لم يُخيل لأكثر الحالمين طموحًا، أن رياح تنمية الاقتصاد قد تعصف الأمراء والوزراء وتجارًا متنفذين في الدولة، وأن مكافحة الفساد حقيقيةٌ حاصلةٌ لا مواربة فيها، وأن انقلابًا واقعًا لأركان الدولة في مفهوم حصانة المال العام، تلك القضية الكبرى أبعد ما تكون إلى حاجة ملحةٍ من دليل أو إثبات، وإنما هي أحوج ما تكون إلى نيةٍ صادقةٍ نحو الإصلاح يترجمها العزم والحزم إلى الواقع، سيمضي الزمان ويبقى من الأحداث الإصلاحية الكبرى أثرها وصداها، ومن امتدت يده إلى المال العام اِرتشاءً أو فسادًا، فليقضِ ليله يتنهد فلن ينجو أحد.
إن الفساد الإداري هو الحاضن الرئيس لتفريخ الفاسدين والفساد بصوره المتعددة وفي مقدمتها المالي، وهو استغلال أو إهمال للقانون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية على حساب الفرد والمجتمع. ولا يقتصر الفساد على تلقي الرشاوى كما حصل في أماكن هي الأكثر قداسة على وجه الأرض، وسرقة المال العام، بل يتعدى ذلك إلى المحاباة والمحسوبية، وذلك حين يَسْتَقْرِبُ الوزير ذوي القربى إلى المراتب القيادية العليا في وزارته، فيتَشَكِلُ حاجزٌ يصعب فيه التمييز بين الكفاءة وإسهامات المرء الفعلية، وبين تلك التي هي نتاج حسابات المعرفة، والأدهى والأنكى فسادًا أن يصبح ذلك مصدرًا للفخر والتباهي لهم، فيتباهى صاحبه بقوة جاهه ومعارفه، مهددين بذلك سلامة المجتمع وتقدمه، ضاربين عرض الحائط بما قد يحدثه ذلك من خلل في بنية المجتمع، وتعطيلٍ للتنمية، وتدهورٍ للاقتصاد، وتضييعٍ لحقوق الكفاءات الحقيقية، فكيف للمواطن النموذجي الاستمرار في إيجابيته وتفاؤله ودعوته زملاءَه إلى ممارسة المواطنة الهادفة، وهو يرى الرجل الفاسد يلعب دور المواطن النموذجي.
ولقد جعل الإسلام الدفاع عن المال العام فريضة، وجعل حفظه من مقاصد الشريعة الضرورية التي لا تقوم الحياة دونها، وحرم إضاعته وتبذيره وهدره أو إهمال الحفاظ عليه، أو صرفه في غير مصارفه الشرعية، ولسنا هنا في معرض الاستدلال، وتقديم البراهين على وجوب مكافحة الفساد، ووجوب حماية المال العام، ومن أراد ذلك فعليه الرجوع إلى جميع الأديان السماوية، وقرارات سائر الأنظمة، وتجارب سائر الأمم، ومواقف جميع الشعوب، وسيصدق حينها أن التهاون مع المفسدين في الأرض ليس إلا انتحارًا جماعيًا.
واليوم لا مبرر على الإطلاق، أن يلعب المواطن دور المتفرج المحايد، فلابد من المشاركة الفاعلة في المتابعة والرقابة والإبلاغ عن كل مخالف مفسد، ولا بدَّ لصنَّاع القرار في الوزارات والجامعات والمدارس من حملات توعوية للتخلص من الفساد الإداري والمالي، ووضع المكافآت المالية المجزية لكل من يبلغ عن الفاسدين في الدوائر الحكومية، وإنزال العقوبات الصارمة على الفاسدين، والتشهير بهم؛ ليكون العقاب أشد ردعًا، فالفساد لا يقلُ خطرًا عن الإرهاب، فهما ليسا إلا وجهان لعملة واحدة.
الدكتور عبدالرحمن الجهني
جامعة تبوك
إن الفساد الإداري هو الحاضن الرئيس لتفريخ الفاسدين والفساد بصوره المتعددة وفي مقدمتها المالي، وهو استغلال أو إهمال للقانون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية على حساب الفرد والمجتمع. ولا يقتصر الفساد على تلقي الرشاوى كما حصل في أماكن هي الأكثر قداسة على وجه الأرض، وسرقة المال العام، بل يتعدى ذلك إلى المحاباة والمحسوبية، وذلك حين يَسْتَقْرِبُ الوزير ذوي القربى إلى المراتب القيادية العليا في وزارته، فيتَشَكِلُ حاجزٌ يصعب فيه التمييز بين الكفاءة وإسهامات المرء الفعلية، وبين تلك التي هي نتاج حسابات المعرفة، والأدهى والأنكى فسادًا أن يصبح ذلك مصدرًا للفخر والتباهي لهم، فيتباهى صاحبه بقوة جاهه ومعارفه، مهددين بذلك سلامة المجتمع وتقدمه، ضاربين عرض الحائط بما قد يحدثه ذلك من خلل في بنية المجتمع، وتعطيلٍ للتنمية، وتدهورٍ للاقتصاد، وتضييعٍ لحقوق الكفاءات الحقيقية، فكيف للمواطن النموذجي الاستمرار في إيجابيته وتفاؤله ودعوته زملاءَه إلى ممارسة المواطنة الهادفة، وهو يرى الرجل الفاسد يلعب دور المواطن النموذجي.
ولقد جعل الإسلام الدفاع عن المال العام فريضة، وجعل حفظه من مقاصد الشريعة الضرورية التي لا تقوم الحياة دونها، وحرم إضاعته وتبذيره وهدره أو إهمال الحفاظ عليه، أو صرفه في غير مصارفه الشرعية، ولسنا هنا في معرض الاستدلال، وتقديم البراهين على وجوب مكافحة الفساد، ووجوب حماية المال العام، ومن أراد ذلك فعليه الرجوع إلى جميع الأديان السماوية، وقرارات سائر الأنظمة، وتجارب سائر الأمم، ومواقف جميع الشعوب، وسيصدق حينها أن التهاون مع المفسدين في الأرض ليس إلا انتحارًا جماعيًا.
واليوم لا مبرر على الإطلاق، أن يلعب المواطن دور المتفرج المحايد، فلابد من المشاركة الفاعلة في المتابعة والرقابة والإبلاغ عن كل مخالف مفسد، ولا بدَّ لصنَّاع القرار في الوزارات والجامعات والمدارس من حملات توعوية للتخلص من الفساد الإداري والمالي، ووضع المكافآت المالية المجزية لكل من يبلغ عن الفاسدين في الدوائر الحكومية، وإنزال العقوبات الصارمة على الفاسدين، والتشهير بهم؛ ليكون العقاب أشد ردعًا، فالفساد لا يقلُ خطرًا عن الإرهاب، فهما ليسا إلا وجهان لعملة واحدة.
الدكتور عبدالرحمن الجهني
جامعة تبوك