قال الأصمعي: كنت عند الرشيد فدخل عليه إسحاق بن إبراهيم الموصلي فقال: أنشدني من شعرك، فأنشده:
وآمرةٍ بالبُخْل قلت لها اقْصِـرِي
. فليس إلى ما تأمـرينَ سـبـيلُ
أرى الناس خُلاَّنَ الجوادِ ولا أرى
. بخيلاً له في العالَمـين خَـلِـيلُ
ومِنْ خير حالاتِ الفتى لو علمتـهِ
. إذا نال شيئاً أن يكـونَ مـنـيلُ
فَعالي فعالُ المُكْثِرين تـجـمُّـلاً
. ومالي كما قد تعلمـين قَـلـيلُ
وكيف أخافُ الفقرَ أو أُحرم الغنى
. ورَأْيُ أمير المؤمنين جـمـيلُ
فقال الرشيد: يا فضل؛ أَعطه عشرين ألف درهم،
ثم قال: لله أبيات تأتينا بها يا إسحاق، ما أتقن أصولها، وأبين فصولها، وأقلّ فضولها!
فقال: والله يا أمير المؤمنين، لا قبلتُ منها درهماً واحداً،
قال: ولم...؟
قال: لأنّ كلامك، والله، خيرٌ من شعري،
فقال: يا فضل؛ ادفع إليه أربعين ألفاً.
قال الأصمعي: فعلمت أنه أصيد لدراهم الملوك مني.
وعن الأصمعي قال: سمعت بيتين لم أحفل بهما، وقلت: هما على كل حال خير من موضعهما من الكتاب، فإني عند الرشيد يوما وعنده عيسى بن جعفر، فأقبل على مسرور الكبير فقال له: يا مسرور، كم في بيت مال السرور،
قال: ليس فيه شيء.
فقال عيسى: هذا بيت الحزن،
قال: فاغتمّ لذلك الرشيد، وأقبل على عيسى فقال: والله لتعطينّ الأصمعي سلفا على بيت مال السرور ألف دينار،
فاغتمّ عيسى وانكسر،
قال: فقلت في نفسي: جاء موضع البيتين، فأنشدت الرشيد:
إذا شئت أن تلقى أخاك معبساً
. وجداه في الماضين كعب وحاتم
فكشفه عمّا في يديه فإنما
. تكشّف أخبار الرجال الدراهم
قال: فتجلى عن الرشيد وقال لمسرور: أعطه على بيت مال السرور ألفي دينار، وما كان البيتان يساويان عندي درهمين.
وفي وصية للمنادمين والمؤانسين من الكلام البديع فيما أوصى به أتباع السلطان ما وصى به الخليفة هارون الرشيد الأصمعي في أول ما عزم على تأنيسه، حيث قال له: يا عبد الملك، أنت أحفظ منا، ونحن أعقل منك، لا تعلمنا في ملاء، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلاء، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإنَّ بلغت من الجواب قدر استحقاقه فلا تزد، وإياك والبدار إلى تصديقنا، أو شدة العجب بما يكون منا، وعلمنا من العلم ما نحتاج إليه على عتبات المنابر وفي أعطاف الخطب وفواصل المخاطبات، ودعنا من رواية حوشي الكلام وغرائب الأشعار، وإياك وإطالة الحديث إلا أن يستدعى ذلك، ومتى رأيتنا صادفين عن الحق فأرجعنا إليه ما استطعت، من غير تقرير بالخطأ ولا إضجار بطول الترداد. قال الأصمعي: أنا إلى حفظ الكلام أحوج مني إلى كثير من البر.
وآمرةٍ بالبُخْل قلت لها اقْصِـرِي
. فليس إلى ما تأمـرينَ سـبـيلُ
أرى الناس خُلاَّنَ الجوادِ ولا أرى
. بخيلاً له في العالَمـين خَـلِـيلُ
ومِنْ خير حالاتِ الفتى لو علمتـهِ
. إذا نال شيئاً أن يكـونَ مـنـيلُ
فَعالي فعالُ المُكْثِرين تـجـمُّـلاً
. ومالي كما قد تعلمـين قَـلـيلُ
وكيف أخافُ الفقرَ أو أُحرم الغنى
. ورَأْيُ أمير المؤمنين جـمـيلُ
فقال الرشيد: يا فضل؛ أَعطه عشرين ألف درهم،
ثم قال: لله أبيات تأتينا بها يا إسحاق، ما أتقن أصولها، وأبين فصولها، وأقلّ فضولها!
فقال: والله يا أمير المؤمنين، لا قبلتُ منها درهماً واحداً،
قال: ولم...؟
قال: لأنّ كلامك، والله، خيرٌ من شعري،
فقال: يا فضل؛ ادفع إليه أربعين ألفاً.
قال الأصمعي: فعلمت أنه أصيد لدراهم الملوك مني.
وعن الأصمعي قال: سمعت بيتين لم أحفل بهما، وقلت: هما على كل حال خير من موضعهما من الكتاب، فإني عند الرشيد يوما وعنده عيسى بن جعفر، فأقبل على مسرور الكبير فقال له: يا مسرور، كم في بيت مال السرور،
قال: ليس فيه شيء.
فقال عيسى: هذا بيت الحزن،
قال: فاغتمّ لذلك الرشيد، وأقبل على عيسى فقال: والله لتعطينّ الأصمعي سلفا على بيت مال السرور ألف دينار،
فاغتمّ عيسى وانكسر،
قال: فقلت في نفسي: جاء موضع البيتين، فأنشدت الرشيد:
إذا شئت أن تلقى أخاك معبساً
. وجداه في الماضين كعب وحاتم
فكشفه عمّا في يديه فإنما
. تكشّف أخبار الرجال الدراهم
قال: فتجلى عن الرشيد وقال لمسرور: أعطه على بيت مال السرور ألفي دينار، وما كان البيتان يساويان عندي درهمين.
وفي وصية للمنادمين والمؤانسين من الكلام البديع فيما أوصى به أتباع السلطان ما وصى به الخليفة هارون الرشيد الأصمعي في أول ما عزم على تأنيسه، حيث قال له: يا عبد الملك، أنت أحفظ منا، ونحن أعقل منك، لا تعلمنا في ملاء، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلاء، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإنَّ بلغت من الجواب قدر استحقاقه فلا تزد، وإياك والبدار إلى تصديقنا، أو شدة العجب بما يكون منا، وعلمنا من العلم ما نحتاج إليه على عتبات المنابر وفي أعطاف الخطب وفواصل المخاطبات، ودعنا من رواية حوشي الكلام وغرائب الأشعار، وإياك وإطالة الحديث إلا أن يستدعى ذلك، ومتى رأيتنا صادفين عن الحق فأرجعنا إليه ما استطعت، من غير تقرير بالخطأ ولا إضجار بطول الترداد. قال الأصمعي: أنا إلى حفظ الكلام أحوج مني إلى كثير من البر.