لغتنا العربية بين التعريب والتغريب!
ضاعت لغتنا العربية بين التعريب في المدارس "حصدَ الفلاحُ القمحَ" وبين التغريب في أسواقنا ومحلاتنا التجارية " فيفث سيزون، بوبي جارد"، بل حتى في الطرق السريعة لا تعجب إن رأيت الخطأ الإملائي في عبارة " تمهل أبنائك في انتظارك " بدلاً من أبناءك، أو الخطأ النحوي " الفساد هدر المال" بدلاً من عبارة " هدر المال من الفساد " ما يدعو للتساؤل : هل وزارة النقل والبلديات على علم بهذه الأخطاء الفادحة ؟ ولماذا لا تستعين باللغويين في كتابة هذه اللوحات الإرشادية ؟!
لغتنا العربية لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة نراها اليوم قد ذهبت كل مذهب فتفرقت أشتاتاً لا لون فيها ولا طعم ولا رائحة ! فهل الخلل في التعليم ؟! أم في المجتمع الذي يتحدث باللهجة المحلية العامية ؟! أم أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وراء هذا الشتات ؟!
يشهد الواقع أن التعليم لدينا يقوم بالدور المأمول منه على الوجه الأكمل، فالناظر بعين الإنصاف يرى أن الطالب يتلقى كثيراً من الدروس في اللغة العربية بجميع فروعها في (النحو والصرف والإملاء والخط والبلاغة والنقد) بدءاً من الروضة وانتهاءً بالدراسة الجامعية والدراسات العليا، إضافة إلى أن كثيراً من المقررات الدراسية تُدرَّس باللغة العربية أيضاً ما يجعل الطالب يتلقى كثيرا من المعارف والمفاهيم في كافة المجالات بالعربية، ما يعني أن كافة أبناء الوطن يتعلمون ذات القدر من هذه اللغة في كافة المناطق دون تمييز بين هذه المنطقة أو تلك.
أما المجتمع فله دور كبير في تعليم اللغة ابتداءً من الأسرة التي تتحدث مع أبناءها باللهجة المحلية أو العامية والتي في عمومها تبدو مفرداتها بعيدة تماماً عن التعليم النظامي الرسمي، تحكمها القبيلة والبيئة المحلية والعادات والتقاليد، ما يجعل الطالب محتاراً وهو يرى هذا الانفصام بين ما يدرسه في مدرسته وما يمارسه أثناء المحادثة في بيئته والمجتمع المحلي.
لقد ساهم الإعلام مع الأسف في تغيير المفاهيم لدى أبناءنا في الوقت الحاضر، فأضحى الطالب يتلقى كثيراً من القيم التربوية والمفردات اللغوية التي أثرت عليه تأثيراً سلبياً أفقدته شخصيته المستقلة فبات مقلداً لهذا أو ذاك في كل شؤون حياته في مأكله ومشربه وملبسه بل حتى في تفكيره وعاداته ولغته التي يتحدث بها.
لا نستطيع تغيير عادات المجتمع ولا قناعاته فيما يأخذ أو يترك، فالإعلام بشتى صوره قد اكتسح العالم على كافة الأقنية، لكننا يمكن أن نُسهم في تغيير كثير من العبارات والمصطلحات والتوجيهات والنصائح والإرشادات المدونة على اللوحات الإرشادية في الطرقات، بل حتى في الأسماء والمسميات التي تعلو واجهات المحلات التجارية والفنادق والمطاعم والأسواق التجارية كافة، إذ من النادر في الوقت الحاضر أن ترى أسماء المحلات بالعربية.
المساحة الهائلة التي تتمتع بها بلادنا حرسها الله والطرق الواسعة والممتدة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً التي تربط بين مناطقها تجعل وزارة النقل أمام مسؤوليتها في زيادة أعداد اللوحات الإرشادية وتدوين عبارات وإرشادات وتوجيهات ونصائح محددة في كافة مناحي الحياة مع تصحيح العبارات الخاطئة أو غير المفهومة لزيادة الوعي لدى السائقين وإكسابهم نوع من الثقافة في رحلة السفر.
أما أمانات المناطق وبلدياتها الفرعية فالمهمة عليها جليلة، والمسؤولية مضاعفة، إن هي أرادت النهوض باللغة العربية، فلديها القدرة على منع تراخيص المحلات التجارية ذات الأسماء والمسميات المدونة بغير العربية والقيام بحملة تصحيحية لتغيير أسماء المحلات القائمة في الوقت الراهن والعودة إلى العربية الفصحى حتى لا يأتي اليوم الذي نضيع فيه بين التعريب في المدارس والتغريب في المجتمع.