القدرة على الصمت وإن كانت في ظاهرها من أسهل الأفعال ، وأهونها ، وأوسع باب للهروب ، وأقربها ، وأوضح دليل على الضعف ، وآكدها ، إلا أنها في الحقيقة من أجمل النعم وأقدرها ، ولا يدرك للصمت قيمته إلا من ذاق طعمه ، وجنى ثمره ، وتنعم بطيبه ، وتناغم المتألم فيه مع طبيبه ، وتعرف المحب فيه على حقيقة حبيبه .
هو صمت لا نحتاج فيه للكلمات ، فلغة العيون تكفي ، ولا تسعفنا به الحروف ، فصفة التأمل فيه توفي ، هو غياب للعقل وللقلب حضور ، وعتاب في الفعل ، وفي الحرب جسور ، يفعل ما تعجز عنه الكلمات ، وينقل في الدقيقة ما يحتاج فيه الحديث لساعات ، ويفعل في الحقيقة ما لا تفعله الحركات والسكنات ، ولا الأقاويل والشروحات .
فهو أعلى صوت للرسالة وهو صامت ، وأقوى دليل على الفصاحة إن الحروف تداعت ، يصبح سيد الموقف عندما تكثر الأحاديث ، ونسمع الأصوات تعالت ، يتحدث صمتنا بلباقة فيسكت الجميع بكل أناقة ، ولغته لا تحتاج لترجمة ، كما أنها ليست عبارات براقة ، وكأنه ذبذبات تنتشر في المكان فتصل بين القلوب بكل حكمة ، وتقنع العقول دون النطق بكلمة ، فيفهمه من يشعر به ، ويسمعه من فهم عليه ، ويدركه من استمع إليه ، فإن جفت كلماته ، ونفذت عباراته ، ويبست حروفه ، إلا أنه ينهي الموقف بقوته ، ويحق الحق بقدرته ، ويقول الصدق برقته ، ويسكت الجميع بحكمته .
فهو الراحة التي نعجز عنها ، والمساحة التي تضيق عنا بالرغم من اتساعها ، فلا يملؤها إلا من أتقنها ، ولا يتقنها إلا من اتسع قلبه لها ، وانصاع عقله لتطبيقها ...
لغة الحكماء ، وعتاب الأحباب ، ونقاش العظماء ، وجواب الأصحاب ، وهو رسول القلوب إن العقل غاب ، ومفتاح العقول إن القلب استصاب ، ولا نحتاجه إلا عندما تزدحم عقولنا بالأفكار ، وتمتلء قلوبنا بالأسرار ، وتوشك على الانفجار ، وحتى لا نصل لدرجة الانهيار ، ننطق صمتا ، ونصدق نطقا ، وما تزال تنهال علينا همهمة وهمسا ، ولومٌ قاتل كالسم أمسى ، ومن شدة وقعه لا نكاد له ننسى ، فالعقل فهم عليه ، والفكر مال إليه ، والقلب يشعر به ، والحب معتاد عليه ، فهو المخول بالحديث إن خانتنا الحروف ، وبيده كامل التصريف حسب ما تقتضيه الظروف .
نقوى به مع الغريب ، فنحرجه وندحره ، فيحتار في أمرنا ، ولقوتنا به لا يجد ممسكا علينا ، فيستشاط غضبا ، ويزداد حمقا وحنقا ، ونرقى به مع الحبيب ، فنريحه حتى لا نخسره ، فَيَرِق قلبه علينا ، إذ نتقي بصمتنا إغضابهم ، ونرتقي معهم عند خصامهم ، حتى نلتقي بهم على ضفاف الأعين ، والتي نابت في الحديث عن الألسن .
فليس للصمت حروف جارحة ، ولكنه يجرح بحدته ، وليس منه كلمات نابية ، ولكنه يأبى الإنهزام لحظوته ، فهو إن حضر يصبح سيد الموقف بلا منازع ، وإن طال حضوره واستمر ، قد يصبح قاتلا ، ويفعل في النفوس ما لا تفعله المصانع ، يقوم بنفسه دون حاجة للمصادر والمراجع ، فتخفق القلوب منه خوفا ، وتتدفق من العين المدامع ، فلا يراوغ ، ولا يصارع ولا يطاوع .
فهو الحديث الجامع ، وهو المعلم لكل سامع .
فاعتمدوه عند الغضب ، وبه اقضوا الأرب ، ومعه لن تلحوا بالطلب ، فالعفو معه يقترب ، وله التسامح ينجذب ، وبه والعداوة تنتحب ، فهو المهيمن إن طلب .
فما أجمل أن تكون حكيما في صمتك ، على أن تبدو أليما في نطقك ، وثقوا بأنكم ستجدون فيه الراحة ، إن تركتم له المساحة ، فبه في لغة العيون فصاحة ، وحديث القلوب مراحا ، وتقابل الفكر براحا ، وكل من طبَّقَه حقق في تواصله نجاحا ، ومن مرارات الندم نجا بفكره ثم استراحا ، بعيدا عن الوضاعة والدناءة والوقاحة .
هو صمت لا نحتاج فيه للكلمات ، فلغة العيون تكفي ، ولا تسعفنا به الحروف ، فصفة التأمل فيه توفي ، هو غياب للعقل وللقلب حضور ، وعتاب في الفعل ، وفي الحرب جسور ، يفعل ما تعجز عنه الكلمات ، وينقل في الدقيقة ما يحتاج فيه الحديث لساعات ، ويفعل في الحقيقة ما لا تفعله الحركات والسكنات ، ولا الأقاويل والشروحات .
فهو أعلى صوت للرسالة وهو صامت ، وأقوى دليل على الفصاحة إن الحروف تداعت ، يصبح سيد الموقف عندما تكثر الأحاديث ، ونسمع الأصوات تعالت ، يتحدث صمتنا بلباقة فيسكت الجميع بكل أناقة ، ولغته لا تحتاج لترجمة ، كما أنها ليست عبارات براقة ، وكأنه ذبذبات تنتشر في المكان فتصل بين القلوب بكل حكمة ، وتقنع العقول دون النطق بكلمة ، فيفهمه من يشعر به ، ويسمعه من فهم عليه ، ويدركه من استمع إليه ، فإن جفت كلماته ، ونفذت عباراته ، ويبست حروفه ، إلا أنه ينهي الموقف بقوته ، ويحق الحق بقدرته ، ويقول الصدق برقته ، ويسكت الجميع بحكمته .
فهو الراحة التي نعجز عنها ، والمساحة التي تضيق عنا بالرغم من اتساعها ، فلا يملؤها إلا من أتقنها ، ولا يتقنها إلا من اتسع قلبه لها ، وانصاع عقله لتطبيقها ...
لغة الحكماء ، وعتاب الأحباب ، ونقاش العظماء ، وجواب الأصحاب ، وهو رسول القلوب إن العقل غاب ، ومفتاح العقول إن القلب استصاب ، ولا نحتاجه إلا عندما تزدحم عقولنا بالأفكار ، وتمتلء قلوبنا بالأسرار ، وتوشك على الانفجار ، وحتى لا نصل لدرجة الانهيار ، ننطق صمتا ، ونصدق نطقا ، وما تزال تنهال علينا همهمة وهمسا ، ولومٌ قاتل كالسم أمسى ، ومن شدة وقعه لا نكاد له ننسى ، فالعقل فهم عليه ، والفكر مال إليه ، والقلب يشعر به ، والحب معتاد عليه ، فهو المخول بالحديث إن خانتنا الحروف ، وبيده كامل التصريف حسب ما تقتضيه الظروف .
نقوى به مع الغريب ، فنحرجه وندحره ، فيحتار في أمرنا ، ولقوتنا به لا يجد ممسكا علينا ، فيستشاط غضبا ، ويزداد حمقا وحنقا ، ونرقى به مع الحبيب ، فنريحه حتى لا نخسره ، فَيَرِق قلبه علينا ، إذ نتقي بصمتنا إغضابهم ، ونرتقي معهم عند خصامهم ، حتى نلتقي بهم على ضفاف الأعين ، والتي نابت في الحديث عن الألسن .
فليس للصمت حروف جارحة ، ولكنه يجرح بحدته ، وليس منه كلمات نابية ، ولكنه يأبى الإنهزام لحظوته ، فهو إن حضر يصبح سيد الموقف بلا منازع ، وإن طال حضوره واستمر ، قد يصبح قاتلا ، ويفعل في النفوس ما لا تفعله المصانع ، يقوم بنفسه دون حاجة للمصادر والمراجع ، فتخفق القلوب منه خوفا ، وتتدفق من العين المدامع ، فلا يراوغ ، ولا يصارع ولا يطاوع .
فهو الحديث الجامع ، وهو المعلم لكل سامع .
فاعتمدوه عند الغضب ، وبه اقضوا الأرب ، ومعه لن تلحوا بالطلب ، فالعفو معه يقترب ، وله التسامح ينجذب ، وبه والعداوة تنتحب ، فهو المهيمن إن طلب .
فما أجمل أن تكون حكيما في صمتك ، على أن تبدو أليما في نطقك ، وثقوا بأنكم ستجدون فيه الراحة ، إن تركتم له المساحة ، فبه في لغة العيون فصاحة ، وحديث القلوب مراحا ، وتقابل الفكر براحا ، وكل من طبَّقَه حقق في تواصله نجاحا ، ومن مرارات الندم نجا بفكره ثم استراحا ، بعيدا عن الوضاعة والدناءة والوقاحة .