لكل حدث أسبابه ، ولكل حرث ترابه ، وليس من اللائق أن ننسب للأمر ما ليس فيه ، ونملأ السطر ونمحيه ، ونرفع الشيء ونرديه ، فنسيئه ونحن نطريه ، ونُشوّه صورته بقلمٍ لا نَبْريه ، ونتهمه بأمور ولا نعود لنُبريه ، فنصدر الحكم ونُجْريه ، ونوقع الظلم ونُسريه ، وكأننا لا ندري ونحن بالحقيقة ندريه .
ولكل شخص أحبابه ، إن غاب يحضر سرابه ، وإن حضر ننسى غيابه ، ونأنس لاقترابه ، وإن رغب تُؤتى رغابه ، وإن طلب وجبت طِلابه ، وإن مشى نعشق ترابه ، وإن رحل نملأ ركابه ، ونتمنى لو استطعنا لكنا في دربه أول ِصحابه ، وفي رحلته نكون دوما في جنابه ، بابنا مفتوح له ولا يُغلق دوننا بابه ، يسعدنا الظرف الذي جابه ، ويسيؤنا كما يسيؤه مصابه ، ونتألم من الجرح الذي أصابه ، ونتكلم بلسانه إن أسكتته الصبابة ، ونشفع له إن حان وقت حسابه ، ونصلح عيوبه إن طال منها خرابه ، ونبطش بيده إن أقعدته الإصابة ، فنكون له عوناً إن مُنِع عن دعاه الإجابة ، ومطرا إن قُشِع من سماه سحابه ، فنحن أمانه إن استحالت الحياة كغابة ، وقطّب الجميع وجوههم أمامه ، وأظهر الكل نابه ، فنحن راحته ممن بغى إتعابه ، كمن يطلب الراحة في محرابه ، لناره نحن وقوده وثقابه ، ولدفئه ما كان من جلبابه ، إن ظمئ فنحن القطر يملأ جرابه ، وإن جاع فنحن الزاد قبل شرابه ، وإن فزع جئنا له بكتابه ، نتلو عليه ما يلقَ فيه جوابه ،فنكون بقربه كالتصاق ثيابه ... .
وبالرغم من كل تلك المكانة ، وما أصبح بيننا من ميانة ، ننصح له بأمانة ، ويتضح ما كان بإمكاننا أو إمكانه ، ولا نسمح بأي أنواع الخيانة ، ونجعل لكل شخص في القلب خانة ، فهو يصونها كما القلب صانه ، ولا يلحقه بها مذلة أو إهانة ...
فبالرغم من كل ذلك ، نحن نحبهم فعلا ولكننا لا نرضى بأن نموت بهم ، وهم بالنسبة لنا الحياة ، ونراهم أملا ، ولا يحلو الأمل إلا إن بهم عشناه ... .
ولا نقبل بأن نميتهم بنا ، فنجمع بجهلنا موتا بحياة ، ونرفع صوتنا بأمر نأباه ، فنحن نحبهم ونحيا بهم ، ولانموت ، إلا إن كان للموت معنى آخر ونحن جهلناه ... .
فأي تعبير ذاك الذي شاع ورَدّدْناه ، ولم نختر عنه السكوت ... .
فإن كان هناك تفسير وإقناع رَدَدْناه ، ولن نخسر شيئا ، أو أمرا يفوت ... .
وبعد كل ذلك ، هل سنظل نحبهم ونموت بهم ؟؟؟
افعلوا إن أردتم ، أما أنا ، فمن اليوم سأعلن عن حبكم هذا اعتزالي ، وسأغادر موتكم به ولن أبالي ، ولن أموت بمن أحببت ، وقد كان لقلبي الحياة ، وإن كنت ميتة فقد أعاد بحبه الحياة في سربالي ، وجمع بقربه بعد قطعها أوصالي ، فكيف أكافئه بأن أعلن موتي به ، فليست تلك خصالي ، فقد بعث الحياة بقلبي بعد أن ربط وصاله بوصالي ، واليوم سأرددها بعقلي عبر صوتي العالي ، ليسمع بها أحبتي وتعبر لهم من خلالي ، أنا أحبكم وأحيا بكم ، ولن يرد عند ذكركم أي موتٍ ببالي ... .
وإن كنت سأموت ، وحتما سأفعل ، سيكون ذلك عند قطعكم لحبالي ، ولا أعد أراكم قبالي ، فأنتم بذلك قد أثرتم خبالي ، فليحضر الموت حينها فقد غدا حلالكم وحلالي ، فطالما أن الحياة صارت بدونكم فمن ذا بموته سيبالي ... .