أم هارون الرشيد هي الخيزران، والخيزران جارية المهدي وأم ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد؛ كان اشتراها المهدي وأعتقها وتزوجها؛ وكانت عاقلة لبيبة ديّنة؛ كان دَخلُها في السنة ستة آلاف وستين ألف ألف درهم، فكانت تنفقها في الصدقات وأبواب البر؛ وماتت في سنة ثلاث وسبعين ومائة، ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة؛ ومشى ابنها الرشيد في جنازتها وعليه طيلسان أزرق وقد شد وسطه وأخذ بقائمة التابوت حافياً يخوض في الطين والوحل من المطر الذي كان في ذلك اليوم حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ودخل قبرها ثم خرج وتمثل بقول متمم بن نويرة، الأبيات المشهورة التي أولها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
. من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً
. لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ثم تصدق عنها بمال عظيم ولم يغيّر على جواريها وحواشيها شيئاً مما كان لهم.
أما علية ابنة المهدي، أخت هارون الرشيد، فقد كانت من أكمل النساء عقلا، وأحسنهن دينا وصيانة ونزاهة، وأظرفهن، وذات أدب بارع، وكانت أكثر أيام طهرها مشغولة بالصلاة، ودرس القرآن، ولزوم المحراب، فإذا لم تصل اشتغلت بلهوها، تقول الشعر الجيد وتسوغ فيه الألحان الحسنة، ولها ديوان شعر معروف بين الأدباء، وكان أخوها الرشيد يعظمها ويبالغ في إكرامها واحترامها، ويجلسها معه على سريره، وكانت تأبى ذلك وتوفيه حقه، وكانت علية تعدل بكثير من أفاضل الرجال في فضائل العقل، وحسن المقال.
قال مسرور الخادم: خرج الجلساء من عند الرشيد، فقال لي قد تشوقتُ أختي علية فامض فجئني بها، فجاءت فأومأ إليها أن تجلس على السرير معه، فأبت وحلفت ثم ثنت طرف نخٍّ كان بين يديه، وجلست على ظهره، فقال لها لم فعلت هذا...؟ فقالت يا أمير المؤمنين: إنها مجالس آنفا، فلم أحب أن أقعد مقعدهم.
وفي ترك الحرام والعوض قال إبراهيم بن إسماعيل الكاتب: قالت علية بنت المهدي ما حرم الله شيئاً إلا وقد جعل فيما حلل عوضا منه، فبأي شيء يحتج عاصيه، والمنتهك لحرماته.
وفي مكانة قرابة الرسول، عليه الصلاة والسلام، قال أبو أحمد بن الرشيد كانت عمتي علية تقول: ما استغرقني لهو قط إلا ذكرت سببي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقصرت عنه، وإن الله ليعلم أني ما كذبت قط، ولا وعدت وعدا فأخلفته.
وقالت للرشيد وقد طلب أختيها ولم يطلبها:
مالي نُسِيتُ وَقَدْ نُوِدي بِأَصْحابِي
. وَكُنْتُ وَالذِّكْرُ عنْدِي رِائحٌ غادِي
أَنا الذَّيِ لا أُطيِقُ الدَّهْرَ فُرْقَتَكُمْ
. فَرِقَّ لِي بأَبيِ مِنْ طُوِل إبعادِي
ومن شعرها في الرشيد:
هارُونُ يا سُؤْلِي وُقِيتَ الرَّدَى
. قَلْبِي بِعَتْبٍ مِنْكَ مَشْغُولُ
ما زِلْتُ مُذْ خَلَّفْتَنِي فِي عَمًى
. كَأَنَّني في النَّاِس مَخْبولُ
وزار الرشيد علية مرة فقال لها: بالله يا أختي غنّي، فقالت: والله لأعملن فيك شعراً، فقالت من وقتها:
تَفْدِيكُ أُخْتُكَ قَدْ حَييتُ بِنِعْمَةٍ
. لسَنْا نَعُدُّ لهَا الزَّمانُ عَديلاَ
إلاَّ الخُلوُدَ وَذاك قُرْبُكَ سَيِّدِي
. لاَزالَ قُرْبُكَ وَالبَقاءُ طَوِيلاَ
وَحَمِدْتُ رَبيِّ فِي إجابَةِ دَعْوَتي
. وَرَأَيْتُ حَمْدِي عنْدَ ذاكَ قَلِيلاَ
ولما خرج الرشيد إلى الري أخذ أخته علية معه، فلما صارت بالمرج عملت شعراً:
وَمُغْتِربٍ بِالْمَرْجِ يَبْكِي لِشَجْوِهِ
. وَقَدْ غابَ عَنْهُ الْمْسعِدونَ عَلىَ الُحبِّ
إذا ما أَتاهُ الرَّكْبُ مِنْ نَحْوِ أَرضِهِ
. تَنَشَّقَ يَسْتَشْفِي بِراِئَحةِ الرَّكبِ
فلما سمع الصوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها به، فأمر بردها.
وكنا كندماني جذيمة حقبة
. من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً
. لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ثم تصدق عنها بمال عظيم ولم يغيّر على جواريها وحواشيها شيئاً مما كان لهم.
قال مسرور الخادم: خرج الجلساء من عند الرشيد، فقال لي قد تشوقتُ أختي علية فامض فجئني بها، فجاءت فأومأ إليها أن تجلس على السرير معه، فأبت وحلفت ثم ثنت طرف نخٍّ كان بين يديه، وجلست على ظهره، فقال لها لم فعلت هذا...؟ فقالت يا أمير المؤمنين: إنها مجالس آنفا، فلم أحب أن أقعد مقعدهم.
وفي ترك الحرام والعوض قال إبراهيم بن إسماعيل الكاتب: قالت علية بنت المهدي ما حرم الله شيئاً إلا وقد جعل فيما حلل عوضا منه، فبأي شيء يحتج عاصيه، والمنتهك لحرماته.
وفي مكانة قرابة الرسول، عليه الصلاة والسلام، قال أبو أحمد بن الرشيد كانت عمتي علية تقول: ما استغرقني لهو قط إلا ذكرت سببي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقصرت عنه، وإن الله ليعلم أني ما كذبت قط، ولا وعدت وعدا فأخلفته.
وقالت للرشيد وقد طلب أختيها ولم يطلبها:
مالي نُسِيتُ وَقَدْ نُوِدي بِأَصْحابِي
. وَكُنْتُ وَالذِّكْرُ عنْدِي رِائحٌ غادِي
أَنا الذَّيِ لا أُطيِقُ الدَّهْرَ فُرْقَتَكُمْ
. فَرِقَّ لِي بأَبيِ مِنْ طُوِل إبعادِي
ومن شعرها في الرشيد:
هارُونُ يا سُؤْلِي وُقِيتَ الرَّدَى
. قَلْبِي بِعَتْبٍ مِنْكَ مَشْغُولُ
ما زِلْتُ مُذْ خَلَّفْتَنِي فِي عَمًى
. كَأَنَّني في النَّاِس مَخْبولُ
وزار الرشيد علية مرة فقال لها: بالله يا أختي غنّي، فقالت: والله لأعملن فيك شعراً، فقالت من وقتها:
تَفْدِيكُ أُخْتُكَ قَدْ حَييتُ بِنِعْمَةٍ
. لسَنْا نَعُدُّ لهَا الزَّمانُ عَديلاَ
إلاَّ الخُلوُدَ وَذاك قُرْبُكَ سَيِّدِي
. لاَزالَ قُرْبُكَ وَالبَقاءُ طَوِيلاَ
وَحَمِدْتُ رَبيِّ فِي إجابَةِ دَعْوَتي
. وَرَأَيْتُ حَمْدِي عنْدَ ذاكَ قَلِيلاَ
ولما خرج الرشيد إلى الري أخذ أخته علية معه، فلما صارت بالمرج عملت شعراً:
وَمُغْتِربٍ بِالْمَرْجِ يَبْكِي لِشَجْوِهِ
. وَقَدْ غابَ عَنْهُ الْمْسعِدونَ عَلىَ الُحبِّ
إذا ما أَتاهُ الرَّكْبُ مِنْ نَحْوِ أَرضِهِ
. تَنَشَّقَ يَسْتَشْفِي بِراِئَحةِ الرَّكبِ
فلما سمع الصوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها به، فأمر بردها.