مضيق "هرمز" وصراع المصالح!
مضيق هرمز منطقة استراتيجية بالغة الأهمية أتجهت إليها أنظار العالم أجمع وتشابكت عندها المصالح وتواجهت فيها الاستراتيجيات ، هو بوابة الخليج بل بوابة الحرب العالمية الثالثة، إذا قدر لهذه الحرب أن تندلع ، عنق الزجاجة في طريق الملاحة البحرية لكل الدول المطلة عليه ، ممر استراتيجي يمر به شريان الحياة إلى العالم الصناعي المتعطش للنفط ، ومما لاشك فيه بأن المضيق مطمع لهؤلاء الغربيين الذين يمارسون لعبة الخرائط الملونة ويقتسمون العالم.
والصراع في الخليج العربي تميز بدورة شبه ثابتة للعنف ،تتكرر كل عقد من السنين تقريبا ، وكل مرحلة من العنف المسلح تمثل تغيير للخارطة السياسية ، وتوازنات القوى الاقليمية ، بحيث تخلف ورائها أمرا واقعا جديدا ، والأزمة التي تعصف بالخليج بعد قيام الرئيس ( ترامب ) بتمزيق الإتفاقية النوويه مع إيران ، جعلت دول المنطقة في توجس وترقب للقادم ، على ضوء سوء تكيف السياسة الأمريكية مع واقع الأحداث في الخليج الآسيوي ، حيث غاب التحليل الدقيق لطبيعة التهديد الإيراني ، والتقدير الخاطيء لظروف الأنظمة القائمة في المنطقة والفهم السيء لمقتضيات المصالح الدولية ،والمأزق الذي يواجه السياسة الأمريكية هو سقوط فكرة إيجاد شرطي جديد للخليج ، لذا يجب على دول المنطقة العربية الحذر من الاستنتاجات الخاطئة ، وتجنب ارتكاب الأخطاء كما كان في الماضي فيما يتعلق بحرب خفية قلما تكشف الأحداث صوابها.
فإيران ستبقى محور مشاكل الخليج حيث وجدت في الصراعات المحلية أفضل الظروف التي تعطيها الذرائع للتدخل في شؤون دول المنطقة ، وجذب انتباه دول آخرى مثل روسيا ، الصين ، الهند ، للتغلغل مادام ضجيج الخصام لم يؤدي بعد إلى التسوية ،وقد أبدت إيران صرامة في التعامل مع واشنطن عندما أسقطت طائرة التجسس الأمريكية ، مما حدى بأمريكا تجنب المواجهة وأتخاذ منحى جديد لتدويل الأزمة عن طريق إطلاق مبادرة تشكيل تحالف عسكري جديد في مناطق التماس بينها وبين إيران ، مما يجعل أهداف هذا التحالف مثيرة للجدل ، خاصة مع تصاعد التطورات في موضوع الملف النووي ، وفي ظل اختلاف وجهات النظر بين دول المنطقة حيال مواقفهم مع طهران مابين راغب في الحصار ، ومتردد ، ومحايد ، ورافض لارتباطه بعلاقات معها.
وعندما أطلقت أمريكا مبادرة التحالف لتحقيق حماية الملاحة في الخليج بقيادة أمريكية وتمويل خليجي متذرعة بفزاعة التهديد الايرني ، وفزاعة الهجمات للملاحة البحرية ، سارعت بريطانيا إلى افتعال الأسباب التي تسهل عليها الإنضمام للتحالف ، وما فرنسا عنه ببعيد ، وربما نرى وقد أصبحت المبادرة حقيقة خلال أسالبيع وتسارع العديد من الدول للانضمام إلي هذه المبادرة ، على غرار التحالف الذي تكون من (٦٥) دولة لمحاربة ( داعش )، وهذه لعبة مميتة بالنسبة لإيران التي تدرك جيدا بأن تحالف كهذا سوف يقلم أظافرها أكثر وأكثر.
وعلى دول الخليج الأخذ بعين الاعتبار بأن التورط الغربي في هذه المنطقة لايحقق لها الأمن ضد الأخطار التي تهددها، عندما تصبح المنطقة مسرح للصراع الدولي ، وعلى الغرب الابتعاد عن نزعة الهيمنة ، وتجنب تهديد استقرار منطقة استراتيجية وحيوية ، والعمل على مساعدة دول الخليج الآسيوي للخروج من هذه الأزمة عن طريق القنوات الدبلوماسية وتقديم الدعم لبلورة واصدار معاهدة دولية خاصة بالمضيق ، كما هو معمول به في مضيق البلطيق ، ومضيق ماجلان ، تأخذ بالاعتبار حقوق كافة الدول المجاورة للمضيق وفقا للقانون الدولي ، لأن هذه المنطقة الحيوية للعالم سريعة العطب ، وتصاعد الاحداث يزرع هوسا عاما ويفتح المجال أمام تشخيصات متشائمة حول مستقبلها.
خلاصة القول إن التصعيد الامريكي ضد إيران يزيد الأمور تعقيدا ويدفع بالمنطقة إلى مزيدا من الازمات ،ويحول دون حدوث تناغم مبني علي هوية تتحقق من خلالها استغلالية قرارات دول المنطقة ، هذه الهوية المشتركة تسمح للخليج بالعودة إلى ذاته ومعالجة مشاكله من خلال واقعه الخاص بعيدا عن الاستراتيجيات المستوردة ،والتدخلات الخارجية التي تضرم الأزمات حتى توفر لها بسط نفوذها، فهل أصبح بمقدور دول الخليج فهم اللعبةواقامة توازنا متحدا مع المصالح الاستراتيجية للمنطقة تجد فيه هويتها ، وسلطتها ، ومكانتها .والتساؤل حقا ! متى يتنكر القرصان في دور الشرطي ؟ ومن الذي ستحترق أصابعه من أجل مضيق هرمز ؟ هذا ما سوف تكشف عنه الاحداث في الأيام القادمة.
عضو مجلس المنطقة
اللواء متقاعد/ عبدالله بن كريم بن عطية