أهلا بكم من جديد.. وبعد:
كان بودّي على غير عادتي - الحديث عن بعض القضايا الهامّة، لكني أدركت بعد العشاء أن معدتي ومصارينها مشغولة بقضيّة الهضم، وأن المخّ والمخيخ مشغولان في التحضير لمؤتمر "هرس البطاطا " وأنّ المصران الأعور الذي يهمّه مصير المصارين يعكف أيضا على إعداد البيان الختامي قبل أن أنام. وقد أعتدت على مضامين تلك البيانات، وحفظتها منذ عصر المقاطة، فأدركت مبكرا معنى الجوع، وأن هناك فرق بين الجوع والتجويع.
ومن منطلق " الرّغي .. والرّغي الآخر " يحق للأعور أن يطبّل في بطني ويربج، وللمعدة أن تبتهج، وأن "تهضم أكثر " ! فوضعت يديّ على بطني تحسّبا " أطبطب " فلاح في خاطري صورة "الأشهب" الذي تحوّل إلى قناّص " يطخّ " المهاجرين الذين ابتلعت أمريكا ديارهم وأحلامهم، فشعرت بوخزة ضمير، وإذا بالأعور يصيح من أسفل: بلاش سياسة، خلينا في البطاطا!
آآه يا أعور، لقد عرفت أمريكا قبل أن أعرف البطاطا، حين سمعت كبير عربنا ينطقها " ميركه " وقد عرفت البطاطا محض الصدفة، كتلك الصدفة التي قادت كولومبس لاكتشاف أمريكا.
كان ذلك في يوم من أيام عربنا، والظعن يسير في يوم عاصف، وقد تخلّفنا، فمررنا أهل قرية، حتى إذا كدنا نتجاوز، بدت لنا في أقصى القرية دار وحيدة يحتضنها بيت من الشعر، فأنخنا، وإذا امرأة ترحّب، فدخلنا، فكان أن صنعت لنا طعاما، لم يزد عن كونه بطاطا مطبوخة باللبن المريس وخبزا خمعته (فتّة ) في صحن من التوت مطعّج، جعلت في وسطه نقرة للسمن تحيط بها قطع البطاطا التي لم أعرفها من قبل، وما زلت أستطيب طعم ذلك الطعام إلى يومي هذا. ربما هو طيب نفس تلك الفقيرة التي صنعته، أو هو الجوع، أو اندهاش المعدة من ذلك الزائر الغريب.
حتما سأقص لاحقا لرفاق الترحال الذين لم يكتشفوا " الباذنجان " بعد، حلاوة وطلاوة البطاطا، وأنها لحمة الفقراء.
سنون من العمر وآنا أتلذذ بطعم البطاطا: مقليّة، مشويّة، مسلوقة، ولم يدر في رأسي السؤال العبقري إن كانت البطاطا مذكرأ أم مؤنثة، حتى جاء أحد الإعلاميين البطاطيسيين، وهو الذي يقول وقت الزنقة " رزقي على الله " ليزيد رصيده من الاسترزاق وأنه حامي حمى العربان، فيطرح بين يدي الغلابا إشكالية فوق الاشكالات، ويسأل: هل البطاطا مذكر أم مؤنث؟!
يا عمرو! نسأل الأسبان الذين هم من أدخلوا البطاطا إلى أوروبا عن طريق أمريكا الجنوبية، وأيضا الألمان الذين يعشقون البطاطا حيث ساهمت في بقائهم على قيد الحياة في أكثر من حرب، وكذلك الروس والانجليز والأمريكان، فهم وحدهم من يستطيع تحديد " جنس " و " سعر " البطاطا. وأيّما قالوا، حتما سنصدّقهم يا " بطاطا"، فكذب القوّة، صدق بالقوّة.
وفي الدنيا من يسخر منها!
والسلام
شتيوي العطوي