بنفس الموعد والتاريخ يطل علينا " العيد الوطني " يتكرر ويعود ، ويحمل مظاهر الفرح والسرور ، وتُستقبل فيه التهاني والتبريكات ، وتأخذ بعض الطرقات زينتها فيه بل تتوقف الأعمال ويحظى الناس بإجازة ليألفوا هذا اليوم ويعتقدوا بركته . وقد بدأ بعضنا متخبطا بين التوفيق والتلفيق بتلطيف الأمر وتسهيله موفقا بين الانضباط الشرعي والمشاركة بالفرحة المستعارة فبدل أن يقول : احتفال قال احتفاء وبدل أن يقول عيد قال يوم ، فرحة على خجل وإعلان على وجل !
لا مجال للشك في أن اليوم الوطني إنما هو عيد ولا اختلاف في المظاهر العامة بينه وبين العيد ، وإن أسميناه يوماً وطنياً فإن التسميات لا تؤثر في الحقائق . والأمر لايقف عند ذلك ، بل المشكلة أبعد من ذلك بكثير ! إذ تجد من يزايد على وطنية من لا يرى الاحتفال حتى أصبح مجرد الاحتفال برهانا على الوطنية وصدق الانتماء .
لا أريد أن أسوق الأمر من وجهة الشرع ولن أحشد أقوال علماء بلادنا "الرسميين" الذين منعوا من الاحتفال ونصحوا في البيان والمقال ، ولكني سأتحدث بوطنية محضة ، مجردة عن كل خلفيتي الشرعية ونظرتي الفقهية !
لذا ؛ سأكتب من وجهة نظر وطنية وباعتبارات قومية حتى لا يأتي معترض يشغلنا معه بحجج زجاجية واهية لا تثبت إلا إذ هزت النسماتُ الرقيقةُ ؛ الجبالَ الراسية !
دعوني أبدي عجبي من متلبرلي بلادنا الذين وجدوا في هذا اليوم فرصة لينالوا من علماء الشريعة زاعمين أن دعواهم لتوسيع الاحتفال باليوم الوطني وتناديهم عبر صحافتهم الصفراء ؛ دليل وطنيتهم وأن المانعين منه لايمتلكون أي وطنية أو انتماء ، ولك أن تفتح بعض صحفنا لتجد ما أقوله لك واضحاً جلياً !
لكن يزداد عجبك لما تجد من اتخذ من السفارات الغربية مطافاً له ، فيروح ويغدوا منها و إليها ، وتجد كتاباته ماهي إلا محاولة لطمس الهوية الوطنية وتشويه لها ، وصبغها بالصبغة الغربية ، ثم فجأة وبقدرة قادر يتحول هذا إلى وطني مخلص ، وبرهان صدقه ودليل إخلاصه لوطنه ؛ احتفاله باليوم الوطني وحضه الغير على توسيع دائرة " تعظيم" هذا اليوم بكل الوجوه !
وتساؤل آخر مثير ؛ هل مشاهد العبث وصور الإخلال بالأمن وتزايد الاعتداءات على الأرواح والممتلكات التي نراها في هذا اليوم ؛ دليل وطنية ، والاستنفار الأمني الذي لا أدري هبّ يدفع من عمن ؟ ولحمي مَن ممن ؟ اليس هذا اليوم يوم وطني ! كل هذه تساؤلات وعلامات استفهام نضعها لنجيب عليها بوطنية صادقة !
إن استنزاف الأموال وإشغال كافة القوى الأمنية في البلاد وتعطيل المصالح العامة لأجل هذا اليوم لا يصب في مصلحة البلاد ، ولا يكون ولن يكن تعزيز الوطنية لدى أبناء الوطن بيوم تضطرب فيه حركة السير وتخشى فيه النفوس ويتراقص فيه المحتفلون وبالطرب واللهو ، إذ لو كان هذا نافعا لنفع غيرنا من البلدان التي لها من الأعياد الوطنية أضعاف أضعاف مالدينا ، ثم ماذا كانت الثمرة لدى المواطنين ؟
اضطرابات أمنية وقلق نفسي وانعدام للأمن أدى ببعضهم لثورات أزاحت أنظمتها وحكامها ولم تغنِ الأعياد الوطنية شيئاً !
إن وطناً يقوم على دين محمد صلى الله عليه وسلم ، ومواطنون يتبعون نهجه لا يحتاجون أكثر من تذكيرهم بحق الله عليهم في أوطانهم وحق الله عليهم في تعاملهم مع ولاتهم ؛ فالعرب لا يصلحهم إلا الدين !
ولكني ورغم ما ذكرت لكم من سلبيات ذاك العيد ، وبغض النظر عن رأي علماء الشرع من "الرسميين" وغيرهم إلا أني أوافق على الاحتفال بالعيد الوطني - على مافيه - إذا كان يوما للإصلاح الإداري والمالي وداعما للمشاريع الوطنية المدنية والعسكرية ومسهما في إخراج العلماء والنابغين ومؤازرتهم واحتواء أعمالهم .
واعتقد أن الرقص بالدبابات واللعب بالصواريخ الحديثة في الجو واستعراض الاختراعات المحلية أحب إلى قلبي وأنفع لشعبي من التمايل بالسيوف على ضربات الدفوف !
سلطان العطوي