تثيرالحرب الدائرة رحاها في اليمن منذ عام ( ٢٠١٤) العديد من التساؤلات والتحليلات لأن هذه الحرب عاكست العديد من التوقعات ، حيث أن الصراع في اليمن يرتكزعلى مفاهيم عقائدية متناقضة انتقلت إلى المواجهة العلنية ، مواجهة تلعب فيها الحجة الأيديولوجية دورا حاسما في إثارة النزاع وتبريره أمام الرأي العام الداخلي ، وفي التعبئة التي يستلزمها هذا الدور في سير أحداثه ، وفي ظل الإقتتال في اليمن هناك حقائق لا يجب اغفالها ، فالتأمر في هذا البلد ليس وليد اللحظة حيث لعب الرئيس السابق علي صالح بورقتي ( الحوثي ) في شمال اليمن عندما قوى شوكتهم وفرضهم كقوة فاعلة في المسرح اليمني من خلال محاربته لهم في الفترة من (٢٠٠٤) إلى (٢٠١٠) واشتراكهم في الحراك الشعبي عام ( ٢٠١١)ضد علي صالح مكنهم من المطالبه بإشراك المكون الحوثي في أجهزة الدولة ، ولعب ورقة القاعدة في جنوب اليمن لإبتزاز أمريكا عندما تمت مهاجمة المدمرة الأمريكية (كول ) وأضاف لذلك خلط الأوراق في الداخل فكان مسعر فتن.
وعندما تنحى الرئيس علي صالح عام (٢٠١٢) في إطار خطة الانتقال السياسي المدعوم من دول مجلس التعاون وتم انتخاب الرئيس (عبد ربه منصور هادي ) رئيسا للبلاد للإشراف على حوار وطني يتمخص عنه دستور شامل لدولة اتحادية، قام الحوثيون بثورة عام (٢٠١٥) واستولوا على صنعاء ، وفرضوا الاقامة الجبرية على الرئيس (عبد ربه ) ورئيس الحكومة ( خالد محفوظ) وعلقوا العمل بالدستور وتولت اللجنة الثورية الحوثية برئاسة ( محمد الحوثي) رئاسة البلاد، وعندما تمكن هادي من الفرار من صنعاء في٢١ فبراير (٢٠١٥) اتجه إلى عدن وأعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد ورفض ماسماه بإنقلاب الحوثيين ، وألغى اتفاق الشراكة معهم، وفي مارس (٢٠١٥) بدأت المملكة بتشكيل تحالف عسكري عربي الهدف منه دحر الحوثيين وعودة الحكومة الشرعية ، وتمكن التحالف من دفع الحوثيين والموالين للرئيس علي صالح للخروج من عدن ومأرب ، ولكن الخطوط الأمامية ازدادت رسوخا لتبدأ سنوات الجمود، وفي عام (٢٠١٧) تأسس ( المجلس الانتقالي الجنوبي ) بدعم من الإمارات العربية في سياق الصراعات في محيط الرئيس (هادي) ، وشكل ذلك تحديا للرئيس (هادي) الذي يعتبر نفسه ضامنا لوحدة البلاد.
وفي عام (٢٠١٨) حذرت الأمم المتحدة من سيناريو مرعب في اليمن سيتكون بسببه دويلات وكيانات يحارب بعضها البعض، واقتربت بريطانيا من مسرح العمليات في اليمن ، وأنزلت قوات في سلطنة عمان تحت غطاء إجراء مناورات مشتركة، ولكن بعض المصادر تشير إلى وجود خطة بريطانية يجري إعدادها لليمن بمباركة روسية لتقسيم اليمن إلى أربع كيانات يتم تأسيسها وفق مجريات الحرب الدائرة ،وحصيلة الحرب اليمنية مفزعة حيث أودت بحياة عشرة الآف شخص أغلبهم من المدنيين ، فيما تتربص الكوليرا والجوع بحياة الملايين من الأطفال والنساء.
لقد كان السائد أن قوات التحالف العربي تتحكم بسير الأمور في الأجزاء الخاضعة للشرعية ، ودفعها إلي الأفضل ولكن الأحداث الأخيرة في جنوب اليمن أثبتت خطأ هذا الإعتقاد عندما خرجت الأمور عن السيطرة ، واندلعت الاشتباكات في السابع من اغسطس (٢٠١٩) بين قوات الشرعية وقوات المجلس الانتقالي.
وانقلاب عدن كما وصفه وزير الداخلية اليمني ( أحمد المسيري) لم يكن محض صدفة بل جاء نتيجة لمتغيرات جيوسياسية وميدانية ، تداخلت فيها مصالح أطراف كثيرة، والمجلس الانتقالي يتحدث عن دولة الجنوب التي ترغب الحوار مع الشمال بشكل ودي بين دولتين دخلتا في اتفاقية ( وحدة) ويرغبون الخروج من هذه الاتفاقية بسلام،ولكن حكومة ( هادي) يتعذر عليها قبول هذا المقترح وهي ترفض التفاوض قبل دخول عدن ، والمراقب للتطورات في اليمن يلحظ ان الصراع وصل حدود العبث في ظل الاختلاف ولم يوضح أحد الهدف من ذلك. كيانات عاجزه عن تأطير الخلاف دون أن يتحول إلى صراع ، وصراعات لاتلبث أن تتحول إلى كيانات متخاصمة . ومن المؤكد أن رغبة الجنوب بالإنفصال لن يتم في المستقبل القريب ولكن فكرة الانفصال لن تختفي قريبا، وهم يرون أن الوحدة قد تسببت لهم بأضرارجسيمة،بينما سكان الشمال يريدون تكريس الوحدة لأنها تحقق لهم مصالح شتى، ونظرا لتباين وجهات النظر بين الطرفين أصبحت الرغبة جامحة في النفوس لإطالة أمد الحرب والتراخي في حسم الموقف مع الحوثي ،بل أصبح الإبقاء على حرب شكلية معه هدف لما تدره على الطرفين من موارد ، ولولا هذا الخذلان من أمراء الحرب في اليمن ، وميلهم إلى التكسب وتنفيذ أجندات خارجية معادية للمنطقة ودول التحالف، لتم لدول التحالف الإجهاض على حركة الحوثي منذ سنوات ، وقد أبدت المملكة أسفهاعلى ماحدث بين قوات الشرعية وقوات المجلس الانتقالي في عدن ودعت إلى عقد لقاء بين الطرفين في( جدة )للوصول إلى تفاهمات سياسية صريحة توحد الجهود للقضاء على الحوثي في الشمال المدعوم ايرانيا ، إلا أن طرفي النزاع في الجنوب لم يبديا استجابة فورية لذلك ، مما دعى المملكة إلى إصدار قرار تنديد للمرة الأولى بالنزاع بين الطرفين وشددت على ضرورة الإلتزام التام والفوري والغير مشروط بفض الاشتباك ووقف إطلاق النار ، مؤكدة أن زعزعة استقرار اليمن تهديد لأمن واستقرار المملكة والمنطقة ، وأن المملكة لن تتوانى عن التعامل مع ذلك بكل حزم.
أن ما آلت اليه الامور في الجنوب يشكل أختبار أمام مهارات الدبلوماسية السعودية.عندما أصدر طرفي النزاع في الجنوب اليمني ،بيانات تعول بوضوح على دور المملكة .وهذا يمنحها نفوذا هائلا ،لكن الاختبار الحقيقي .هوإستغلال هذا النفوذ لمنع المعركة الكبرى بينهم ، وتوحيد الجهود للزحف شمالا ، وتحجيم حركة الحوثي وإحضار الحكومة الشرعية إلى صنعاء ، وفرض الأمر الواقع أمام المجتمع الدولي وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى الحديث عن حركة الحوثي أو يمن جنوبي.
وصدق رسول الله عندما قال ( سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة ، جند الشام ، وجند اليمن ، وجند العراق ).
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد/ عبدالله بن كريم بن عطية