×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

ليالي "دمج 6"!
شتيوي العطوي

ليالي "دمج" (6)


أهلا بكم من جديد
وبعد:
أقول لكم أنّ كل شيء في " دمج " يبدو جميلا إلا ..... ، إلا (أنا ) طبعا..أشعر في قرارة نفسي أني لم أكن وفيا معها، ذلك حين كنت يومها أحبو نحو الأمل، أمل بين طعسين متقابلين، يذري كل واحد منهما على صاحبه التراب بين شرقية وأخرى غربية، فتسفو الريح في وجهي ما زاد عن حدّيهما، وأنا متقنّع بغطاء في انتظار أن تسكن الريح. وكأني بإبليس يضحك مني ساخرا ويقول: هنا يرقد أحد أبناء آدم المغفلين! فصحوت ذات مرّة، وتبدّت لي "دمج" كعجوز شمطاء، أو هي الغولة بعينها، وكل الكوابيس المزعجة كانت تأتيني في ليل دمج، وأنا الذي ما زلت حديث عهد بسوالف جدتي، حتى أنني إذا نمت مقوي ( بدون عشاء) لسبب يجب تجاهله- كنت أحلم بما يسمّى في عرف جدّتي ب" العسّه " ذلك الوحش الخيالي الذي كانت جدتي تخوّفنا به حين يريد أحدنا أن يبيت بدون عشاء! وحش يأتي ليلا، فيتحسس بطون الأطفال، فإذا وجد بطنا فارغة أكل صاحبها!
سألت جدّتي سؤال طفل بريء: ولماذا يتخيّر "العسّه " أصحاب البطون الفارغة؟!
كاد سؤالي أن يحرق ورقة جدتي، فقالت متلعثمة: لأنه أخفّ حملا من "أبو كريشة"!
إجابة مقنعة لطفل مثلي إلى حين، لكني أدركت بعد أن نبت في حنكي ضرس العقل أنّ " العسّه" ما زال موجودا يتحسس البطون الخاوية، أما الكروش المتخمة فلا طاقة له بجرّها. ولم يكن " العسّه " وحده هو الذي يستعرض عضلاته في ليل "دمج"، بل كان هناك من هو أشدّ وأنكى " أبو البريك " الذي ترك أصحاب الشّحم واللّحم وجعل من هيكلي النحيل سريرا له!. وما بين "العسّه " و " أبو البريك " تبدو الحياة لي في دمج حياة عبثية، وأني غدوت كحال جربوع غبي يحفر جحره في طعس، فرحلت عصرا دون كلمة وداع، ولم يكن في المكان غير صاحب جيب شراع يعزف على الربابة، فقلت ساخرا بالمكان وما حوى: هنا استديوهات " دمج" !. ثم إني عدت في تلك الليلة لسبب ما، وكانت ليلة بدريّة فخيّل لي أن أرض دمج تغازل القمر !.
كان ذلك قبل أربعين سنة، وها أنا في هذه الليلة الاستثنائية، ليلة الاثنين الماضية أستعيد الذكريات بكل تفاصيلها، فتقنعت برداء وتوجهت ناحية السّيل، وجلست وحدي على ضفته كراهب يتعبّد، فكان منظرا مهيبا( سيل وليل)، ولا صوت يعلو على صوت هدير السيل، وكأنه لا أحد في دمج، حتى الكلاب التي كانت تنبح بدون سبب قد غادرت المكان، عائلتي التي أرهبوها برسائل الجوال غادرت المكان أيضا والأطفال يصرخون، لكني بقيت وحدي لكي أعيش اللحظة، فشعرت وكأني قد عدت طفلا، وعادت بي الذكرى إلى سنين خلت، قد حكيتها للأطفال ليلة البارحة وهم في حالة خوف من البرق والرعد، فحدثتهم بحديث " كنّا زمان " فاستغربوه، لأنهم لم يعيشوه، وقد أجمعوا على قول: معقووووول؟!
ومن غير المعقول أن يكون أصحاب السنابات والجوالات هم الناطقون باسم المطر والبرق والرعد والسيل، فيخطفوا من قلوبنا وقلوب أطفالنا سعادتنا وابتهاجنا برحمة الله تعالى.
عدت إلى البيت وأنا مطمئن أن السيل يجري في مجراه، وأن صافرة الإنذار التي تعلو المسجد ما زالت صامتة ولا حركة لطوّافة مروحية في الأجواء، لكن في الساعة الرابعة والنصف سمعت صوتا غريبا في الحوش، فأدركت أن السيل يطرق الباب، فخرجت وإذا السيل قد شق طريقا أخر نحوي في حركة التفافية ثم عاد باتجاه مسربه الطبيعي، فبقيت محاصرا أنا وصاحبي "الدّيك " الذي قرر هو الآخر بعد أن صاح فجرا أن يغادر المكان، فقفز الجدار وولىّ، وبقيت أنا وحدي أفكر في الثالوث الدمجاوي: العسّه .. أبو البريك .. السيّل!
ومع ذلك تبقى " دمج " في عيون ساكنيها رائعة وجميلة.

والسلام

شتيوي العطوي
بواسطة : شتيوي العطوي
 4  0