وقفت على شاطئ البحر أراقب أمواجه ، وأتأمل حركاته وسكناته ، وأستشعر قدرة الخالق في تنوع محتوياته ، واجتماع الراحة على شطآنه مع الخوف من حيتانه ، وتصارع الرغبة في ركوبه مع الخشية من ضروبه ، وبينما أنا واقفة ومتأملة سمعت صوت حشرجة تصرخ من الأعماق ، وتصل إلى الآفاق ، ففزعت منها ، ولما تكررت وتعاقبت واشتدت ، بدأت أتساءل عن مصدرها ، وأبحث في أسبابها ، وخصوصاً أنها ليست كأصوات الموج المعتادة ،أو كآثار الريح المنقادة ، فقد جاءني الصوت كأنين المتألم ، وحنين المشتاق ، وماهو إلا قليل حتى ثار هذا البحر كالبركان ، وأطلق من جوفه حمم من النيران ، وتطايرت بأشكال وأحجام حتى امتلأ المكان ، تهيأت للهرب منها ، وحاولت تجنبها أو الاحتماء منها ، ولكني وجدت نفسي أنجذب إليها وأقترب منها، وكأن هناك ما يشدني إليها أو يربطني بها. ودون إدراك مني ألقيت نفسي بِخِضَّمِ هذا البحر، وغصت راغبة في أعماقه ، فقد زالت رهبتي، وضاع خوفي، دخلته في البداية كفضول ، ولكني سكنته حسب الأصول .
فبحري ليس كبحاركم، وصيدي ليس كأسماككم ، وكنزي فيه ليس كأصدافكم .
فهو بحر اللغة ومحيطه العربية ، وصيدي به البلاغة والفصاحة ومجاله العالمية ، وكنوزي به مليئة بالجواهر والدرر الندية .
صوته الشاكي وأنينه الباكي كانا بسبب هجرها من أبنائها ، وثورة أمواجه نتجت عن إنكارها لوضعها وعدم العناية بها ، وغضبه وهيجانه كانت اعتراضا على حالها الذي آلت إليه وكأن الزمان ليس زمانها ، وانجذابي له كانت بسبب حبي لها ، وبقائي حوله كان لتعلقي بآثارها ، وغصت به وتعمقت بأغواره بحثاً عن جواهرها ، فأنا بها غنية ، وسأبقى بها قوية ، وإن لم يبق لي غيرها.
أنا ابنة العربية ،
فإن كانت ديناً فقد اعتنقته ، وإن كانت لساناً فقد نطقته ، وإن كانت علماً فقد أتقنته ، وإن كانت حلماً فقد حققته ، وإن كانت أملاً فقد نلته ، وإن كانت قصراً فقد سكنته ، وإن كانت بحراً فقد خضته ، وإن كانت سهلاً فقد جُبته ، وإن كانت جبلاً فقد تسلقته ، وإن كانت وادياً فقد هبطته ، وإن كانت سُلَّماً فقد ارتقيته ، وإن كانت روضاً فقد زرعته ، حتى وإن كانت قبراً فيسعدني أن دخلته .
فأنا لها ، وتعلقت حياتي بها ، فعلمي مناطاً بها ، وعملي مسخرا لها ، فهي بحري وأنا بحارها ، وهآنذا أَطْلقْتُ فيها شراعي ، وقَوَّيْتُ بها ذراعي ، وأَنْطَقْتُ بها يراعي ، وأبحرت بها لا أهاب جزراً ولا مدا ، وبمقالي هذا مددت لكم يدا ، فأبحروا معي بها ، ولا تخشوا مَوْجَها ، فبحرها لأبنائها سلاماً وبردا ، وجوفها لروادها دفئاً وبُرُدا ، ونور نهارها شمساً وضوء ليلها بدرا ، فلنجمع دُرَّها ، ونمحو ضُرَّها ، ونُحسِنُ بِرَّها ، لِنُظْهِر سحرها ، ونركب بحرها ، فنحن من ينبغي أن نعلي موجها ، لتعود بنا إلى أَوْجِها ..
فبحري ليس كبحاركم، وصيدي ليس كأسماككم ، وكنزي فيه ليس كأصدافكم .
فهو بحر اللغة ومحيطه العربية ، وصيدي به البلاغة والفصاحة ومجاله العالمية ، وكنوزي به مليئة بالجواهر والدرر الندية .
صوته الشاكي وأنينه الباكي كانا بسبب هجرها من أبنائها ، وثورة أمواجه نتجت عن إنكارها لوضعها وعدم العناية بها ، وغضبه وهيجانه كانت اعتراضا على حالها الذي آلت إليه وكأن الزمان ليس زمانها ، وانجذابي له كانت بسبب حبي لها ، وبقائي حوله كان لتعلقي بآثارها ، وغصت به وتعمقت بأغواره بحثاً عن جواهرها ، فأنا بها غنية ، وسأبقى بها قوية ، وإن لم يبق لي غيرها.
أنا ابنة العربية ،
فإن كانت ديناً فقد اعتنقته ، وإن كانت لساناً فقد نطقته ، وإن كانت علماً فقد أتقنته ، وإن كانت حلماً فقد حققته ، وإن كانت أملاً فقد نلته ، وإن كانت قصراً فقد سكنته ، وإن كانت بحراً فقد خضته ، وإن كانت سهلاً فقد جُبته ، وإن كانت جبلاً فقد تسلقته ، وإن كانت وادياً فقد هبطته ، وإن كانت سُلَّماً فقد ارتقيته ، وإن كانت روضاً فقد زرعته ، حتى وإن كانت قبراً فيسعدني أن دخلته .
فأنا لها ، وتعلقت حياتي بها ، فعلمي مناطاً بها ، وعملي مسخرا لها ، فهي بحري وأنا بحارها ، وهآنذا أَطْلقْتُ فيها شراعي ، وقَوَّيْتُ بها ذراعي ، وأَنْطَقْتُ بها يراعي ، وأبحرت بها لا أهاب جزراً ولا مدا ، وبمقالي هذا مددت لكم يدا ، فأبحروا معي بها ، ولا تخشوا مَوْجَها ، فبحرها لأبنائها سلاماً وبردا ، وجوفها لروادها دفئاً وبُرُدا ، ونور نهارها شمساً وضوء ليلها بدرا ، فلنجمع دُرَّها ، ونمحو ضُرَّها ، ونُحسِنُ بِرَّها ، لِنُظْهِر سحرها ، ونركب بحرها ، فنحن من ينبغي أن نعلي موجها ، لتعود بنا إلى أَوْجِها ..