نظرات في النقد الأدبي
النقد الأدبي هو بحث في خلفية الأديب أو الشاعر وبيئته المحيطة به والعوامل المؤثِّرة في مزاجه الفني وطريقة اعتمال النص مع شخصيته، وأخَذَ النقدُ فتراتٍ وعصوراً متطاولةً حتى نضج وأصبحت له مدارسُه النقدية، لقد بدأ النقد الأدبي من العصر الجاهلي ولكنه كان محصوراً في اتجاهين اثنين وهما الحكم على الشعر، والتنويه بمكانة الشاعر، أمّا عناصر النقد الأخرى مثل طريقة الشاعر أو مذهبه الأدبي أو صلة شعره بالحياة الاجتماعية كل ذلك لمّا يتكونْ بعدُ، فالحكم على الشعر من حيث التذوق الفطري للناقد بدون استخدام أدوات النقد وإخضاع النص للعناصر الفنية، وتشريحه، بل كان إحساس فطري وذوقي بجمال النص وبموسيقاه العالية أو المنخفضة، إلا أنها كانت تصادف عند الجاهليين مزاج صحراوي حاد يستكنه جيد القول من رديئه الذي لامحل له فيما أعلم، وليس بِدعاً أن تكون هذه الحالة في مجتمع كان للكلمة فيه وضعُها ولايتسنم المنابر أو النوادي إلا من كان أهلاً لها، ومن أمثلة النقد في العصر الجاهلي ما عِيب على النابغة من الإقواء في شعره وهي اختلاف حركة الروي بين الأبيات، على قول بعض علماء العَروض
وعلى قول بعض النحاة هو خطأ نحوي:
زعمَ البوارحُ أنّ رحلتنا غداً
وبذاك خبّرَنا الغرابُ الأسودِ
وأيضا المثال الآخر وهو ما عيب على المتلمّس من وصفه الجمل بوصف الناقة عندما قال له طرفة بن العبد استنوق الجمل
وَقَد أَتَناسى الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِه
بِناجٍ عَلَيهِ الصَيعَرِيَّةُ مُكدَمِ
والصيعرية وصفٌ للناقة كما هو معروف وليس للجمل.
ثم تطور النقد الأدبي في العصر الإسلامي، وأمسى له روادُه، وبسقتْ فروعُه، وكان شعراءُ هذا العصر محتفظين بجزالة المفردة الجاهلية، وبروحها
حتى استُشهِد أو تُمُثِل بشعرهم، بسبب المقاربة الروحية في الطرح والأسلوب وفي نفس هذه الحقبة نشأت مدرسة اللغويين والنحاة من أمثال أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب شيخ سيبويه، وأبو عبيدة معمر بن المثنى ، وكانت لهم أدواتُهم ومقاييسهم الفنية في الحكم على النصوص، وهؤلاء اللغويون والنحاة لهم مذهب في النقد، وطريقه.
فأبو عمرو بن العلاء وأبوعبيدة معمر يقدّمون الأخطل على صاحبيه، ربّما لأنه أشبه القدماء في جزالة المفردة والاحتفاظ بالنسق الجاهلي والمطوّلات الشعرية، ونعود للمعايير التي اعتمدها العلماء في النقد والتي كانت هي الدليل في الحكم على النص الشعري منها كثرة إنتاج الشاعر، وغزارة شعره، وجودة هذا الشعر الغزير من حيث عناصر الشعر، ومنها الخصائص التي تستجيدها الأذواق.
أما في القرن الثالث الهجري، فلقد تطور النقد فيه وأصبح فيه من الكثافة العناصرية والتداخل في العلوم الشيء الجالب للأنظار؛ ففي هذا العصر يقوم النقد على الثقافة والتبحر والفلسفة والمنطق لأن المعارف قد تشعبت وحركة الترجمة أدخلت تراث اليونان والفرس؛ فغدت هناك قوانين تخضع لمعايير جديدة آتية من معارف أجنبية ومن مشارب أخرى.
وليس من المفارقات أن الشعر يقوى في الشر والخصومات، ويضعف في الخير وكذلك النقد يستعر أواره ويثرى في الخصومات
النقد الأدبي كما يقول النقاد: لايمكن أن يكون علماً ولكن يستعان عليه بطرق العلم، لذلك الأدب روحي وليس مادي ولهذا السبب قيم المادية تسقط في امتحان الأدب وتتهاوى لأن الأدب سمو روحي يبحث في الماورائيات، ولايخضع لتجارب المعامل ويصعب على الضبط التجريبي، فإشراق الأدب وجدانيٌ له بريق في النفس، ونعود لاستكمال عصور النقد
كان النقد في القرن الرابع الهجري خصباً معتمداً على الذوق وكذلك العناصر الفنية التي طورها النقاد، وظهر في هذه المرحلة كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري وكتاب للجرجاني الوساطة بين المتنبي وخصومة، كان كتاب الآمدي موازنة بين الطائيين حيث عاب على أبي تمام التكلف والإكثار من المحسنات البديعية والصناعة اللفظية ومدح البحتري بأنه شاعر مطبوع وإن كان البحتري كما قال الآمدي إلا أنه يُتهم بمحاباته، لكن في رأيي أن أباتمام هو دائرة معارف لغوية بيانية أثرتْ الأدب العربي وأغنته، رغم اتهامه من النقاد، بالإغراق في البديع،
والموازنة بين الطائيين يعطي تصور عن الحركة الأدبية والآراء التي بين صفحاته تستجلي غوامض التركيب البلاغي في جميع أغراض الشعر.
أ.سالم صعيكر البلوي
ماجستير إدارة أعمال
النقد الأدبي هو بحث في خلفية الأديب أو الشاعر وبيئته المحيطة به والعوامل المؤثِّرة في مزاجه الفني وطريقة اعتمال النص مع شخصيته، وأخَذَ النقدُ فتراتٍ وعصوراً متطاولةً حتى نضج وأصبحت له مدارسُه النقدية، لقد بدأ النقد الأدبي من العصر الجاهلي ولكنه كان محصوراً في اتجاهين اثنين وهما الحكم على الشعر، والتنويه بمكانة الشاعر، أمّا عناصر النقد الأخرى مثل طريقة الشاعر أو مذهبه الأدبي أو صلة شعره بالحياة الاجتماعية كل ذلك لمّا يتكونْ بعدُ، فالحكم على الشعر من حيث التذوق الفطري للناقد بدون استخدام أدوات النقد وإخضاع النص للعناصر الفنية، وتشريحه، بل كان إحساس فطري وذوقي بجمال النص وبموسيقاه العالية أو المنخفضة، إلا أنها كانت تصادف عند الجاهليين مزاج صحراوي حاد يستكنه جيد القول من رديئه الذي لامحل له فيما أعلم، وليس بِدعاً أن تكون هذه الحالة في مجتمع كان للكلمة فيه وضعُها ولايتسنم المنابر أو النوادي إلا من كان أهلاً لها، ومن أمثلة النقد في العصر الجاهلي ما عِيب على النابغة من الإقواء في شعره وهي اختلاف حركة الروي بين الأبيات، على قول بعض علماء العَروض
وعلى قول بعض النحاة هو خطأ نحوي:
زعمَ البوارحُ أنّ رحلتنا غداً
وبذاك خبّرَنا الغرابُ الأسودِ
وأيضا المثال الآخر وهو ما عيب على المتلمّس من وصفه الجمل بوصف الناقة عندما قال له طرفة بن العبد استنوق الجمل
وَقَد أَتَناسى الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِه
بِناجٍ عَلَيهِ الصَيعَرِيَّةُ مُكدَمِ
والصيعرية وصفٌ للناقة كما هو معروف وليس للجمل.
ثم تطور النقد الأدبي في العصر الإسلامي، وأمسى له روادُه، وبسقتْ فروعُه، وكان شعراءُ هذا العصر محتفظين بجزالة المفردة الجاهلية، وبروحها
حتى استُشهِد أو تُمُثِل بشعرهم، بسبب المقاربة الروحية في الطرح والأسلوب وفي نفس هذه الحقبة نشأت مدرسة اللغويين والنحاة من أمثال أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب شيخ سيبويه، وأبو عبيدة معمر بن المثنى ، وكانت لهم أدواتُهم ومقاييسهم الفنية في الحكم على النصوص، وهؤلاء اللغويون والنحاة لهم مذهب في النقد، وطريقه.
فأبو عمرو بن العلاء وأبوعبيدة معمر يقدّمون الأخطل على صاحبيه، ربّما لأنه أشبه القدماء في جزالة المفردة والاحتفاظ بالنسق الجاهلي والمطوّلات الشعرية، ونعود للمعايير التي اعتمدها العلماء في النقد والتي كانت هي الدليل في الحكم على النص الشعري منها كثرة إنتاج الشاعر، وغزارة شعره، وجودة هذا الشعر الغزير من حيث عناصر الشعر، ومنها الخصائص التي تستجيدها الأذواق.
أما في القرن الثالث الهجري، فلقد تطور النقد فيه وأصبح فيه من الكثافة العناصرية والتداخل في العلوم الشيء الجالب للأنظار؛ ففي هذا العصر يقوم النقد على الثقافة والتبحر والفلسفة والمنطق لأن المعارف قد تشعبت وحركة الترجمة أدخلت تراث اليونان والفرس؛ فغدت هناك قوانين تخضع لمعايير جديدة آتية من معارف أجنبية ومن مشارب أخرى.
وليس من المفارقات أن الشعر يقوى في الشر والخصومات، ويضعف في الخير وكذلك النقد يستعر أواره ويثرى في الخصومات
النقد الأدبي كما يقول النقاد: لايمكن أن يكون علماً ولكن يستعان عليه بطرق العلم، لذلك الأدب روحي وليس مادي ولهذا السبب قيم المادية تسقط في امتحان الأدب وتتهاوى لأن الأدب سمو روحي يبحث في الماورائيات، ولايخضع لتجارب المعامل ويصعب على الضبط التجريبي، فإشراق الأدب وجدانيٌ له بريق في النفس، ونعود لاستكمال عصور النقد
كان النقد في القرن الرابع الهجري خصباً معتمداً على الذوق وكذلك العناصر الفنية التي طورها النقاد، وظهر في هذه المرحلة كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري وكتاب للجرجاني الوساطة بين المتنبي وخصومة، كان كتاب الآمدي موازنة بين الطائيين حيث عاب على أبي تمام التكلف والإكثار من المحسنات البديعية والصناعة اللفظية ومدح البحتري بأنه شاعر مطبوع وإن كان البحتري كما قال الآمدي إلا أنه يُتهم بمحاباته، لكن في رأيي أن أباتمام هو دائرة معارف لغوية بيانية أثرتْ الأدب العربي وأغنته، رغم اتهامه من النقاد، بالإغراق في البديع،
والموازنة بين الطائيين يعطي تصور عن الحركة الأدبية والآراء التي بين صفحاته تستجلي غوامض التركيب البلاغي في جميع أغراض الشعر.
أ.سالم صعيكر البلوي
ماجستير إدارة أعمال