رأيت في البادية من يقوم قبيل الفجر، فيرفع الأذان ويصلي، ويفطر على تمرات، ثم يتبعها بحسوات من اللبن، ثم يسير إلى عمله ومهنته بقوة تعادل أربعين حصانا أو بقوة ماكينة ثمانية "سلندر" فلا يتعب ولا يكل ولا يمل، يمشي إلى حقله الذي يبعد ثلاثة أميال، ثم يأخذ مسحاته بعد وصوله مباشرة فيساوي أرضه ثم يحرث ثم يدفن ويتابع أشجاره شجرة شجره، فيسقي ويشتل ويصدح بالأناشيد والصيحات التي تحمسه وتطربه، فإذا قارب النهار الضحى توجهه لبركته أو إحدى جداوله فتوضأ وأسبغ الوضوء، ثم توجهه لمصلاه فمسح الأرض التي يصلي عليها فصلى وسبح واستغفر ،
ثم جاء بإبريق وكأني أراه قد غطاه السواد من كل جانب، فأوقد ناره وصنع شاي بنكهة النعناع أو الحبق تتحدث العرب بمذاقه ولونه ولذعته فتراه قد استبشر وجاءته السعادة من كل حدب وصوب وكأنه تولى إمارة من أمير أو توج بتاج من ملك، لا عجب من ذلك فهو يرى أنه أبدع في صنعته وسعى وفاز في سعيه وحقق جميع طموحاته في هذا اليوم ، فيرجع إلى بيته قبيل الظهر وهو لازال بنشاطه وحيويته وصوته يدوي في الأفاق وكأنه الرعد، ويسير بخطى رشيقة وكأنه الغزال، ثم يعاود عمله بعد العصر ويرجع عند غروب الشمس، أو يصلي هناك، ويأتي بنفس راضية وروح عالية فتقدم له زوجته طعام العشاء فيؤذن ويصلي العشاء ثم يأخذ يد محبوبته فيرتعون في حياض حديث ذلك اليوم، فيتبادلون الحديث ويسامرون القمر والنجوم وبعد قليل يسدل الستار على يوم جميل قضاه في عمله ومع أهله وزوجته.
ورأيت في الحاضرة أو المدينة، من وقف عند البوفيه يطلب خبز تميس وتميسين وما تيسر من فول وفلا فل وعدس وقلابة وحمص ، فيأكل بكل نهم ، فيحسن على جميع ما ذكر ، أحسن الله إليه لأنه لا يرى الإسراف في الطعام، ثم يتوجه إلى عمله متأخرا بكل ثقل وكأنه يحمل جبال قرية الفارعة على ظهره، ويتنفس من ثقب إبرة، فإذا دخل حدود عمله أو وقع على دفتر الحضور والانصراف جاءته الهموم والغموم من كل مكان ، وبدأ يتولول ويتمتم ويتأفف ويسخط ويعتب ويلمح ويصرح ؛أن العمل في هذه الدائرة نظامي ومتعب ومقلق ولولا لقمة العيش وكلام العذال ما جلس هنا برهة من الزمن ،
بالرغم -أيها القراء الكرام- أن هذا الذي يشتكي في برد وسلام وأمان فهو يملك في غرفته مكتبا كبيرا، مغطى بالجلد محفوف بالزينة وفوق رأسه مكيف 24 وحدة بارد كأنه الثلج ؛يبرد كل حار ينساب هوائه إلى الروح فيسكنها وإلى الأعضاء فينشطها، ومع هذا النعيم المقيم إذا حل الضحى لم ترى إلا جسما كأنه الفيل انحنى وانكمش على حافة المكتب ،ولم تسمع بعدها سوى أهازيج الشخير والنخير تنتشر في فضاء تلك الغرفة، فضاعت الأمانة وتمزقت الطموحات على ذلك المكتب ، -و لا حول ولا قوة إلا بالله - وقبيل الظهر يستيقظ من نومته الهانئة فيطلب شاي وقهوة وتمر فيحتسى من هذا ويأكل من هذا، ثم يغادر عمله قبل نهاية الدوام ؛ لأن أولاده في المدارس، وزوجه في العمل وعنده معاملة يريد استكمالها كما يدعي،
فيرجع إلى بيته فيفترس ثلاث دجاجات ؛لأنه خاضع تحت برنامج حمية، ويختمها بلترين لبن فينام في مكان ويسحبونه إلى فراشه، فلا يفيق إلا بعد المغرب فيقوم مرعوبا فزعا قلقا يبحث عن مفتاح سيارته وشماغه وعقاله ،
مالأمر يا ترى ! هل يريد أن يصلي في المسجد ما فاته من صلوات ..؟
لا بل اتضح انه (تأخر عن موعد زملائه في الاستباحة، قصدي الاستراحة لبرنامج لا ينتهي إلا قبيل الفجر ) - لكم الله يأهل هذا الإنسان- عند هذا السطر أرفع قلمي وأترك التعليق لكم أيها السادة الكرام ودمتم بخير ..
ثم جاء بإبريق وكأني أراه قد غطاه السواد من كل جانب، فأوقد ناره وصنع شاي بنكهة النعناع أو الحبق تتحدث العرب بمذاقه ولونه ولذعته فتراه قد استبشر وجاءته السعادة من كل حدب وصوب وكأنه تولى إمارة من أمير أو توج بتاج من ملك، لا عجب من ذلك فهو يرى أنه أبدع في صنعته وسعى وفاز في سعيه وحقق جميع طموحاته في هذا اليوم ، فيرجع إلى بيته قبيل الظهر وهو لازال بنشاطه وحيويته وصوته يدوي في الأفاق وكأنه الرعد، ويسير بخطى رشيقة وكأنه الغزال، ثم يعاود عمله بعد العصر ويرجع عند غروب الشمس، أو يصلي هناك، ويأتي بنفس راضية وروح عالية فتقدم له زوجته طعام العشاء فيؤذن ويصلي العشاء ثم يأخذ يد محبوبته فيرتعون في حياض حديث ذلك اليوم، فيتبادلون الحديث ويسامرون القمر والنجوم وبعد قليل يسدل الستار على يوم جميل قضاه في عمله ومع أهله وزوجته.
ورأيت في الحاضرة أو المدينة، من وقف عند البوفيه يطلب خبز تميس وتميسين وما تيسر من فول وفلا فل وعدس وقلابة وحمص ، فيأكل بكل نهم ، فيحسن على جميع ما ذكر ، أحسن الله إليه لأنه لا يرى الإسراف في الطعام، ثم يتوجه إلى عمله متأخرا بكل ثقل وكأنه يحمل جبال قرية الفارعة على ظهره، ويتنفس من ثقب إبرة، فإذا دخل حدود عمله أو وقع على دفتر الحضور والانصراف جاءته الهموم والغموم من كل مكان ، وبدأ يتولول ويتمتم ويتأفف ويسخط ويعتب ويلمح ويصرح ؛أن العمل في هذه الدائرة نظامي ومتعب ومقلق ولولا لقمة العيش وكلام العذال ما جلس هنا برهة من الزمن ،
بالرغم -أيها القراء الكرام- أن هذا الذي يشتكي في برد وسلام وأمان فهو يملك في غرفته مكتبا كبيرا، مغطى بالجلد محفوف بالزينة وفوق رأسه مكيف 24 وحدة بارد كأنه الثلج ؛يبرد كل حار ينساب هوائه إلى الروح فيسكنها وإلى الأعضاء فينشطها، ومع هذا النعيم المقيم إذا حل الضحى لم ترى إلا جسما كأنه الفيل انحنى وانكمش على حافة المكتب ،ولم تسمع بعدها سوى أهازيج الشخير والنخير تنتشر في فضاء تلك الغرفة، فضاعت الأمانة وتمزقت الطموحات على ذلك المكتب ، -و لا حول ولا قوة إلا بالله - وقبيل الظهر يستيقظ من نومته الهانئة فيطلب شاي وقهوة وتمر فيحتسى من هذا ويأكل من هذا، ثم يغادر عمله قبل نهاية الدوام ؛ لأن أولاده في المدارس، وزوجه في العمل وعنده معاملة يريد استكمالها كما يدعي،
فيرجع إلى بيته فيفترس ثلاث دجاجات ؛لأنه خاضع تحت برنامج حمية، ويختمها بلترين لبن فينام في مكان ويسحبونه إلى فراشه، فلا يفيق إلا بعد المغرب فيقوم مرعوبا فزعا قلقا يبحث عن مفتاح سيارته وشماغه وعقاله ،
مالأمر يا ترى ! هل يريد أن يصلي في المسجد ما فاته من صلوات ..؟
لا بل اتضح انه (تأخر عن موعد زملائه في الاستباحة، قصدي الاستراحة لبرنامج لا ينتهي إلا قبيل الفجر ) - لكم الله يأهل هذا الإنسان- عند هذا السطر أرفع قلمي وأترك التعليق لكم أيها السادة الكرام ودمتم بخير ..