قال ابن الأعرابي: اجتمعت الشعراء على باب الرشيد، فأذن لهم فدخلوا وأنشدوا؛ فأنشد أبو العتاهية:
يامن تبغّى زمناً صالحاً
. صلاح هارون صلاح الزمن
كل لسان هو في ململكه
. بالشكر في إحسانه مرتهن
قال: فاهتز له الرشيد، وقال له: أحسنت والله! فما خرج في ذلك اليوم أحد من الشعراء بصلة غيره.
(وأبو العَتاهِيَة هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق. شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره. ولد ونشأ قرب الكوفة، وسكن بغداد.وكان في بدء أمره يبيع الجرار ثم اتصل بالخلفاء، وعلت مكانته عندهم)
وأنشد كثير فقال:
رأيتُ وأصحابي بمكةَ موهناً
. وقد لاحَ ضوءُ الكوكبِ المتصوبُ
لعزةَ نارٌ ما تبوخُ كأنها
. إذا ما رمقناها من البعدِ كوكبُ
قال الأصمعي: أول درهم أصبته من الرشيد مائة ألف درهم، أعطانيها على بيتي كثيّر هذين، وذاك أنه كنت في خدمة يحيى بن خالد في بعض أسفاره مع الرشيد، فنظر الرشيد ليلة إلى نار بعيدة، فقال ليحيى بن خالد: هل تحفظ في صفة هذه النار شيئاً، فقال: لا، ولكن معي راوية يقال له الأصمعي، قال: تحضره، فلما وقفت بين يديه قال: انظر إلى هذه النار، فنظرت، قال: هل تحفظ فيها شيئاً...؟ قلت: نعم، وأنشدته البيتين، فاستحسنهما، وقال: ما أخطأت ما في قلبي من تشبيهها، وأمر لي بمائة ألف درهم.
ومما مَدَح به العُمانيُّ هارونَ الرّشيدَ، بالقصيد دون الرجز، قولُه:
جَهير العُطَاس شَديد النِّياطِ
. جَهِير الرُّوَاء جَهيرُ النّغَمْ
ويخطو على الأَيْن خَطْوَ الظّليمِ
. وَيعلُو الرّجالَ بجسمٍ عَمَمْ
(قال الجاحظ: النّياط: معاليق القلب، والأَينُ: الإعياءُ، والظّليم: ذكر النعام، ويقال إنه لعَمَمُ الجسم، وإن جسمَه لعَمَمٌ إذا كان تامّاً، ومنه قيل: نبتٌ عمم، واعتمَّ النّبت، إذا تَمَّ، وكان الرَّشيد إذا طاف بالبيت جعَلَ لإزاره ذنبَيْنِ عن يمينٍ وشمالٍ، ثمّ طاف بأوسَعَ مِن خطو الظّليم، وأسرعَ من رَجْعِ يدِ الذّئب). (والعماني هو العماني الزاجر، محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة. اشتهر بالعماني لأنه كان شديد صفرة اللون. شاعر راجز من مخضرمي الدولتين، بصري المنشأ، عمّر طويلاً، روى الأصمعي: أنه مات وهو ابن ثلاثين ومائة سنة. مات سنة 193 هـ)
قال شراحيل بن معن بن زائدة: حج هارون الرشيد، وكنت كثيراً ما أسايره، إذ عرض له أعرابي من بني أسد فأنشده شعراً مدحه فيه وأفرط؛ فقال له هارون: ألم أنهك عن مثل هذا في مدحك يا أخا بني أسد...؟ إذا قلت فينا فقل كقول القائل في أب هذا (يقصد معن بن زائدة):
بنو مطر يوم اللقاء كأنهم
. أسود لها في غيل خفان أشبل
هم يمنعون الجار حتى كأنما
. لجارهم بين السماكين منزل
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
. كأولهم في الجاهلية أول
وما يستطيع الفاعلون فعالهم
. وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
. أجابوا إن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وقال يزيد بن مزيد: أرسل إلي الرشيد ليلاً يدعوني، فأوجست منه خيفة؛ فقال: أنت القائل:
أنا ركن الدولة، والثائر لها
. والضارب أعناق بغاتها
لا أم لك!! أي ركن لك، وأي ثائر أنت؟ وهل كان منك إلا نفجة أرنب رعبت قطاة جثمت بمفحصها...؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما قلت هذا، إنما قلت: أنا عبد الدولة، والفائز بها؛ فأطرق وجعل ينحل غضبه عن وجهه، ثم ضحك؛ فقلت: أسر من هذا قولي:
خلافة الله في هارون ثابتة
. وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
أرث النبي لكم من دون غيركم
. حق من الله في القرآن مسطور
فقال: يا فضل، أعطه مائتي ألف درهم قبل أن يصبح.
يامن تبغّى زمناً صالحاً
. صلاح هارون صلاح الزمن
كل لسان هو في ململكه
. بالشكر في إحسانه مرتهن
قال: فاهتز له الرشيد، وقال له: أحسنت والله! فما خرج في ذلك اليوم أحد من الشعراء بصلة غيره.
(وأبو العَتاهِيَة هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق. شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره. ولد ونشأ قرب الكوفة، وسكن بغداد.وكان في بدء أمره يبيع الجرار ثم اتصل بالخلفاء، وعلت مكانته عندهم)
وأنشد كثير فقال:
رأيتُ وأصحابي بمكةَ موهناً
. وقد لاحَ ضوءُ الكوكبِ المتصوبُ
لعزةَ نارٌ ما تبوخُ كأنها
. إذا ما رمقناها من البعدِ كوكبُ
قال الأصمعي: أول درهم أصبته من الرشيد مائة ألف درهم، أعطانيها على بيتي كثيّر هذين، وذاك أنه كنت في خدمة يحيى بن خالد في بعض أسفاره مع الرشيد، فنظر الرشيد ليلة إلى نار بعيدة، فقال ليحيى بن خالد: هل تحفظ في صفة هذه النار شيئاً، فقال: لا، ولكن معي راوية يقال له الأصمعي، قال: تحضره، فلما وقفت بين يديه قال: انظر إلى هذه النار، فنظرت، قال: هل تحفظ فيها شيئاً...؟ قلت: نعم، وأنشدته البيتين، فاستحسنهما، وقال: ما أخطأت ما في قلبي من تشبيهها، وأمر لي بمائة ألف درهم.
ومما مَدَح به العُمانيُّ هارونَ الرّشيدَ، بالقصيد دون الرجز، قولُه:
جَهير العُطَاس شَديد النِّياطِ
. جَهِير الرُّوَاء جَهيرُ النّغَمْ
ويخطو على الأَيْن خَطْوَ الظّليمِ
. وَيعلُو الرّجالَ بجسمٍ عَمَمْ
(قال الجاحظ: النّياط: معاليق القلب، والأَينُ: الإعياءُ، والظّليم: ذكر النعام، ويقال إنه لعَمَمُ الجسم، وإن جسمَه لعَمَمٌ إذا كان تامّاً، ومنه قيل: نبتٌ عمم، واعتمَّ النّبت، إذا تَمَّ، وكان الرَّشيد إذا طاف بالبيت جعَلَ لإزاره ذنبَيْنِ عن يمينٍ وشمالٍ، ثمّ طاف بأوسَعَ مِن خطو الظّليم، وأسرعَ من رَجْعِ يدِ الذّئب). (والعماني هو العماني الزاجر، محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة. اشتهر بالعماني لأنه كان شديد صفرة اللون. شاعر راجز من مخضرمي الدولتين، بصري المنشأ، عمّر طويلاً، روى الأصمعي: أنه مات وهو ابن ثلاثين ومائة سنة. مات سنة 193 هـ)
قال شراحيل بن معن بن زائدة: حج هارون الرشيد، وكنت كثيراً ما أسايره، إذ عرض له أعرابي من بني أسد فأنشده شعراً مدحه فيه وأفرط؛ فقال له هارون: ألم أنهك عن مثل هذا في مدحك يا أخا بني أسد...؟ إذا قلت فينا فقل كقول القائل في أب هذا (يقصد معن بن زائدة):
بنو مطر يوم اللقاء كأنهم
. أسود لها في غيل خفان أشبل
هم يمنعون الجار حتى كأنما
. لجارهم بين السماكين منزل
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
. كأولهم في الجاهلية أول
وما يستطيع الفاعلون فعالهم
. وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
. أجابوا إن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وقال يزيد بن مزيد: أرسل إلي الرشيد ليلاً يدعوني، فأوجست منه خيفة؛ فقال: أنت القائل:
أنا ركن الدولة، والثائر لها
. والضارب أعناق بغاتها
لا أم لك!! أي ركن لك، وأي ثائر أنت؟ وهل كان منك إلا نفجة أرنب رعبت قطاة جثمت بمفحصها...؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما قلت هذا، إنما قلت: أنا عبد الدولة، والفائز بها؛ فأطرق وجعل ينحل غضبه عن وجهه، ثم ضحك؛ فقلت: أسر من هذا قولي:
خلافة الله في هارون ثابتة
. وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
أرث النبي لكم من دون غيركم
. حق من الله في القرآن مسطور
فقال: يا فضل، أعطه مائتي ألف درهم قبل أن يصبح.