تعليلة كاملة الدّسم!
بعيدا عن كل ما يجري في هذا العالم من خراب ودمار وتل تراب، وبعيدا عن غراب البين "تويتر " ومن على شاكلته من محفزات التّوتّر، أجدني مشتاق إلى تعليلة، كتلك التي كانت تجمعنا حين كانت الدواوين عامرة بصوت التعاليل.
كان ذلك قبل عصر الفضائحيّات والإنترنت، واليوم تبدّلت الحال، ولم يعد هناك مجالس للأنس تروق لنفس تذوّقت طعم التعاليل حين تجد كل شخص يعيش في عالمه الخاص، فتشعر بالوحشة والوحدة حتى وأنت بين تلك الأجساد.
وبما أن الحال أصبحت كذلك، أجدني في حل من ضياع الوقت وتجشم عناء البحث عن تعليلة فارطة. لذلك وفي كل ليلة وبعد العشاء أجرّ فراشي كحال المشرّد ( الهوملس ) فآوي إلى ركن بعيد عن الأخبار العاجلة ولحس التراب وبلع الزلط الذي يمارسه المنافقون، والصّجّة واللّجّة التي يحدثها من يجدون سعادتهم في وضع حجر فوق حجر أو يهيلون التراب على رؤسهم كعادة الأطفال في ممارسة اللهو البريء، لأقضي طرفا من الليل في جلسة يرافقني فيها جهاز الكمبيوتر وإبريق الشاي الذي يشبه إبريق الراعي. أفتح المتصفح وأطوف من خلاله في أرجاء العالم، من اليابان إلى السنغال، بحثا عن " تعليلة " تعدل الدماغ وتفرغ أكاسيد النفس، حتى ولو مع الهنود الحمر.وقد جمعتني ذات ليلة تعليلة عبر "الهواوي" عبرت بي بحر الظلمات إلى حيث أحد أفراد قبيلة " الشيروكي " وهو يروي مأساة تلك القبيلة.
لقد أبعدت النجعة!
لكن، لا شيء يغني عن وجوه تقابلني وأقابلها، أعرفها وتعرفني. وقد يذهب الليل دون أن أجد غايتي في صوت يجعلني أعشق الليل، ولا حتى صوت أم كلثوم " يا مسهرني" فتنقلني قدماي إلى حيث مقر صناعة الأحلام والأفلام والأوهام ( فرشة ووسادة ولحاف ) وبعوضة ترقص فوق رأسي لتمص ما تبقى من دمي، ورنين الرسائل القصيرة التي تشعرك بموعد السداد، وبعد الهرش والكش الذي لا يغني من اللسع، أفتح من إرشيف الزمن الجميل صورة ذكرى، صورة تجمع وجوها في تعليلة كاملة الدسم ( منسف وسوالف وجرة ربابة )، وصوت- حال اشتداد الهرج- يقول: أذكر الله !..وآخر من طرف المجلس يقول:صل على النبي!. أصوات تشعرك بجمال المكان والزمان وهي تخرج من تلك الأفواه البريئة، فتنقلك من حال إلى حال، وتبعد عنك شبح الملل، وأن الليل ما يزال طويلا ، وكأن الليل مع تلك الوجوه الطيبة فيه بركة.
آآآه، لقد ماتوا يرحمهم الله!..
كان الشوق يدفعني لسماع ما تبقى من تلك الأصوات التي تطرب المسامع، فتذكرت قبل فترة رجلا من ذاك الرعيل، فذهبت إليه، فوجدته في فناء بيته يجلس وحيدا، ولطول العهد لم يعرفني، فسألني وأنا أسلم عليه: من أنت؟وحين عرفته بنفسي ضمني إلى صدره، وذكر والدي يرحمه الله - فرأيته يمسح دموعه حين جلسنا.
كان يحدثني بشوق وينقلني معه من حال إلى حال، ربما كانت سعادته أكثر من سعادتي وأنا المشتاق، فخرجت من عنده وأنا آسى لحال كبار السن في هذا الزمان الذي فقدت فيه التعليلة هيبتها ورونقها.
تذكرت وأنا أكتب هذه القصاصة أحد الأصحاب حين كان يأتيني من ناحية البحر محمّلا بأسفار الذكريات وأشواق الأنس، حتى إذا ذهب أغلب الليل قلت له: ألا تنام ؟ فينفجر ضاحكا كعادته ويقول: فما أطال النوم عمرا، ولا قصّر في الأعمار طول السهر!
والسلام
بعيدا عن كل ما يجري في هذا العالم من خراب ودمار وتل تراب، وبعيدا عن غراب البين "تويتر " ومن على شاكلته من محفزات التّوتّر، أجدني مشتاق إلى تعليلة، كتلك التي كانت تجمعنا حين كانت الدواوين عامرة بصوت التعاليل.
كان ذلك قبل عصر الفضائحيّات والإنترنت، واليوم تبدّلت الحال، ولم يعد هناك مجالس للأنس تروق لنفس تذوّقت طعم التعاليل حين تجد كل شخص يعيش في عالمه الخاص، فتشعر بالوحشة والوحدة حتى وأنت بين تلك الأجساد.
وبما أن الحال أصبحت كذلك، أجدني في حل من ضياع الوقت وتجشم عناء البحث عن تعليلة فارطة. لذلك وفي كل ليلة وبعد العشاء أجرّ فراشي كحال المشرّد ( الهوملس ) فآوي إلى ركن بعيد عن الأخبار العاجلة ولحس التراب وبلع الزلط الذي يمارسه المنافقون، والصّجّة واللّجّة التي يحدثها من يجدون سعادتهم في وضع حجر فوق حجر أو يهيلون التراب على رؤسهم كعادة الأطفال في ممارسة اللهو البريء، لأقضي طرفا من الليل في جلسة يرافقني فيها جهاز الكمبيوتر وإبريق الشاي الذي يشبه إبريق الراعي. أفتح المتصفح وأطوف من خلاله في أرجاء العالم، من اليابان إلى السنغال، بحثا عن " تعليلة " تعدل الدماغ وتفرغ أكاسيد النفس، حتى ولو مع الهنود الحمر.وقد جمعتني ذات ليلة تعليلة عبر "الهواوي" عبرت بي بحر الظلمات إلى حيث أحد أفراد قبيلة " الشيروكي " وهو يروي مأساة تلك القبيلة.
لقد أبعدت النجعة!
لكن، لا شيء يغني عن وجوه تقابلني وأقابلها، أعرفها وتعرفني. وقد يذهب الليل دون أن أجد غايتي في صوت يجعلني أعشق الليل، ولا حتى صوت أم كلثوم " يا مسهرني" فتنقلني قدماي إلى حيث مقر صناعة الأحلام والأفلام والأوهام ( فرشة ووسادة ولحاف ) وبعوضة ترقص فوق رأسي لتمص ما تبقى من دمي، ورنين الرسائل القصيرة التي تشعرك بموعد السداد، وبعد الهرش والكش الذي لا يغني من اللسع، أفتح من إرشيف الزمن الجميل صورة ذكرى، صورة تجمع وجوها في تعليلة كاملة الدسم ( منسف وسوالف وجرة ربابة )، وصوت- حال اشتداد الهرج- يقول: أذكر الله !..وآخر من طرف المجلس يقول:صل على النبي!. أصوات تشعرك بجمال المكان والزمان وهي تخرج من تلك الأفواه البريئة، فتنقلك من حال إلى حال، وتبعد عنك شبح الملل، وأن الليل ما يزال طويلا ، وكأن الليل مع تلك الوجوه الطيبة فيه بركة.
آآآه، لقد ماتوا يرحمهم الله!..
كان الشوق يدفعني لسماع ما تبقى من تلك الأصوات التي تطرب المسامع، فتذكرت قبل فترة رجلا من ذاك الرعيل، فذهبت إليه، فوجدته في فناء بيته يجلس وحيدا، ولطول العهد لم يعرفني، فسألني وأنا أسلم عليه: من أنت؟وحين عرفته بنفسي ضمني إلى صدره، وذكر والدي يرحمه الله - فرأيته يمسح دموعه حين جلسنا.
كان يحدثني بشوق وينقلني معه من حال إلى حال، ربما كانت سعادته أكثر من سعادتي وأنا المشتاق، فخرجت من عنده وأنا آسى لحال كبار السن في هذا الزمان الذي فقدت فيه التعليلة هيبتها ورونقها.
تذكرت وأنا أكتب هذه القصاصة أحد الأصحاب حين كان يأتيني من ناحية البحر محمّلا بأسفار الذكريات وأشواق الأنس، حتى إذا ذهب أغلب الليل قلت له: ألا تنام ؟ فينفجر ضاحكا كعادته ويقول: فما أطال النوم عمرا، ولا قصّر في الأعمار طول السهر!
والسلام