ما أكثر الأهداف والامنيات والطموحات التي يتطلع إليها كل إنسان طوال حياته، وكم يكون فرحاً ومسروراً ولربما فخوراً وقتما يحققها كلها أو بعضاً منها، أما في حالة العكس لوجود عوائق أو عقبات تحول دون ذلك ، فإن هذا ما قد يؤدي بالفرد للإصابة بالتوتر والقلق والإحباط، والذي ربما يدفعه إلى: إما التريث والصبر والاحتساب امتثالًا لقوله تعالى ( وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ) وقوله أيضاً (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) أو أنه يلجأ لإستخدام طرق وأساليب غير شرعية أو نظامية أو قانونية أو ملتوية بغية تحقيقه لمثل هذه الأهداف أو النيل من بعضها على الأقل وذلك من خلال استخدام الحيل العقلية ( الميكانيزمات ) والتي هي في أبسط تعريف لها عبارة عن وسائل دفاعية لا شعورية يستخدمها غالباً مُعظم الناس إن لم يكن جميعهم من أجل خفض حالات القلق والتوتر الذي قد ينتابهم من ناتج أزمات نفسية تصيبهم أو الهروب من مواقف مُعينة لعدم مقدرتهم في مواجهتها أو الصمود أمامها أو لأجل اخفاء ما لديهم من عيوب ونقائص والتظاهر أمام الغير بخلاف ما بداخلهم كما في قوله تعالى ( يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ) أما أنواع هذه الحيل فكثيرة، ومتداخلة ولعل أبرزها ( الإسقاط والتقمص والانسحاب والإزاحة والتبرير والعدوان والأنكار والإبدال والكبت ) كأن يقوم شخص بتزوير أوراق ثبوتية للنيل من صدقات لدى جمعيات خيرية، أو تظاهر بمرض مُعين أمام طبيب لكي يمنحه إجازة مرضية لعدة أيام وهو ليس كذلك، أو أن يعمد مسؤول لنقل أحد موظفيه إلى مكان آخر دونما سبب جوهري يدعوه لاتخاذ هذا القرار واسقاط ذلك على النظام لأجل التخلص منه لمجرد كونه لم يلبي مطالبه الشخصية، أو يتظاهر شخص بالكرم أمام الناس لا سيما في المناسبات بينما هو في الأصل بخيل، أو يتهم رجل زوجته بالتقصير وينعتها بأسوأ *العبارات ليتخذ من طريقته هذه ذريعة للزواج من امرأة أخرى، أو يبرر طالب رسوبه في الأختبارات النهائية مُدعياً بأن مُعلمه ضعيف في مادة تدريسية وهو بخلاف هذا الوصف، يُشار في هذا الصدد إلى أن الحيل العقلية بقدر ما لها من إيجابيات في بعض المواقف كأن يتظاهر إنسان أمام عدو بالشجاعة وهو على غير ما عُهد فيه لكي ينجو بنفسه من شر هذا العدو، أو يتقمص شخصية معينة لهدف التوفيق بين متخاصمين فيما يُعرف بإصلاح ذات البين لأجل ديمومة المحبة فيما بينهما، أو إشعار مريض بأنه في صحة جيدة من أجل رفع الروح المعنوية للتسريع في شفائه، بقدر ما لهذه الحيل العقلية من سلبيات كثيرة متى أفرط الإنسان في استخدامها ومن ذلك أتخاذها كوسيلة للخور الفكري والتكاسل والتواكل والمماطلة والغش والتحايل والخيانة والكذب وغيرها من السلوكيات الأخرى التي حرمها الإسلام كتلك التي تؤدي إلى إبطال حق أو احقاق باطل أو تهرب شخص من دفع زكاة ماله بعد أن كمل نصابه وأوشك على تمام الحول من خلال سحب شيئاً منه أو تحويله لزوجته بصورة مؤقتة ومن ثم يقوم باستعادته بعد انقضاء يوم الدفع، وهكذا، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام: هل للتربية دور مُهم وأساسي في معالجة مثل هذه السلوكيات على المحك السلبي؟ الإجابة بالتأكيد نعم ، فالفرد إذا ما تربى داخل أسرة متسلطة وقاسية وصارمة ومحبطة ولا تتوفر فيها الحرية الكافية للتعبير عما بداخله من مشاعر فياضة، فإن هذا ما يقوده غالباً إلى استخدام مثل هذه الحيل أو السلوكيات الملتوية لأجل تحقيق بغيته، ومع الإستمرار يمكن أن يأول به إلى عدم استطاعته في مواجهة أي من متغيرات الحياة دونما خوف أو وجل أو تردد، ناهيكم عن فقدانه الثقة بنفسه وعدم مقدرته لرؤية عيوبه ونواقصه بصورة جلية ليتمكن بالتالي من تجاوزها أو التخلص منها أو علاجها، وفي المنهج الإسلامي ما يدعو ويوجه ويرشد إلى فضائل الأعمال والسلوكيات الحسنة لمواجهة مثل هذه المتغيرات الحياتية مهما بلغت، ومن ذلك قوله تعالى ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) وقوله أيضاً (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.