أهلا بكم من جديد
وبعد:
حمل "غيث" حقيبته على ظهره، ومشى ولسان حاله يقول:" أجوب بلادا وألتقي عبادا ضاقت بهم الأرض، لتسمح لي الفرص أن أحدث تغييرا في حياتهم، أسعدهم، وأسعد معهم.
قد لا أستطيع الوصول إلى كل محتاج، إلا أنني قد ألهم الآخرين ليبدأوا ولو بشيء بسيط.. فما زالت الدنيا بخير، والناس للناس.
ربما تشعر أنّ ما قمت به كان قليلا، إلا أنّ هذا العمل عظيم في عيون المحتاجين، والأهم أن أجره كبير عند موزّع الأرزاق.
كيف سيكون شعورك إن كنت سببا في تحقيق "حلم".تمنح الأمل وتصنع الفرق.
إن كنت قريبا من الله وتعي أن ليس للإنسان إلا عمله الصالح، فتأكد أن رب العباد سيسخرك لتكون مفتاح فرج لضيق أحدهم في يوم من الأيام".
يذكرني" غيث " بقصة " جابر عثرات الكرام "، وتتحدّث عن رجلٍ من بني أسد، اسمه "خزيمة بن بشر"، عرف بالشهامة والمروءة والكرم، إلا أنّه بعد حين ضاقت عليه الحال، فما كان منه إلا أن أغلق الباب على نفسه، واعتزل الناس.
كان الوالي على منطقة الجزيرة في ذلك الوقت "عكرمة الفيّاض"، وبينما هو في مجلسه- يوما - تذكر خزيمة، فسأل عن حاله، فأخبروه . وفي الليل حمل عكرمة أربعة آلاف دينار، وانطلق إلى بيت خزيمة متنكراً، فطرق عليه الباب وأعطاه المال، فقال له خزيمة: من أنت؟!، فردّ متنكرا: أنا جابر عثرات الكرام!
عاد عكرمة إلى البيت متأخراً، فوجد زوجته تنتظره وهي مرتابةٌ في أمره، ، فاضطر إلى إخبارها بالقصة على شرط أن تكتمها.
قام خزيمة بسداد ديونه، وإصلاح أموره، ومن ثم انطلق لمقابلة أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، وعندما دخل عليه، سأله عن أحواله، فأخبره خزيمة بما جرى وكان، وروى له قصة جابر عثرات الكرام، فكان أمير المؤمنين متلهفاً لمعرفة ذلك الرجل، حتى يعينه على شهامته ومروءته.
وفي الحال قام الخليفة بتعيين خزيمة والياً على منطقة الجزيرة، وعندما وصل هناك نزل في دار الإمارة، وأمر بمحاسبة عكرمة (الوالي السابق)، مما دفع خزيمة إلى تكبيله بالسلاسل، وحبسه. فأرسلت زوجة عكرمة مولاة لها إلى خزيمة لتكشف له عن شخصية "جابر عثرات الكرام" فقال خزيمة: واسوأتاه! فانطلق إلى عكرمة، ففك قيوده، وأقبل على رأسه يقبله، فخرج الاثنان معاً إلى سليمان بن عبدالملك، فدخل عليه خزيمة وأخبره بشخصية "جابر عثرات الكرام"، وأنه "عكرمة الفياض"، فأعطى سليمان لعكرمة عشرة آلاف دينار، وعيّنه والياً على الجزيرة، وأذربيجان، وأرمينيا.
وقد أخفى " غيث " شخصيته، لكن صورته الإنسانية الجميلة الرائعة بدت على وجوه أولئك البائسين، وكانت دموع الاحساس بالوجع المخفي بين الضلوع شاهدة على مأساة خلف أبواب موصدة أو على قارعة طريق.
جميعهم كانوا في البداية متماسكين أثناء الحديث، تحسبهم أغنياء من التعفف، يحمدون الله تعالى على كل حال " الحمد لله " حتى إذا جاءت لحظة الفرج، كشفت دموعهم عن صدق حالهم، تلك الدموع التي ربما لم يرها أحد من قبل.
ربما كان " غيث " ملهما للكثيرين من الناس، ولن يكون الأول ولن يكون الأخير في هذه الأمة. نجاحه يكمن في عفويته، وطريقته البسيطة للولوج إلى أنفس المحتاجين من حيث هي الحاجة، فتحدث المفاجأة التي لم تخطر على بال صاحبها من قبل، فتتحول الدموع إلى رسالة عاجلة لأصحاب القلوب الرحيمة، ويختم المشهد بلحظة وداع ونظرات تجعلك تشعر بمعنى الانسانية.
ابحثوا عن قصة " غيث " حتما ستجدونها، ربما هي ساكنة في نفس كل واحد منّا. وكما قال غيث:" قد لا أستطيع الوصول إلى كل محتاج، إلا أنني قد ألهم الآخرين ليبدأوا ولو بشيء بسيط.. فما زالت الدنيا بخير، والناس للناس".
والسلام
يتبع، إن شاء الله تعالى