"الديات" إلى أين؟!
إن في طباع نفر من الناس كنودا يعز على الدواء ولربما أكثر الناس معلولون بهذا الداء ، أو ربما أن تلك قلة تعكر صفو الحياة كما يعكر عذوبة الماء قليل الملح ، ومن المؤكد أن للطباع الأصيلة في النفس دخلاً كبيرا في أنصبة الناس من الحدة والهدوء ، والعجلة والأناة ، وقد رأينا بأن الغضب يشتط بأصحابه إلى حد الجنون عندما تقتحم عليهم أنفسهم ويرون بأنهم حقروا لدرجة لا يعالجها إلا سفك الدماء.
لذا شرع الله عزوجل القصاص في قوله ( ولكم في القصاص حياة يأولي الألباب لعلكم تتقون ) لحكمة بالغة معبرا عنها تعبيرا رائعا محكما ، في القصاص حياة ، هكذا جاء البيان الإلهي الكريم في تلك الكلمات المعدودات ، وويل لمن صدع عن شريعته وانحرف عن صراطه المستقيم ، وويل لمن عارض شرعه القويم.
والله الذي شرع القصاص من القاتل وجعل فيه حياة وامنا وسلامة للمجتمع ، هو الذي فرض العفو وشرع أبوابه وجعل للناس ميدانا يكسبون منه الآجر والثواب والرضى بما عند الله قال تعالى: ( فمن عفى له من أخيه من شيء ) وهنا يجب الأخذ بعين الأعتبار روعة الإسلام وجمال منهجه ،مثالية هذا الدين الذي يبث روح الأخوة ، فرغم أن المسألة قاتل ومقتول ودماء منثورة وأنفس محزونة وأناس تتطلع إلى الإنتقام مع ذلك يسمه أخاه ، هكذا يعلمنا في تعاملنا مع هذا الأخ القاتل ، وفتح باب الفضل والتسامح والعفو لمن أراد أن يفوز بها عند الله ، وأن يأخذ بأعظم الأخلاق وأجل السمات وهي سمة العفو ، حيث إنها محمدة للإنسان في الدنيا يشكره عليها الناس ويدعون له ويشيدون بعمله ويحترمون انسانيته ٠ وهو رفعة له في الآخرة ، حيث يعفو الله عنه ويرفع مقامه ويعلي درجاته.
وقد تنشأ بعض المواقف والآقدار التي تجعل الأهل يفقدون شخصا غاليا على قلوبهم وتجعلهم يطلبون ما يمكن طلبه للتعويض عن فقده ، ومحاولة
طلب المستحيل من حرقة قلوبهم على فقيدهم ، ومن هنا ينطلق مفهوم العفو بالدية وهو مبلغ يعوض به أهل المتوفي ، والناس مهما اختلفت منازلهم واجناسهم فهم سواء في تقدير الدماء فلا تفاوت بينهم والأصل في الديات وضع تقويمها النبي صل الله عليه وسلم وهي ( مئة من الابل ) إلا أن الفقه الحنبلي أجاز الصلح على أكثر من الدية ، وهذا فتح الباب على مصراعيه للمطالبة بديات خيالية ، وخلال العقدين الماضيين وصلت مبالغ الديات إلى أرقام فلكية كان آخرها ( ٥٥ مليون ريال ) والمغالاة الحالية في طلب الدية يحميها بعض القوانين تحت مسمى ( الدية المغلظة ) . تلك الدية التي تحولت من عقوبة رادعة إلى تجارة ومفاخرة وتباهي بين القبائل ، مما يؤدي بأهل القاتل إلى الذل والإهانة وارهاق كاهل من لا ذنب له. وهذا يتنافى مع ما حض عليه الدين الحنيف من كرم أخلاق والتنازل عن بعض المطالب في سبيل دوام الصلة ، إذ لا قيمة لعفو ينجو بموجبه الجاني من القصاص وتنهك اسرته وقبيلته في جمع المال وإراقة ماء الوجه على أبواب المحسنين وقد قال صل الله عليه وسلم ( من شق على أمتي شق الله عزوجل عليه ) واليوم نجد أن بعض ضعفاء النفوس قد اتخذ من الموضوع مهنة وتجارة بقصد التكسب ، وتحول بعض المصلحين في عتق الرقاب إلى سماسرة همهم جمع المال الذي يحصلون عليه ، وأصبح الوضع مرهق للمجتمع ولابد من إيقاف هذا المسلك المشين لأنه يتنافى مع مقاصد الشريعة السمحاء ، وانا من هذا المقام أناشد هيئة كبار العلماء للتدخل وتحديد مبالغ للديات والرفع للمقام السامي لاعتمادها والتمشي بموجبه لمن اراد العفو بدية انطلاقا من القاعده الفقهية التي تنص على أن تصرف الإمام على الرعية مناط بالمصلحة ، حيث هذا التخفيف وهذه الرحمة ميزة وخاصية لهذه الآمة ولم تكن للأمم السابقة .وأولو المواهب العلمية والعقلية الفارعة ستار ركين للأمم التي يقودونها والاعباء التي يحملونها والعمل العظيم في مغزاه يصغر اذا جهل الناس هدفه ومرماه (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )
عضو مجلس المنطقة
اللواء المتقاعد/ عبدالله بن كريم بن عطية
إن في طباع نفر من الناس كنودا يعز على الدواء ولربما أكثر الناس معلولون بهذا الداء ، أو ربما أن تلك قلة تعكر صفو الحياة كما يعكر عذوبة الماء قليل الملح ، ومن المؤكد أن للطباع الأصيلة في النفس دخلاً كبيرا في أنصبة الناس من الحدة والهدوء ، والعجلة والأناة ، وقد رأينا بأن الغضب يشتط بأصحابه إلى حد الجنون عندما تقتحم عليهم أنفسهم ويرون بأنهم حقروا لدرجة لا يعالجها إلا سفك الدماء.
لذا شرع الله عزوجل القصاص في قوله ( ولكم في القصاص حياة يأولي الألباب لعلكم تتقون ) لحكمة بالغة معبرا عنها تعبيرا رائعا محكما ، في القصاص حياة ، هكذا جاء البيان الإلهي الكريم في تلك الكلمات المعدودات ، وويل لمن صدع عن شريعته وانحرف عن صراطه المستقيم ، وويل لمن عارض شرعه القويم.
والله الذي شرع القصاص من القاتل وجعل فيه حياة وامنا وسلامة للمجتمع ، هو الذي فرض العفو وشرع أبوابه وجعل للناس ميدانا يكسبون منه الآجر والثواب والرضى بما عند الله قال تعالى: ( فمن عفى له من أخيه من شيء ) وهنا يجب الأخذ بعين الأعتبار روعة الإسلام وجمال منهجه ،مثالية هذا الدين الذي يبث روح الأخوة ، فرغم أن المسألة قاتل ومقتول ودماء منثورة وأنفس محزونة وأناس تتطلع إلى الإنتقام مع ذلك يسمه أخاه ، هكذا يعلمنا في تعاملنا مع هذا الأخ القاتل ، وفتح باب الفضل والتسامح والعفو لمن أراد أن يفوز بها عند الله ، وأن يأخذ بأعظم الأخلاق وأجل السمات وهي سمة العفو ، حيث إنها محمدة للإنسان في الدنيا يشكره عليها الناس ويدعون له ويشيدون بعمله ويحترمون انسانيته ٠ وهو رفعة له في الآخرة ، حيث يعفو الله عنه ويرفع مقامه ويعلي درجاته.
وقد تنشأ بعض المواقف والآقدار التي تجعل الأهل يفقدون شخصا غاليا على قلوبهم وتجعلهم يطلبون ما يمكن طلبه للتعويض عن فقده ، ومحاولة
طلب المستحيل من حرقة قلوبهم على فقيدهم ، ومن هنا ينطلق مفهوم العفو بالدية وهو مبلغ يعوض به أهل المتوفي ، والناس مهما اختلفت منازلهم واجناسهم فهم سواء في تقدير الدماء فلا تفاوت بينهم والأصل في الديات وضع تقويمها النبي صل الله عليه وسلم وهي ( مئة من الابل ) إلا أن الفقه الحنبلي أجاز الصلح على أكثر من الدية ، وهذا فتح الباب على مصراعيه للمطالبة بديات خيالية ، وخلال العقدين الماضيين وصلت مبالغ الديات إلى أرقام فلكية كان آخرها ( ٥٥ مليون ريال ) والمغالاة الحالية في طلب الدية يحميها بعض القوانين تحت مسمى ( الدية المغلظة ) . تلك الدية التي تحولت من عقوبة رادعة إلى تجارة ومفاخرة وتباهي بين القبائل ، مما يؤدي بأهل القاتل إلى الذل والإهانة وارهاق كاهل من لا ذنب له. وهذا يتنافى مع ما حض عليه الدين الحنيف من كرم أخلاق والتنازل عن بعض المطالب في سبيل دوام الصلة ، إذ لا قيمة لعفو ينجو بموجبه الجاني من القصاص وتنهك اسرته وقبيلته في جمع المال وإراقة ماء الوجه على أبواب المحسنين وقد قال صل الله عليه وسلم ( من شق على أمتي شق الله عزوجل عليه ) واليوم نجد أن بعض ضعفاء النفوس قد اتخذ من الموضوع مهنة وتجارة بقصد التكسب ، وتحول بعض المصلحين في عتق الرقاب إلى سماسرة همهم جمع المال الذي يحصلون عليه ، وأصبح الوضع مرهق للمجتمع ولابد من إيقاف هذا المسلك المشين لأنه يتنافى مع مقاصد الشريعة السمحاء ، وانا من هذا المقام أناشد هيئة كبار العلماء للتدخل وتحديد مبالغ للديات والرفع للمقام السامي لاعتمادها والتمشي بموجبه لمن اراد العفو بدية انطلاقا من القاعده الفقهية التي تنص على أن تصرف الإمام على الرعية مناط بالمصلحة ، حيث هذا التخفيف وهذه الرحمة ميزة وخاصية لهذه الآمة ولم تكن للأمم السابقة .وأولو المواهب العلمية والعقلية الفارعة ستار ركين للأمم التي يقودونها والاعباء التي يحملونها والعمل العظيم في مغزاه يصغر اذا جهل الناس هدفه ومرماه (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )
عضو مجلس المنطقة
اللواء المتقاعد/ عبدالله بن كريم بن عطية