قبول الرأي المخالِف، الرأي والرأي الآخر، نبذ التحزّب، تقديم حسن الظن، نقد الفكرة لا صاحبها، البعد عن التجريح، البعد عن إثارة الرأي العام، احتواء الرأي الآخر لا إسقاطه، البعد عن أحادية النظر والرأي.
كل هذه المبادئ التي ينادي بها عدد كبير من الكتّاب -وهي حق في ذاتها- تساقطت واحدة تلو الأخرى على أيدي الكتّاب أنفسهم، في الحملة المنظمة التي قادها كتّاب صحفنا على الشيخ سعد الشثري، في كلمة قالها لا جديد فيها، إلا عند مَنْ يبحث عن العثرة ليصطادها ويصطاد بها.
حاولت أن أجد في كلامه ما يمكن أن يبرر ولو جزءًا يسيرًا من هذه الحملة فلم أجد، ودون الخوض في موضوع السؤال والجواب؛ لأنه ليس موضوعنا هنا، بل موضوعنا أين المبادئ التي يتنادى بها الكتاب، ثم ما بالهم يلغونها في لحظة، ويقترفون ما كانوا يذمون؟!
إن هذه الحملة المنظمة -وإن أنكر ذلك أصحابها- لَتبيّنُ الاتجاه الكاسح لصحافتنا، وكيف أنها تسعى لالتقاط كل ما يمكن أن يؤثر في الاتجاه الديني السائد في البلاد، لقد أكَّد الكتّاب أنفسهم التنظيم الذي يسعون من خلاله إلى مصادرة آراء الآخرين، بل وقمعهم، باستثمار الأحداث، والاستمرار بالطرق على آراء محددة، والاستحواذ على منابر الصحافة، بحيث لا يسمح بالمرور إلا لمقالات ضعيفة أو قليلة، لا تُشكّل من رأيِ الآخر شيئاً.
وفي المقابل، يشن هؤلاء الكتّاب حربًا لا هوادة فيها على أصحاب الاتجاه الديني، في السيطرة على منابر المساجد، واستغلالها -كما يقولون- لبث أفكارهم، إذا كنّا نتحدث بمنطق العقل؛ فلمَ يُلام هؤلاء، ويُبرَّرُ لكم ما تفعلون!؟
إنّ هذا الإجلاب بالخيل، والرَّجِل على رأي؛ ليسَ بجديد، وله حظه من النظر، ليبين حجم الحنق الذي يحمله هؤلاء على التيّار الشرعي، وإنّ اختيار هذه الهجمة في هذا الوقت بالذات ليوضّح استثمار هؤلاء الكتّاب لحدث إنشاء جامعة الملك عبد الله، ولا يشك أحد أنها من المفاخر للوطن، والمرفوض ليس هو الجامعة، بل استغلال اهتمام القيادة بها، لتهميش كل رأي لا يتوافق مع اتجاههم التغريبي، وليس بالضرورة لا يتوافق مع الجامعة.
فلا أظن أنّ هناك حرجًا في انتقاد أي منشط أو قرار في هذه الجامعة أو غيرها، إذا كان في حدود اللياقة والأدب، وإلا لصادرنا كل ما تدعو له القيادة من الحوار وقبول الآخر.
وماذا يضير هؤلاء الكتّاب لو استوعبوا هذا الرأي المخالف لرأيهم؟ خصوصًا أنه جاء في سؤال عابر، لا في محاضرة موجهة، إنّ إثارتهم لهذا الموضوع بهذه الطريقة؛ أسهم وسيُسهِم في قدح شرار التشدد من جديد، لأنهم قدموا صورة عملية للتنادي والتحزُّب ضدَّ رأيٍ مخالِف، فلا يلوموا إذاً مَن يفعل ذلك في الجانب المقابل.
وقد اقترف هؤلاء الكتّاب خطيئة كبيرة في حق الوطن عمومًا، وفي حق هذه الجامعة خصوصًا، فقد خطا الوطن بأبنائه ومثقَّفِيه خطواتٍ جيدة نحو التصحيح وتقارب الأفكار والمفاهيم، وصغرت هوة التعادي بين الشرعي والأدبي والفكري، ثم تأتي هذه الحملة لتُوسِّع الهوّة، ولتعيدنا إلى البدايات، بل ربما قبلها.
كما أنّ هذه الجامعة حديثة في نمطها وطريقة عملها، والمفترض أن تكون حرية التعبير والبحث والرأي أحد أهم مرتكزاتها، فكيف يكون الهجوم والمصادرة بهذا الحجم؛ لأول الآراء الناقدة؟
إنها أقنعة تكشّفت، ومبادئٌ تساقطت، ولا أظن الشثري إلا زاد رصيدًا؛ وإنْ ظن مخالفوه أنهم أسقطوه، بل هم رفعوه وأظهروه.
د. عويض بن حمود العطوي
Dr.ahha1@gmail.com
كل هذه المبادئ التي ينادي بها عدد كبير من الكتّاب -وهي حق في ذاتها- تساقطت واحدة تلو الأخرى على أيدي الكتّاب أنفسهم، في الحملة المنظمة التي قادها كتّاب صحفنا على الشيخ سعد الشثري، في كلمة قالها لا جديد فيها، إلا عند مَنْ يبحث عن العثرة ليصطادها ويصطاد بها.
حاولت أن أجد في كلامه ما يمكن أن يبرر ولو جزءًا يسيرًا من هذه الحملة فلم أجد، ودون الخوض في موضوع السؤال والجواب؛ لأنه ليس موضوعنا هنا، بل موضوعنا أين المبادئ التي يتنادى بها الكتاب، ثم ما بالهم يلغونها في لحظة، ويقترفون ما كانوا يذمون؟!
إن هذه الحملة المنظمة -وإن أنكر ذلك أصحابها- لَتبيّنُ الاتجاه الكاسح لصحافتنا، وكيف أنها تسعى لالتقاط كل ما يمكن أن يؤثر في الاتجاه الديني السائد في البلاد، لقد أكَّد الكتّاب أنفسهم التنظيم الذي يسعون من خلاله إلى مصادرة آراء الآخرين، بل وقمعهم، باستثمار الأحداث، والاستمرار بالطرق على آراء محددة، والاستحواذ على منابر الصحافة، بحيث لا يسمح بالمرور إلا لمقالات ضعيفة أو قليلة، لا تُشكّل من رأيِ الآخر شيئاً.
وفي المقابل، يشن هؤلاء الكتّاب حربًا لا هوادة فيها على أصحاب الاتجاه الديني، في السيطرة على منابر المساجد، واستغلالها -كما يقولون- لبث أفكارهم، إذا كنّا نتحدث بمنطق العقل؛ فلمَ يُلام هؤلاء، ويُبرَّرُ لكم ما تفعلون!؟
إنّ هذا الإجلاب بالخيل، والرَّجِل على رأي؛ ليسَ بجديد، وله حظه من النظر، ليبين حجم الحنق الذي يحمله هؤلاء على التيّار الشرعي، وإنّ اختيار هذه الهجمة في هذا الوقت بالذات ليوضّح استثمار هؤلاء الكتّاب لحدث إنشاء جامعة الملك عبد الله، ولا يشك أحد أنها من المفاخر للوطن، والمرفوض ليس هو الجامعة، بل استغلال اهتمام القيادة بها، لتهميش كل رأي لا يتوافق مع اتجاههم التغريبي، وليس بالضرورة لا يتوافق مع الجامعة.
فلا أظن أنّ هناك حرجًا في انتقاد أي منشط أو قرار في هذه الجامعة أو غيرها، إذا كان في حدود اللياقة والأدب، وإلا لصادرنا كل ما تدعو له القيادة من الحوار وقبول الآخر.
وماذا يضير هؤلاء الكتّاب لو استوعبوا هذا الرأي المخالف لرأيهم؟ خصوصًا أنه جاء في سؤال عابر، لا في محاضرة موجهة، إنّ إثارتهم لهذا الموضوع بهذه الطريقة؛ أسهم وسيُسهِم في قدح شرار التشدد من جديد، لأنهم قدموا صورة عملية للتنادي والتحزُّب ضدَّ رأيٍ مخالِف، فلا يلوموا إذاً مَن يفعل ذلك في الجانب المقابل.
وقد اقترف هؤلاء الكتّاب خطيئة كبيرة في حق الوطن عمومًا، وفي حق هذه الجامعة خصوصًا، فقد خطا الوطن بأبنائه ومثقَّفِيه خطواتٍ جيدة نحو التصحيح وتقارب الأفكار والمفاهيم، وصغرت هوة التعادي بين الشرعي والأدبي والفكري، ثم تأتي هذه الحملة لتُوسِّع الهوّة، ولتعيدنا إلى البدايات، بل ربما قبلها.
كما أنّ هذه الجامعة حديثة في نمطها وطريقة عملها، والمفترض أن تكون حرية التعبير والبحث والرأي أحد أهم مرتكزاتها، فكيف يكون الهجوم والمصادرة بهذا الحجم؛ لأول الآراء الناقدة؟
إنها أقنعة تكشّفت، ومبادئٌ تساقطت، ولا أظن الشثري إلا زاد رصيدًا؛ وإنْ ظن مخالفوه أنهم أسقطوه، بل هم رفعوه وأظهروه.
د. عويض بن حمود العطوي
Dr.ahha1@gmail.com