×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله البلوي

حتى لا يفقد الأبناء اللغة العربية أثناء الابتعاث
عبدالله البلوي

واحدة من أهم التغيرات التي تحصل في حياة أطفال المبتعث هي البيئة اللغوية. قبل الابتعاث يعيش أغلب الأطفال في بيئة خصبة محاطة باللغة العربية. يسمعونها ويتحدثونها في المنزل وبيت الأقارب والمدرسة. لا خوف على العربية في مثل هذه البيئة الخصبة. لكن ما إن يبتعث أحد الأبوين أو كلاهما إلى بلد غير ناطق بالعربية، تتغير البيئة اللغوية حول الأطفال ، وتتحول من بيئة خصبة لتعلم العربية إلى بيئة جافة تهدد نموها وتطورها. لا ينتبه البعض لهذا التغير إلا متأخرا حيث صدم العديد من المبتعثين السابقين بضعف عربية أبنائهم عند الانتهاء من الابتعاث. نتج عن ذلك مواجهة بعض أبناء المبتعثين صعوبة في التواصل مع الأقارب والأصدقاء يؤدي أحيانا إلى التنمر اللغوي والسخرية لعدم قدرتهم على استخدام اللغة العربية بطلاقة. يصل أثر هذا الأمر أحيانا إلى عزوف بعض الأبناء عن الاختلاط مع محيطهم والشعور بالعزلة الاجتماعية.
قد يرى البعض أن الابتعاث فرصة لتعلم الطفل الإنجليزية وأن العربية يمكن تعلمها لاحقا. يخفى على مثل هؤلاء الأشخاص أن القدرة على تعلم اللغات بإتقان تام تقل جذريا بعد البلوغ. يسميها المتخصصين في مجال اكتساب اللغات "الفترة الحرجة" critical period لتعلم اللغات. أي أن تأخير تعلم اللغة العربية إلى ما بعد سن البلوغ سينتج عنه في الغالب عربية ضعيفة مقارنة بالمتحدثين الأصليين.
عندما أتحدث عن العربية هنا فإني أقصد لهجتك المحكية التي تستخدمها في المنزل مع عائلتك وليست الفصحى . الفصحى مهمة ، ولكن الأولوية هي للهجة كونها الأداة اللغوية التي يحتاجها الفرد لتأدية احتياجاته اليومية (مثل التسوق وحضور المناسبات الاجتماعية.
قد يتساءل البعض، هل بالإمكان المحافظة على العربية وتعلم اللغة الإنجليزية بنفس الوقت؟ الإجابة هي نعم. حوالي نصف سكان العالم هم ثنائيو اللغة bilinguals
الحل أبسط مما قد تتوقع. المطلوب منك فقط أن تتحدث معهم بالعربية قدر الإمكان. توصي مؤلفتي كتاب The Bilingual Edge -والذي يشرح كيفية تربية أبناء يتحدثون أكثر من لغة- أن لا يقل استخدام اللغة المراد المحافظة عليها (العربية هنا) عن ٨٠٪ في المنزل. بمعنى أن يشجع الأبناء على استخدام العربية في المنزل وتكون هي لغة التواصل بين الآباء والأبناء (وبين الأبناء إذا كان ذلك ممكنا). يصبح المنزل في هذا السياق مثل الدفيئة أو المحمية الزراعية التي توفر بيئة دافئة لنمو النباتات وتحميها من الطقس الخارجي القاسي. في نفس الوقت، اللغة الإنجليزية تتطور وتتحسن من خلال الوقت الذي يقضيه الابن في الحضانة أو في المدرسة.
واقعيا، تطبيق هذا الأمر لن يكون سهلا تماما. فبعض الأبناء الذين تتفوق إنجليزيتهم على عربيتهم يرتاحون أكثر لاستخدام الإنجليزية. لذلك توقع ممانعة وربما عدم تجاوب منهم في البداية. قد يفيد الادعاء بأنك لا تفهم الإنجليزية مع الأطفال الصغار لكنك ستحتاج للصبر مع الأكبر سنا. المهم أن يستشعر الأطفال أن هنالك حاجة لتعلم العربية، أما إذا وجدوا أن الإنجليزية كافية للتواصل معك كأب أو أم فغالبا لن يبذلوا الجهد الكافي لتعلمها.
يعتقد بعض الآباء أن الأطفال بإمكانهم اكتساب اللغات من مشاهدة التلفاز فقط. هذا غير صحيح إطلاقا. الأطفال يحتاجون أكثر من مجرد ضوضاء لغوية، الأطفال يحتاجون إلى التواصل البشري interaction لاكتساب اللغات. مثلا، اجلس معهم واسألهم عن تفاصيل يومهم أو أقرأ لهم قصصاً بالعربية أو اتصل على أقربائهم في بلدهم ودعهم يتحدثون معهم. كل ذلك يساهم في تعلمهم للعربية.
قد تكون اللغة العربية أعظم ما تورثه لأبنائك كونها الجسر الذي يربطهم بتاريخهم والدرع الذي يساهم في المحافظة على هويتهم العربية والإسلامية والشفرة التي تسهل انخراطهم في مجتمعهم ومفتاح للفرص في مستقبلهم. مرة أخرى، المطلوب منك فقط أن تتحدث معهم بالعربية قدر الإمكان.
بواسطة : عبدالله البلوي
 0  0