"العرب" والألفية الثالثة!
كانت الموازين الاستراتيجية في العالم ومن ضمنه الشرق الأوسط قد اتخذت وضعها بسب تكوين النظام العالمي الذي يحكم السياسة الدولية ويتحكم فيها، وكان الوضع الدولي محكوم بالصراع الأيديولوجي بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي، فتكونت جراء ذلك في منطقة الشرق الأوسط دول قوية يقل فيها الشعور بالتهديد الخارجي مثل (تركيا،ايران) ، وعند انتهاء الحرب البارة بتفكك الاتحاد السوفييتي عام(١٩٩١م) تصدرت أمريكا وجاءت بالعولمة الامريكية الغربية ، فتأكلت سيادة الدول، وتداخلت الحقوق، وبدأت أمريكا والغرب في البحث عن عدو لسد الفراغ الذي نتج عن انهيار الاتحاد السوفييتي ، والتاريخ يشير إلى أن الأديان ،والعقائد، والآساطير لعبت دورا مهما في ترسيخ كراهية الشعوب لبعضها البعض، وأن العدو الحقيقي أو الخيالي هو الذي يمكنها من الدفاع عن نفسها في الداخل والخارج فلا شعب متحفز بلا عدو،ولذلك لجأت الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط إلي اتباع سياسة ( الراية الخداعة) المتمثلة بالقيام بعمليات ارهابية ضد مصالحهاونسبها إلى الخصوم كمبرر لإعلان الحرب والتدخل العسكري ، وكانت ذروة نجاح أمريكا في تطبيق سياسة ( الراية الخداعة) هي تدمير برجي نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر(٢٠٠١) واتهام القاعدة بذلك ،وبدأ الاعلام يسوق لأكاذيبهم حتى أوجدوا أسطورة ( القاعدة ، وبن لادن) واجتاحت الغرب بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر (٢٠٠١) موجة مرضية مردها الخوف من المسلمين الذين صنعوهم لاختطاف الإسلام لصالح الارهاب ،وبدأوا ترسيخ النمطية السلبية عن الانسان العربي والمتمثلة في كونه إرهابي متخفي متعصب دينيا، وأصيبت الأمة العربية بجروح غائرة تنزف دما لاتنفصل عن بعضها، أهمها جروح الإرهاب، واحتلال العراق ، وجعل سوريا مطبخ لجيوش العالم، حيث تعتبر الحرب التي شنتها أمريكا وحلفائها لاحتلال العراق عام (٢٠٠٣م) من أبرز المعاصي السياسية في هذا العصر لأنها شنت على دولة ذات سيادة دون قرار من الشرعية الدولية ، وبنيت ذرائع كاذبة خاطئة ، وقامت أمريكا بتسييس القيم الديموقراطية والتعددية، وحقوق الانسان، وحولت هذه القيم إلى معايير للشرعية الدولية مما أفسح المجال أمام ظاهرة التدخل الدولي> وأصبحت أسلحة لفرض الهيمنة على الدول، ثم لجأت إلى مبدأ الإبادة البطيء في ( العراق ، سوريا ، وليبيا) عن طريق الإنهاك والتآكل الممنهج والخراب المتدرج بفتح المجالات لتدخل دول الجوار الإقليمية ( إيران،تركيا) وتحويل المواطنين إلى قطعات هائجة لإرغام دولهم على الرضوخ والاستعانة بالادارة الأمريكية التي تكتسي بشعارات مموهة صاخبة مثل ( حقوق الانسان ، والديموقراطية) وإدارة الازمات بدلا من حلها لتبقى الإبادة محليا وصراع عقائد ونظام حكم، حيث ميدان الصراع أرض العرب ، وضحايا الصراع شعوب العرب، وسبب الصراع حماقة العرب ، وتمويل الصراع أموال العرب ، والاعلام المطبل إعلام العرب ، ووقود الصراع خلافات العرب، والمستفيد من ذلك أعداء العرب ، هكذا يقف العرب مشدوهين في هذا العصر أمام تحديات في الداخل ومن الخارج ، والعيون مفتوحة عليهم قبل أن تكون عيونهم مفتوحة على أنفسهم ، والعالم يراهم أكثر مما يروح أنفسهم ، ولعدم معرفتهم أنفسهم وعدم قدرتهم على تشخيص أمراضهم ، لذلك أهملوا معالجتها حتى استفحلت يوما بعد يوم وأصبحت أوراما لا ينفع الطب العربي التقليدي لعلاجها ، وتحتاج إلى معالجين راسخين في العلم لإستئصال هذه الأورام.
ولنا أن نتسائل متى تظهر الجهود التي تعيد بناء الجسد العربي المتهالك ، لأن ذلك فرض عين، وواجب مقدس ، فالعروبة ليست ثوبا يخلع متى شئنا ، وليست راية تنكس متى هزمنا.
إن العروبة بصمات الزمان على جباه الأمة وختم الأقدار على عقولهم ودم يجري في العروق تتوارثه الاجيال كما تحمل رؤوسها، لقد كان العرب الأمة المختارة لحمل الرسالة الإسلامية الأولى ونشرها في الآفاق وحراستها والحدب عليها إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فلينفضوا عنهم الغبار ، ويستأنفوا المسيرة للعودة إلى مركزهم ورسالتهم وصفاتهم الأولى والله عز وجل يقول (ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
عضو مجلس المنطقة
اللواء المتقاعد/ عبدالله بن كريم بن عطية