عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).
فمع الأذى الذي ناله منهم إلا أنه استمر في زيارتهم ورفق بهم وتحمل جهدا نفسيا كبيرا من أجل تحقيق صلة الرحم إذعانا لأمر الله عز وجل، فنال من الله تبارك وتعالى التأييد، والبعض منا عندما يزور أقرباءه فيتأخرون في فتح الباب أو يتباطؤون في تقديم أمور الضيافة أو ينشغلون في محادثة هاتفية أو زارهم مرتين ولم يردوا الزيارة أو بارك لهم في مناسبتين ولم يتصلوا به حين مرض، أو عندما رزق بمولود، أو دعاهم إلى وليمة فلم يحضروا، وهذه أمور بسيطة لا تذكر في جنب ما ذكر في الحديث، فإنه يعتبر ذلك إهانات كبيرة تستوجب المقاطعة والغضب.قال الشاعر:
خذ الأمور برفق واتئد أبدا
إياك من عجل يدعو إلى وصب
الرفق أحسن ما تؤتى الأمور به
يصيب ذو الرفق أو ينجو من العطب
وصلة الرحم أجرها عظيم، والذي يصل رحمه لا يعامل أرحامه بالمثل، وهنا التفاضل، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها).
وأهل المعاصي يستعجل البعض عليهم بالدعاء أن يعاقبهم الله ويخزيهم بالدنيا والآخرة ويريح منهم العباد والبلاد، بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى أكثر من ذلك ولكن التعامل مع تلك الحالات لها عنده صلى الله عليه وسلم منحى خاص ونهج راق فيه الحرص والشعور بالمسؤولية.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
فإذا كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه الكفار فكيف سيكون حاله إذن مع أصحابه الأبرار وقد قال الله تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}، عن عائشة أنها قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها. ولكن يعفو ويصفح).
قال مكحول: المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الأنف، إن قدته انقاد، وإن أنخته على صخرة استناخ.
من كان يأمل أن يسود عشيرة
فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن مساوي من أسى
منهم ويحلم عند جهل الصاحب
فمع بغضنا للأفعال الخاطئة والسلوكيات السيئة للبعض ممن حولنا إلا أنهم يبقون إخوة لنا، وإصلاحهم إصلاح للمجتمع، ومساعدتهم على التخلص مما هم فيه علاج للأمراض كي لا تنتشر في المجتمع فتكثر فيه الأوبئة.
قال أبو عون الأنصاري: ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها.
وقال علي بن أبي طالب: من لانت كلمته وجبت محبته.
وقال النابغة:
الرفق يمن والأناة سعادة
فاستأن في رفق تلاق نجاحا
وإذا كنا نسعى إلى بناء مجتمع طاهر نظيف فلنسلك السبل التي توصلنا إلى ذلك، ولنتحرى الأساليب المناسبة جميعها، فلا يطغى جانب ترهيب على ترغيب، أو جانب عقوبة على عفو، مع إتاحة الفرص للمتعثرين بأن نحمل ضعفهم كي يستعيدوا نشاطهم، وترجع إليهم قوتهم وعافيتهم لتستقل طاقاتهم في البناء.