناك حقوق كثيرة تسلب من أحدنا عند تلك الإشارة، فتجد من الناس من يقف في المسار الأيمن، ولو سأل نفسه مجرد سؤال عابر، ما ذنب من يقف خلفي حتى ينتظر كل هذا الانتظار؟ أليس الثانية تؤثر في الحياة، فكيف بانتظاره عند هذه الإشارة ليجد نفسه قد أصبح في صف لم يكن له.
وآخر يرفع صوت المذياع بغض النظر عما يصدح من هذا المذياع، إلا أن لي الحق في إكمال الاستمتاع فيما كنت أسمعه، ولي الحق أيضا أن أحافظ على الهدوء بالطريقة التي ليس فيها سلب لمتعة الآخرين، وآخر يستخدم منبه السيارة بطريقة عشوائية في أغلب الأحيان، بدون مبرر يستدعي استخدامه، ولو حاولنا استعراض ما يفعل في المقاهي من سلب المتعة، وفي الطرقات من المضايقات لطال بنا المقام، ويكفي اللبيب الإشارة.
إن الحديث عن الذوق العام هو حديث عن المثالية في المجتمع، ولا تعني المثالية الحرص على الأعمال التي تكون في عداد المعدوم مستحيلة الوجود، وإنما المثالية في عداد المعدوم ممكن الوجود، فلماذا لا نجعله في عداد الموجود، من خلال المحافظة على الذوق العام.
محمد آل الياس
m.a.d.y@hotmail.com
ولنا في التنظيم تعاقب الليل والنهار، ولباس الليل، ومعاش النهار، وشروق الشمس وغياب القمر عبرة وآية.
وفي التميز بكل أشكاله قوله تعالى" وثيابك فطهر"، وتخصيص المصطفى جبة حمراء ليلتقي بها الوفود.. فكل ذلك ينبع من تقدير الشريعة للذوق العام.
إن الذوق العام يخضع لطبيعة كل بلد، ومبادئ كل بشر، فما يستقبح عندنا، قد يستحسن عند الآخر، سواء استحسانا فطريا، أو انحرافا قد أصاب النفس الإنسانية، ففي النهاية الحكم في تلك الأذواق مبادئ أولئك البشر والثوابت التي يؤمنون بها.
لكن في أغلب الأحيان البشرية لها إطارها العام في الأذواق، وخصوصا الأذواق التي تعطي حق كل شخص من الاستمتاع بما هو حوله، واحترام من يحيط به، وإعطاء الآخر كفايته مما يكون من الممتلكات العامة.
إن جعل الحياة تسير في تراتيب معينة، وفي أبجديات واضحة وغير مزورة، يريح بال الإنسان في طلب حقه، ويطمئن جنان الإنسان في دفع الحقوق إلى الناس.
إن بعض من تملّكه حب النفس، وسطوة الذات، وأولئك الذين لم يجدوا أنفسهم إلا في سلب الآخرين من حرية الاستمتاع في الممتلكات العامة، تصيبه سكرة إن أنت طلبته حقك كفرد من أفراد المجتمع، يطمع بأن يعيش في متعة ولذة كما هو ينغمس فيها، فيبدأ يتخبط ويزبد وكأنك قد سلبت منه ممتلكا خاصا فيه، وإن كف عن ذلك وتنازل ليعطيك نوعا من حقك فكأنما مثله ومثلك كشحاذ طلبه مالا يزيد عن نفقة المطلوب ووجد من يعطيه أو يقاسمه نفقته، فيخرج وهو ممتن لهذا الفعل النبيل إن وجد من يقدر ضعفه وقلة حيلته، ويجد المعطي أنها فرصة لاستغلال ذلك الضعف فيظهر المنّة عليه في أمر هو مفروض لذلك الطالب ، فكانت تلك نسخة مصغرة إن طلبت التعامل بالذوق العام.
إن المشكلة الأساسية التي نواجهها في مجتمعنا غفلة الناس عن حقوق الآخرين أيا كان ذلك الآخر مقيما أو مستوطنا أو طالبا للرزق- في الاستفادة من الممتلكات العامة، أو حتى حقه في السير في تلك الشوارع الفسيحة، وتلك المقاهي المرصوصة في جنبات الطريق...إلخ، ليجد كل ما يضايقه، ويشدد الخناق عليه، فهو خرج من بيته ليشعر بشيء من الراحة والطمأنينة، فيجد أن الخناق قد ازداد عليه من تلك السلوكيات الفجة التي لا تعي معنى المنظومة الاجتماعية.
إن بعض الناس لا يزال لا يجيد التفرقة بين حقه كفرد يزاول ما يحلو له في أي وقت أراد، وبين وجوده في منظومة اجتماعية، تحتم عليه تقدير وإجلال من هم معه داخل هذه المنظومة، من ممتلكات ورموز وأفراد، فهو يمتلك حجة الحرية، التي قد يقف بها أمام كل شخص، وغفل ركنا مهما من أركان الحرية، وهي المحافظة على المنظومة الاجتماعية، وأن ما يزعزعها يزعزع من هو في الداخل، فقد تكون الزعزعة سببا في طمع الآخرين، وقد تكون سببا في عدم الانسجام مع المجتمع المحاط به، فهو يرى الذي لا ينسجم- أن نفسه في حسرة، إذ أن الوفرة من كل ما يريد تحيط به، ويستطيع الوصول إليها في أي وقت، ولكنه يرى أن هناك أفرادا يحيلون بينه وبينها، بسبب تلك السلوكيات الأنانية، ليعبر عن الخلل الذي يقبع فيه المجتمع من خلال فقدان الحس الذوقي .
ولا يعني ذلك أن تدون كل الأذواق العامة وتصبح معلقة في كل أنحاء المعمورة، بل لابد أن يكتسب ذلك الفرد من خلال مجتمعه الذي هو في داخله، فيرث الحس الذوقي من خلال مخالطته، وأنا على ثقة أن تلك السلوكيات الخاطئة يعملها العامل في أغلب الأحيان وهو على دراية تامة بخطئه.
وينبغي هنا التنبيه على نقطة، وهي أن التغيير يختلف اختلافا جذريا عما نحن بصدده.
إن من المؤسف أنك لا تجد الأمر يكتفي بالإخلال بالذوق العام فحسب، بل تجد أن الأمر الممارس أمر يخالف الثوابت والمبادئ، التي يسير عليها الأفارد ومع ذلك فهو لا يكتفي بإعلانه فقط، بل يسعى بقصد أو بدون قصد- إلى مضايقة الأفراد في أماكن استرخائهم واستجمامهم، فيضطر الفرد الآخر أن ينصرف، وهو يحمل البؤس لأن مرحه قد عكر ولم ينته كما يريد هو، وهو يتمثل كثيرا في( سيجارة محترقة).
إن المحافظة على الذوق العام، هو نوع من المحافظة على المواطنة، التي نحرص على وجودها وتعزيزها، فلماذا تخترق تلك المواطنة في بعض الأحيان من أولئك دعاة المواطنة، لنجدهم هم ضدها، وهو لا يعلم أن المتناقضات تحيط به.
فلنعزم ونشد على أكتاف بعضنا ونصحح صورة المواطنة كما هي ، وكما يريده منا وطننا، ولنكسر تلك الصورة الشوهاء عن ذلك المصطلح، الذي لم يكن بأعز ممن سبقه من المصطلحات التي ألبست أثوابا لم تكن في يوم من الأيام لها.
وحتى تتضح المقالة أكثر فإني سأعمد إلى ذكر صورة واحدة من تلك الصور التي تدل على عدم اكتراث كثير منا بالذوق العام:
إن إشارة المرور الموضوعة في الطرقات، من أجل المحافظة عليك أيها المواطن، تعكس صورة شبه متكاملة عن المجتمع الذي يقطن في تلك المدينة، فهناك حقوق كثيرة تسلب من أحدنا عند تلك الإشارة، فتجد من الناس من يقف في المسار الأيمن، ولو سأل نفسه مجرد سؤال عابر، ما ذنب من يقف خلفي حتى ينتظر كل هذا الانتظار؟ أليس الثانية تؤثر في الحياة، فكيف بانتظاره عند هذه الإشارة ليجد نفسه قد أصبح في صف لم يكن له.
وآخر يرفع صوت المذياع بغض النظر عما يصدح من هذا المذياع، إلا أن لي الحق في إكمال الاستمتاع فيما كنت أسمعه، ولي الحق أيضا أن أحافظ على الهدوء بالطريقة التي ليس فيها سلب لمتعة الآخرين، وآخر يستخدم منبه السيارة بطريقة عشوائية في أغلب الأحيان، بدون مبرر يستدعي استخدامه، ولو حاولنا استعراض ما يفعل في المقاهي من سلب المتعة، وفي الطرقات من المضايقات لطال بنا المقام، ويكفي اللبيب الإشارة.
إن الحديث عن الذوق العام هو حديث عن المثالية في المجتمع، ولا تعني المثالية الحرص على الأعمال التي تكون في عداد المعدوم مستحيلة الوجود، وإنما المثالية في عداد المعدوم ممكن الوجود، فلماذا لا نجعله في عداد الموجود، من خلال المحافظة على الذوق العام.
محمد آل الياس
m.a.d.y@hotmail.com