في الحلقة الماضية كنت قد تحدثت عن حي (ام درمان تبوك) وكيف كانت الحياه فيه بسيطه مثله مثل باقي أحياء تبوك في تلك الفترة . الحي كما قلت كان يمثل خارطه للوطن الكبير من حيث التعدديه المناطقيه وكذلك تعدد الجنسيات العربيه التي قطنت الحي .
اليوم أحدثكم عن انتقالنا للسكن في القاعدة الجوية....
فمن منزل شعبي في ام درمان وكذلك الاخويا إلى شقة من خمس غرف على الطراز الأمريكي ، كان عقلي الصغير مشدوهاً منذ دخولي بوابة القاعدة الجوية من الطرق الجميلة والحدائق المتناثره في كل مكان ... أعمدة الإنارة ، الملاعب المزروعه.. رائحة الياسمين والفل .. المراجيح والزحليقة !! اسلوب الحياة العصريه وكأنك تعيش في إحدى المقاطعات البريطانية ، كنا من أوائل العوائل التي تم تسليمها سكن في القاعدة الجوية ، لا انسى كم كنت خائفاً من دخول مستودع الشقه حيث كان يهئ لي أن سقفه عالياً وجلست عدة أيام خائفاً ولما كبرت عرفت أن الصغار يرون الأشياء كبيره وهم صغار وليتنا بقينا صغارا !! . لا انسى ايضاً كيف أنني كنت اقلب الشوكه الموجوده في المطبخ الجديد لعدم معرفتي باستخدامها حيث لم تكن تُستخدم على نطاق واسع في ذلك الوقت .. كم كنت معتزاً وأنا اجلس على طاولة الطعام واحتسي الشاي بالأكواب الصينية وأتذكر رفاقي في امدرمان الذين لم تتوفر لهم فرصة احتساء الشاي على طاولة طعام أمريكية !! ، لم استوعب بعد الصدمه الحضاريه ... كل يوم اكتشف شيئاً جديداً الدفايات الكهربائية المعلقه في الجدار ..التكييف المركزي الذي يخرج من فتحات التهوية في سقف الغرف وبانيو الاستحمام الذي كنت اقضي فيه وقتاً ممتعاً لايقطعه سوى صوت أمي الحبيبة (خلصت) ! ، القفز على الأسرة أنا وأخي في تحدي لملامسة السقف .. الكنب الأمريكي في مجلس الرجال عندما كنت ادخل أنا وأخي (محمد) خلسة للمجلس نتقاذف الوسائد والقووول شباك المجلس ، الفرن الكهربائي ذو العيون السود حيث أقف منتصف الليل بجانبه والعائله نائمه وأقوم بتشغيله في ليالي الشتاء الباردة وانتظر حتى تحمر العين واهرب !! ... بطبيعة الحال كان الأثاث بكامله مؤمن من الدوله حيث كانت أيام العز والطفره الاقتصاديه . في عام 1979م كان العام الدراسي على وشك الانطلاق اذكر جيداً أنني لم أكن خائفاً وفي نفس الوقت لم أكن شجاعاً اخذني والدي يرحمه الله في بداية العام الدراسي أنا وأخي محمد وأدخلنا مدرسة الأبناء الابتدائية لم يكن هناك يوم مفتوح ولابالونات ولاحلوى كنا نقف في الطابور وأمامنا الاساتذه الأفاضل جُلهم من الجنسيات العربيه ماعدا مدير المدرسة من بني جلدتنا .. وننصرف إلى الفصول وصوت سراج عمر يصدح بالأغنية الوطنيه الخالدة في إذاعة الطابور (بلادي بلادي منار الهدى) التي زرعت فينا حب تراب هذه الأرض حتى اليوم ... منذ اليوم الأول كان للمدرس هيبه واحترام وتقدير يفرضها على طلابه الصغار وكان بعضهم يستعرض قوته بقرص أذن احد الطلبه أو ادخال قلم الرصاص بين الأصابع أو الضرب بحد المسطرة وإن لزم الأمر الفلكة مما دعا أخي محمد ترك مقاعد الدراسه عندما شاهد هذه المناظر المرعبة وأعاد السنة في العام الذي بعده بينما استمريت أنا ليس شجاعة مني إنما كان الموت مع الجماعة رحمه ! .... في الأسبوع الأول بدأت المدرسة صرف الأدوات المكتبيه اقلام الرصاص البريات المحايات المساطر .. في الأسبوع الثاني بدأت إدارة المدرسة صرف (الفسحه) صباح كل يوم وهي أطعمه مجانيه جاهزة تصرفها الدوله لطلاب التعليم العام وكانت مكونه على ما اذكر من خبز وجبنه وزبده وعصير وكنت أحب وجبة الأربعاء ذات الكرتون الأخضر لاحتوائها على البيض المسلوق وكيك الزبيب ... وفي الأسبوع الثالث اخذونا إلى مستودع المدرسه وصرفوا لنا (الترنقات الخضراء) أو (الدرنقات) كما سمعتها من بعض زملائي الطلاب !! والجزمه الرياضية البيضاء ذات الماركه العالمية المشهورة (اديداس) . باختصار ذلك الجيل جيل الملك خالد رحمه الله فلنترحم على هذا الملك العظيم . في عام 1981م دخل التلفزيون الملون منزلنا كنا فرحين بقدومه كان على ما اظن من نوع (ناشيونال) الماركة الخشبيه المشهورة التي دخلت بيوت كل السعوديين وكان أول ماشاهدنا فيه (غوار الطوشي ) لم انم تلك الليلة من فرحتي بالتلفزيون حتى أنني كنت اعد النقاط السوداء عندما ينتهي الإرسال التلفزيوني للقناة العتيقه بالمناسبه لقد افتقدناها كثيراً كم كان جميلاً طعم المسلسلات فيها من (غوار الطوشي) إلى (أصابع الزمن) مروراً بـ (أنا البرادعي يارشدي) .... علاوة على المسلسلات الكرتونيه البرئيه المسلسل الخالد (عدنان ولينا) حيث الحب البرئ والنوايا الحسنة ... في احد أيام عام 1982م كنت عائدا من المدرسه ذهبت كعادتي للسلام على والدتي ووجدتها امام التلفاز تبكي كنت اسألها عمن تبكي ولماذا ؟! نظرت لي والدمع يملأ عينيها وقالت لي بصوت مشنوق (الملك خالد مات) سقطت شنطتي الدراسية السوداء من يدي كطير مذبوح وبكيت مع أمي .. كان يذيع الخبر الفاجعه على ما اعتقد المذيع القدير غالب كامل .. لم أكن اعي الحزن تلك الفترة بل اجزم تماماً لم يعرف السعوديين حزناً كذلك اليوم بعد موت فيصل ... كان الملك خالد يرحمه الله يمثل لكل السعوديين الأب الكبير والقلب الرحيم .... هنا اقف احتراماً لهذا الرجل العظيم وسوف أكمل الأسبوع القادم .
اليوم أحدثكم عن انتقالنا للسكن في القاعدة الجوية....
فمن منزل شعبي في ام درمان وكذلك الاخويا إلى شقة من خمس غرف على الطراز الأمريكي ، كان عقلي الصغير مشدوهاً منذ دخولي بوابة القاعدة الجوية من الطرق الجميلة والحدائق المتناثره في كل مكان ... أعمدة الإنارة ، الملاعب المزروعه.. رائحة الياسمين والفل .. المراجيح والزحليقة !! اسلوب الحياة العصريه وكأنك تعيش في إحدى المقاطعات البريطانية ، كنا من أوائل العوائل التي تم تسليمها سكن في القاعدة الجوية ، لا انسى كم كنت خائفاً من دخول مستودع الشقه حيث كان يهئ لي أن سقفه عالياً وجلست عدة أيام خائفاً ولما كبرت عرفت أن الصغار يرون الأشياء كبيره وهم صغار وليتنا بقينا صغارا !! . لا انسى ايضاً كيف أنني كنت اقلب الشوكه الموجوده في المطبخ الجديد لعدم معرفتي باستخدامها حيث لم تكن تُستخدم على نطاق واسع في ذلك الوقت .. كم كنت معتزاً وأنا اجلس على طاولة الطعام واحتسي الشاي بالأكواب الصينية وأتذكر رفاقي في امدرمان الذين لم تتوفر لهم فرصة احتساء الشاي على طاولة طعام أمريكية !! ، لم استوعب بعد الصدمه الحضاريه ... كل يوم اكتشف شيئاً جديداً الدفايات الكهربائية المعلقه في الجدار ..التكييف المركزي الذي يخرج من فتحات التهوية في سقف الغرف وبانيو الاستحمام الذي كنت اقضي فيه وقتاً ممتعاً لايقطعه سوى صوت أمي الحبيبة (خلصت) ! ، القفز على الأسرة أنا وأخي في تحدي لملامسة السقف .. الكنب الأمريكي في مجلس الرجال عندما كنت ادخل أنا وأخي (محمد) خلسة للمجلس نتقاذف الوسائد والقووول شباك المجلس ، الفرن الكهربائي ذو العيون السود حيث أقف منتصف الليل بجانبه والعائله نائمه وأقوم بتشغيله في ليالي الشتاء الباردة وانتظر حتى تحمر العين واهرب !! ... بطبيعة الحال كان الأثاث بكامله مؤمن من الدوله حيث كانت أيام العز والطفره الاقتصاديه . في عام 1979م كان العام الدراسي على وشك الانطلاق اذكر جيداً أنني لم أكن خائفاً وفي نفس الوقت لم أكن شجاعاً اخذني والدي يرحمه الله في بداية العام الدراسي أنا وأخي محمد وأدخلنا مدرسة الأبناء الابتدائية لم يكن هناك يوم مفتوح ولابالونات ولاحلوى كنا نقف في الطابور وأمامنا الاساتذه الأفاضل جُلهم من الجنسيات العربيه ماعدا مدير المدرسة من بني جلدتنا .. وننصرف إلى الفصول وصوت سراج عمر يصدح بالأغنية الوطنيه الخالدة في إذاعة الطابور (بلادي بلادي منار الهدى) التي زرعت فينا حب تراب هذه الأرض حتى اليوم ... منذ اليوم الأول كان للمدرس هيبه واحترام وتقدير يفرضها على طلابه الصغار وكان بعضهم يستعرض قوته بقرص أذن احد الطلبه أو ادخال قلم الرصاص بين الأصابع أو الضرب بحد المسطرة وإن لزم الأمر الفلكة مما دعا أخي محمد ترك مقاعد الدراسه عندما شاهد هذه المناظر المرعبة وأعاد السنة في العام الذي بعده بينما استمريت أنا ليس شجاعة مني إنما كان الموت مع الجماعة رحمه ! .... في الأسبوع الأول بدأت المدرسة صرف الأدوات المكتبيه اقلام الرصاص البريات المحايات المساطر .. في الأسبوع الثاني بدأت إدارة المدرسة صرف (الفسحه) صباح كل يوم وهي أطعمه مجانيه جاهزة تصرفها الدوله لطلاب التعليم العام وكانت مكونه على ما اذكر من خبز وجبنه وزبده وعصير وكنت أحب وجبة الأربعاء ذات الكرتون الأخضر لاحتوائها على البيض المسلوق وكيك الزبيب ... وفي الأسبوع الثالث اخذونا إلى مستودع المدرسه وصرفوا لنا (الترنقات الخضراء) أو (الدرنقات) كما سمعتها من بعض زملائي الطلاب !! والجزمه الرياضية البيضاء ذات الماركه العالمية المشهورة (اديداس) . باختصار ذلك الجيل جيل الملك خالد رحمه الله فلنترحم على هذا الملك العظيم . في عام 1981م دخل التلفزيون الملون منزلنا كنا فرحين بقدومه كان على ما اظن من نوع (ناشيونال) الماركة الخشبيه المشهورة التي دخلت بيوت كل السعوديين وكان أول ماشاهدنا فيه (غوار الطوشي ) لم انم تلك الليلة من فرحتي بالتلفزيون حتى أنني كنت اعد النقاط السوداء عندما ينتهي الإرسال التلفزيوني للقناة العتيقه بالمناسبه لقد افتقدناها كثيراً كم كان جميلاً طعم المسلسلات فيها من (غوار الطوشي) إلى (أصابع الزمن) مروراً بـ (أنا البرادعي يارشدي) .... علاوة على المسلسلات الكرتونيه البرئيه المسلسل الخالد (عدنان ولينا) حيث الحب البرئ والنوايا الحسنة ... في احد أيام عام 1982م كنت عائدا من المدرسه ذهبت كعادتي للسلام على والدتي ووجدتها امام التلفاز تبكي كنت اسألها عمن تبكي ولماذا ؟! نظرت لي والدمع يملأ عينيها وقالت لي بصوت مشنوق (الملك خالد مات) سقطت شنطتي الدراسية السوداء من يدي كطير مذبوح وبكيت مع أمي .. كان يذيع الخبر الفاجعه على ما اعتقد المذيع القدير غالب كامل .. لم أكن اعي الحزن تلك الفترة بل اجزم تماماً لم يعرف السعوديين حزناً كذلك اليوم بعد موت فيصل ... كان الملك خالد يرحمه الله يمثل لكل السعوديين الأب الكبير والقلب الرحيم .... هنا اقف احتراماً لهذا الرجل العظيم وسوف أكمل الأسبوع القادم .