من فصاحة الغلمان عن الأصمعي قال: بينا أنا بحمى ضرية إذ وقف علي غلام من بني أسدٍ في أطمارٍ ما ظننته يجمع بين كلمتين، فقلت: ما اسمك...؟
فقال: حريقيص،
فقلت: أما كفى أهلك أن يسموك حرقوصا حتى حقروا اسمك...!
فقال: إن السقط ليحرق الحرجة،
فعجبت من جوابه، فقلت: أتنشد شيئاً من أشعار قومك...؟
قال: نعم أنشدك لمرارنا،
قلت: افعل، فقال:
سكّنوا شبيثاً والأحص وأصبحوا
. نَزلتْ منازلهم بنو ذبيان
وإذا يقال أُتيتمُ لم يبرحوا
. حتى تُقيم الخيل سوق طعان
وإذا فلان مات عن أكرومةٍ
. رقعوا معاوز فقده بفلان
قال الأصمعي: فكادت الأرض تسوخ بي لحسن إنشاده وجودة الشعر، فأنشدت الرشيد هذه الأبيات، فقال: وددتُ يا أصمعي أن لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب.
(ومرار هو المُرّار بن سعيد بن خالد بن نضلة الفقعسي الأسدي. شاعر كان جده خالد بن نضلة قائد بني أسد يوم الكلاب وعاش في العصر الأموي، كان قصيراً مفرط القصر، ولكنه كان شجاعا كريما وكان من الشعراء اللصوص وقد سجن مرتين، وكان من سكان البادية، وكان كثير الشعر، ولكن فُقد أكثره، وموضوعات شعره تتناول الوصف والرثاء والفخر والغزل والهجاء.)
وفي نجابة الأولاد عزم الفضل بن الربيع على تطهير بعض ولده، فأتى الرشيد فقال: يا سيدي، قد عزم عبدك على تطهير ولده خادمك، فإن رأى أمير المؤمنين أن يزين عبده بنفسه، ويصل نعمته هذه بنعمته المتقدمة، ويتم سروره، فعل متفضلاً على عبده، متمنّناً بذلك،
فقال: نعم،
فغدا إليه، وقد أصلح جميع ما يحتاج إليه، ووضعت الموائد، وقعد الناس يأكلون، وأقبل الرشيد يدور في داره، فرأى صبياً صغيراً أول ما نطق، فقال: يا صبي أيما أحسن داركم هذه، أم دار أمير المؤمنين...؟
فقال: دارنا هذه أحسن ما دام أمير المؤمنين فيها، فإذا صار أمير المؤمنين إلى داره فداره أحسن،
فضحك منه الرشيد، وتعجب من نجابته.
وعن عبد الله بن مصعب قال: كنت عند أمير المؤمنين الرشيد فقال له بعض جلسائه في محمد بن عبد الرحمن: هو حدث السن وليس مثله يلي القضاء،
فقلت: لا يضيع فتى من قريش في مجلس أنا فيه، فأقبلت عليهم فقلت لهم: وهل عاب الله أحداً بالحداثة...؟ أمير المؤمنين حدث السن أفتعيبونه...؟ وقد قال الله تعالى: {سمعنا فتى يذكرُهم يقالُ لهُ إبراهيمُ}.
فقال لهم أمير المؤمنين: صدق، أنا حدث السن أتعيبونني بالحداثة...؟ وأقرّه على القضاء.
فقال: حريقيص،
فقلت: أما كفى أهلك أن يسموك حرقوصا حتى حقروا اسمك...!
فقال: إن السقط ليحرق الحرجة،
فعجبت من جوابه، فقلت: أتنشد شيئاً من أشعار قومك...؟
قال: نعم أنشدك لمرارنا،
قلت: افعل، فقال:
سكّنوا شبيثاً والأحص وأصبحوا
. نَزلتْ منازلهم بنو ذبيان
وإذا يقال أُتيتمُ لم يبرحوا
. حتى تُقيم الخيل سوق طعان
وإذا فلان مات عن أكرومةٍ
. رقعوا معاوز فقده بفلان
قال الأصمعي: فكادت الأرض تسوخ بي لحسن إنشاده وجودة الشعر، فأنشدت الرشيد هذه الأبيات، فقال: وددتُ يا أصمعي أن لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب.
(ومرار هو المُرّار بن سعيد بن خالد بن نضلة الفقعسي الأسدي. شاعر كان جده خالد بن نضلة قائد بني أسد يوم الكلاب وعاش في العصر الأموي، كان قصيراً مفرط القصر، ولكنه كان شجاعا كريما وكان من الشعراء اللصوص وقد سجن مرتين، وكان من سكان البادية، وكان كثير الشعر، ولكن فُقد أكثره، وموضوعات شعره تتناول الوصف والرثاء والفخر والغزل والهجاء.)
وفي نجابة الأولاد عزم الفضل بن الربيع على تطهير بعض ولده، فأتى الرشيد فقال: يا سيدي، قد عزم عبدك على تطهير ولده خادمك، فإن رأى أمير المؤمنين أن يزين عبده بنفسه، ويصل نعمته هذه بنعمته المتقدمة، ويتم سروره، فعل متفضلاً على عبده، متمنّناً بذلك،
فقال: نعم،
فغدا إليه، وقد أصلح جميع ما يحتاج إليه، ووضعت الموائد، وقعد الناس يأكلون، وأقبل الرشيد يدور في داره، فرأى صبياً صغيراً أول ما نطق، فقال: يا صبي أيما أحسن داركم هذه، أم دار أمير المؤمنين...؟
فقال: دارنا هذه أحسن ما دام أمير المؤمنين فيها، فإذا صار أمير المؤمنين إلى داره فداره أحسن،
فضحك منه الرشيد، وتعجب من نجابته.
وعن عبد الله بن مصعب قال: كنت عند أمير المؤمنين الرشيد فقال له بعض جلسائه في محمد بن عبد الرحمن: هو حدث السن وليس مثله يلي القضاء،
فقلت: لا يضيع فتى من قريش في مجلس أنا فيه، فأقبلت عليهم فقلت لهم: وهل عاب الله أحداً بالحداثة...؟ أمير المؤمنين حدث السن أفتعيبونه...؟ وقد قال الله تعالى: {سمعنا فتى يذكرُهم يقالُ لهُ إبراهيمُ}.
فقال لهم أمير المؤمنين: صدق، أنا حدث السن أتعيبونني بالحداثة...؟ وأقرّه على القضاء.