من نوادر كتب الحكم والأمثال كتاب الإعجاز والإيجاز، وهو من ألطف كتب الأدب وأجملها، ويحوي على مختارات قليلة، تصل في بعضها إلى البيت والبيتين لشعراء فحول، ولشعراء لم يسمع بهم الكثيرون في زماننا هذا، ولكن لهم أبيات هي من غرر وقلائد الشعر العربي، وأبو منصور الثعالبي مؤلف الكتاب، والمتوفي سنة 429 هجرية، من أئمة اللغة والأدب من أهل نيسابور، كان فرّاء يخيط جلود الثعالب، اشتغل بالأدب والتاريخ فنبغ، وصنف الكتب الكثيرة في الأدب والتاريخ واللغة والسياسة.
ولعلي في هذه الأسطر أشارككم شيئا مما اخترته من هذا الكتاب، ففي معرض حديثه عن أمير الشعراء امرئ القيس ذكر أن أمير شعره قوله:
والله أنجح ما طلبت به
والبر خير حقيبة الرحل
فإن فيه الاستنجاح بالله، ومدح البر والحث عليه، ومن جوامع كلمه قوله:
فقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
وذكر أن هذيل أشعر قبائل العرب، وأن أبا ذؤيب أشعر هذيل، وأمير شعره وغرة كلامه قصيدته في الرثاء التي أولها:
أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
وأعمر بيوتها قوله:
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا تُرد إلى قليل تقنع
وكان يقول الأصمعي: هو أبرع بيت للعرب.
وأحسن ما في القصيدة قوله:
وتجلدي للشامتين أريهم
إني لريب الدهر لا أتضعضع
فإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
ومن أبلغ ما قيل في الرثاء قول عبادة بن الطيب في قيس بن عاصم المنقري:
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
وقيس سيد العرب وأحلمهم وله في ذلك حكايات.
قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم...؟ قال: من قيس بن عاصم، رأيته يوماً قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه، وهو يحدث قومه، فإذا هو قد أُتي برجل مكتوف، ورجل مقتول. فقيل له: هذا ابن أخيك قد قتل ولدك. قال: فوالله ما قطع كلامه، ولا حل حبوته، ثم التفت إلى ابن أخيه، وقال له: يا ابن أخي، أثمت عند ربك، ورميت نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمك. ثم قال لولده الآخر: قم فادفن أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وادفع إلى أمه مائة ناقة دية ولدها، فإنها غريبة منا.
وروي عنه أنه جلس يوماً في داره على المائدة وله ولد صغير، وجاءت الجارية بسفود عليه شواء حار فسقط من يدها على ابنه، فلم يخطئ قلبه، فمات. فدهشت الجارية، وامتقع لونها. فقال: لا بأس عليك، وهذا تقدير الله، أنت حرة لوجه الله تعالى.
ومن جوامع كلم القطامي ووسائط قلائده قوله من قصيدة:
والناس من يلق خيراً قائلون له
ما يشتهي ولام المخطئ الهبل
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون من المستعجل الزلل
وربما فات قوماً جل أمرهم
من التأني وكان الحزم لو عجلوا
والعيش لا عيش إلا ما تقر به
عين ولا حال إلا سوف ينتقل
ومن أمثال الكميت بن زيد السائرة في أبيات قصيدته قوله:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب
فلا رأي للمضطر إلا ركوبها
ومما يجري مجرى المثل من غرر شعر العباس بن الأحنف قوله:
نزوركم لا نكافيكم بجفوتكم
إن المحب إذا لم يستزر زارا
يقرّب الشوق داراً وهي نازحة
من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وأمير شعر صالح بن عبد القدوس الذي لم يُقل مثله:
وما زرتكم عمداً ولكن ذا الهوى
إلى حيث يهوى القلب تهوي به الرجل
وأحسن بيت لدعبل بن علي، وبه سار ذكره وعلا أمره قوله من قصيدة:
لا تعجبي يا سلم من رجل
ضحك المشيب برأسه فبكى
ومنها:
لا تأخذا بظلامتي أحدا
طرفي وقلبي في دمي اشتركا
ومن غرر شعره قوله:
سأقضي ببيت يحمد الناس أمره
ويكثر من أهل الرواية حامله
يموت رديء الشعر من قبل أهله
وجيده يبقى وإن مات قائله
أما أبو تمام حبيب بن أوس فكان الصاحب بن عباد يقول أمدح شعر له قوله:
دنوت تواضعاً وعلوت مجداً
فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامى
ويدنو الضوء منها والشعاع
ومن ملح أبي الحسين أحمد بن فارس قوله:
إذا كنت في حاجة مرسلا
وأنت بها كلف مغرم
فأرسل حكيماً ولا توصه
وذاك الحكيم هو الدرهم
وقوله:
اسمع مقالة ناصح
جمع النصيحة والمقه
إياك واحذر أن تكون
من الثقات على ثقه
ومن أحاسن غرر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدون (الحمداني)
قوله:
لم أؤاخذك بالجفاء لأني
واثق منك بالوفاء الصحيح
فجميل العدو غير جميل
وقبيح الصديق غير قبيح
وقوله:
أساء فزادته الإساءة حظوة
حبيب على ما كان منه حبيب
يعد عليّ الواشيان ذنوبه
ومن أين للوجه المليح ذنوب
ومن غرر حكمه قوله:
المرء نصب مصائب ما تنقضي
حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في أهله
ومعجّل يلقى الردى في نفسه
وقوله:
إذا كان غير الله للمرء عدة
أتته الرزايا من وجوه المكاسب
اللهم كن لنا هاديا ونصيرا، والحمد لله رب العالمين
ولعلي في هذه الأسطر أشارككم شيئا مما اخترته من هذا الكتاب، ففي معرض حديثه عن أمير الشعراء امرئ القيس ذكر أن أمير شعره قوله:
والله أنجح ما طلبت به
والبر خير حقيبة الرحل
فإن فيه الاستنجاح بالله، ومدح البر والحث عليه، ومن جوامع كلمه قوله:
فقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
وذكر أن هذيل أشعر قبائل العرب، وأن أبا ذؤيب أشعر هذيل، وأمير شعره وغرة كلامه قصيدته في الرثاء التي أولها:
أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
وأعمر بيوتها قوله:
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا تُرد إلى قليل تقنع
وكان يقول الأصمعي: هو أبرع بيت للعرب.
وأحسن ما في القصيدة قوله:
وتجلدي للشامتين أريهم
إني لريب الدهر لا أتضعضع
فإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
ومن أبلغ ما قيل في الرثاء قول عبادة بن الطيب في قيس بن عاصم المنقري:
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
وقيس سيد العرب وأحلمهم وله في ذلك حكايات.
قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم...؟ قال: من قيس بن عاصم، رأيته يوماً قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه، وهو يحدث قومه، فإذا هو قد أُتي برجل مكتوف، ورجل مقتول. فقيل له: هذا ابن أخيك قد قتل ولدك. قال: فوالله ما قطع كلامه، ولا حل حبوته، ثم التفت إلى ابن أخيه، وقال له: يا ابن أخي، أثمت عند ربك، ورميت نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمك. ثم قال لولده الآخر: قم فادفن أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وادفع إلى أمه مائة ناقة دية ولدها، فإنها غريبة منا.
وروي عنه أنه جلس يوماً في داره على المائدة وله ولد صغير، وجاءت الجارية بسفود عليه شواء حار فسقط من يدها على ابنه، فلم يخطئ قلبه، فمات. فدهشت الجارية، وامتقع لونها. فقال: لا بأس عليك، وهذا تقدير الله، أنت حرة لوجه الله تعالى.
ومن جوامع كلم القطامي ووسائط قلائده قوله من قصيدة:
والناس من يلق خيراً قائلون له
ما يشتهي ولام المخطئ الهبل
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون من المستعجل الزلل
وربما فات قوماً جل أمرهم
من التأني وكان الحزم لو عجلوا
والعيش لا عيش إلا ما تقر به
عين ولا حال إلا سوف ينتقل
ومن أمثال الكميت بن زيد السائرة في أبيات قصيدته قوله:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب
فلا رأي للمضطر إلا ركوبها
ومما يجري مجرى المثل من غرر شعر العباس بن الأحنف قوله:
نزوركم لا نكافيكم بجفوتكم
إن المحب إذا لم يستزر زارا
يقرّب الشوق داراً وهي نازحة
من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وأمير شعر صالح بن عبد القدوس الذي لم يُقل مثله:
وما زرتكم عمداً ولكن ذا الهوى
إلى حيث يهوى القلب تهوي به الرجل
وأحسن بيت لدعبل بن علي، وبه سار ذكره وعلا أمره قوله من قصيدة:
لا تعجبي يا سلم من رجل
ضحك المشيب برأسه فبكى
ومنها:
لا تأخذا بظلامتي أحدا
طرفي وقلبي في دمي اشتركا
ومن غرر شعره قوله:
سأقضي ببيت يحمد الناس أمره
ويكثر من أهل الرواية حامله
يموت رديء الشعر من قبل أهله
وجيده يبقى وإن مات قائله
أما أبو تمام حبيب بن أوس فكان الصاحب بن عباد يقول أمدح شعر له قوله:
دنوت تواضعاً وعلوت مجداً
فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامى
ويدنو الضوء منها والشعاع
ومن ملح أبي الحسين أحمد بن فارس قوله:
إذا كنت في حاجة مرسلا
وأنت بها كلف مغرم
فأرسل حكيماً ولا توصه
وذاك الحكيم هو الدرهم
وقوله:
اسمع مقالة ناصح
جمع النصيحة والمقه
إياك واحذر أن تكون
من الثقات على ثقه
ومن أحاسن غرر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدون (الحمداني)
قوله:
لم أؤاخذك بالجفاء لأني
واثق منك بالوفاء الصحيح
فجميل العدو غير جميل
وقبيح الصديق غير قبيح
وقوله:
أساء فزادته الإساءة حظوة
حبيب على ما كان منه حبيب
يعد عليّ الواشيان ذنوبه
ومن أين للوجه المليح ذنوب
ومن غرر حكمه قوله:
المرء نصب مصائب ما تنقضي
حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في أهله
ومعجّل يلقى الردى في نفسه
وقوله:
إذا كان غير الله للمرء عدة
أتته الرزايا من وجوه المكاسب
اللهم كن لنا هاديا ونصيرا، والحمد لله رب العالمين