إذا كانت الجغرافيا خرساء صامتة فإن لسانها التاريخ وما أحوجنا إلى قراءة التاريخ من جديد بعيون مفتوحة فطينة ففي عام (١٩٨١) عندما كانت الحرب الإيرانية العراقية تعصف بالمنطقة تحفّز زعماء ست دول خليجية متجاورة وجرت تجربة مثيرة ضمن (إطار خليجي مصغّر) وإطار مكاني محدد يقرب فيما بين دوله عقيدة إسلامية، وأنظمته المحافظة، ومصالح مشتركة. وعقدت قمة (مجلس تعاون الخليج) التأسيسية في أبوظبي وانبثق من القمة (ميثاق المجلس) المتضمن بأن أعضاءه يشكلون عناصر الأمة العربية ومؤكدين على أن مجلس التعاون الخليجي يقوم على الإيمان بوحدة المصير، والأهداف، واندماج أعضاؤه اندماج (سياسي، اقتصادي، عسكري) ومع ميلاد هذا الكيان تجلت الرؤية الحكيمة لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول الخليج المؤسسين يرحمهم الله وإرادتهم الحاسمة في التعامل مع معطيات الواقع وتحولاته (السياسية والاقتصادية) بما يضمن الاستقرار والازدهار لبلدانهم. ومن الواضح أن تشكيل مجلس التعاون هو وليد قلق أمني فالخليج نقطة استراتيجية بالغة الأهمية، اتجهت اليها أنظار العالم أجمع، وتشابكت عندها المصالح وتواجهت فيها الاستراتيجيات.
ويحفظ التاريخ الخليجي للملكة دور قادتها في تأطير العلاقات (الخليجية-الخليجية) منذ مرحلة التأسيس تحت مظلة المجلس وترسيخ التعاضد والترابط بين دوله. ويجب تحليل مدلول الكلمات بعد أن تاه معناها، فأمن الخليج ضروره تعني تأمين كيانات أعضاؤه من الأخطار الداخلية والخارجية، وخلق الظروف المناسبة لتحقيق الأهداف والغايات الوطنية في المجالات (العسكرية، الاقتصادية والسياسية) التي تختلط فيها الجغرافيا بالأوضاع العسكرية، وقوة الدولة بالوضع الاجتماعي، والنظام السياسي بالاستراتيجية.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن نشؤ بعض الخلافات بين اعضاءه أحيانا أمرا طبيعي لا يرتقي إلى إلغاء ما يمثله مجلس التعاون من وحدة فريدة قد لا يكون لها مثيل عبر تاريخ المنطقة مما يجعل الحفاظ على تماسك أعضاء المجلس خيار استراتيجي. ونظراً لانعقاد أعمال الدورة (٤١) للمجلس في المملكة بتاريخ (٢٠٢٠/١/٥) فإن الشعوب الخليجية تأمل من القادة رأب الصدع، وترميم (المنظومة الخليجية) وتجاوز ما يعكر صفو الأخوه بينهم وتأطير مبدأ التشاور وإصدار قرارات شجاعة تسمح باختلاف الآراء والتحاور، وتبني الحفاظ على الأهداف الوطنية العليا وفق إستراتيجية تحقق التكامل المنشود بين الأعضاء. والقاده هم من يملكون الرؤى المستقبلية، والابوية، والرعوية التي لا تتوقف على إصدار الباينات بل تتجاوزها إلى تحديث المنظومة الخليجية على أساس متين من التعاون والتفاهم وترسيخ الواقع الخليجي، وتجنب مسببات العصف الذهني، وحوكمة الدروس المستفادة من مسيرة المجلس خلال أربعة عقود، والتحلي بالحكمة ويقين لا ريب فيه يعيد المجلس إلى ذاته ويتيح له معالجة قضاياه وفق واقعه الخاص بعيداً عن العقائد الخارجية التي تسعى لاضرام النار فيه. وتحليل مدلول الكلمات في ظل (صيحات أمن الخليج) التي تكررها الدول الغربية فهي تعني في الذهن الغربي مفهوماً مغايراً يهدف إلى إلغاء الإرادة الوطنية لدول المجلس، لا سيما والمنطقة محاصره بالعديد من المخاطر التي أشبه ما تكون بالبارود القابل للاشتعال.
إن انعقاد القمة (٤١) تذكي في نفوس أبناء الخليج قاطبة ما يجمعها من مصيىر مشترك وهم يبتهلون لله بأن يخرج القادة برؤية تحقق التكامل المنشود ووحدة الصف للحفاظ على الكيان الخليجي واحة استقرار، وأمن ورخاء اقتصادي وسلم إجتماعي.
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد/ عبدالله بن كريم العطيات