كثير من مشكلاتنا تعود إلى عدم احترام النظام، ومن ذلك ما يتعلق بالوقت والمواعيد ونحوها، وما يتعلق بالإدارة وفنياتها، والسير وأحواله، وغير ذلك كثير.
والذي يرى تصرفاتنا، يظن أننا لا نملك نظاماً، ولا نعرف ترتيباً، ولا يوجد لدنيا مرجع يعلمنا ذلك، مع أننا أمة مسلمة، ولدينا كتاب عظيم القدر، كبير الأثر، هو القرآن، ولدينا سنة عملية واقعية؛ لسيرة خير البشر، وأعظم الناس تأثيراً وإنجازاً.
بل يوجد لدينا تدريب عملي يومي على النظام، ألا وهو الصلاة، وقد لا يتنبّه بعضنا لذلك، فانظر مثلاً -أيها المؤمن- كيف أنّ الصلاة جاءت في أوقات مقننة منظمة، لا تُقبَل إلاّ فيها، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
وانظر كيف تَوَزَّع هذا الوقت على اليوم والليلة من خلال خمسة أوقات، بحيث يكون مقياساً دقيقاً لمن أراد تنظيم وقته، وترتيب شؤونه، وبين تلك الأوقات فوارق زمنية معينة، تساعد الإنسان على الإنجاز، ويجد من خلالها ما يكفي للترفيه والراحة.
وانظر أيضاً إلى وجود الأذان قبل الصلاة، وكونه يحصل بدقة عظيمة، لا نجد لها مثيلاً في كل مجريات حياتنا، ثم تأمل الوقت الكافي لِمَقْدِم الناس للمساجد بين الأذان والإقامة، وطريقة مشيهم إليها، وكون ذلك حسب تعليمات مجددة، ثم انظر كيف يدخلون وماذا يفعلون، وأين يجلسون، كل ذلك يحصل بتعليمات منظمة.
وتأمل الوضوء قبل الصلاة، وكيف أنه تهيئة دائمة وممارسة متكررة؛ لأداء هذه العبادة في وقت محدد، بترتيب محدد.
وتأمل كيف يصطف الناس عند إقامة الصلاة، وكيف يتبعون الداعي لذلك، وفي خلال أقل من دقيقة يكون الجميع صفوفاً منتظمة، الكلُّ في مكانه، دون مشكلات أو تدخل من أحد على أحد، أو أذى من أحد لأحد!
ثم تأمل كيف يقف الإمام أَماَمَ تلك الصفوف، ليكون لها قائداً يتبعونه، ويقتفون أثره، وما في ذلك من ترسيخ لمبدأ القيادة؛ لأنه لو ترك الأمر لكل واحد؛ لما رأينا هذا النظام العجيب؛ يبدأون جميعاً، ويسلمون جميعاً.
هذا كلّه في الصلاة، فأين ذلك عن حياتنا؟
نظرة واحدة ليست بعيدة عن المسجد؛ تبيّن لنا كيف أننا لم نستوعب دروس النظام هذه، فأحدنا يوقف سيارته وسط الشارع ليلحق الصلاة، دون مراعاة للمارة، ولا لحقوق الطريق، وأحذيتنا توضع أمام باب المسجد دون نظام ولا ترتيب.
وصور الفوضى -عموماً- في حياتنا كثيرة، تحتاج منّا إلى مراجعة ووقفة، لنستفيد حقّاً مِن تعاليم ديننا وتوجيهاته العظيمة.
والحمد لله أولاً وآخراً