مجلس التعاون إلى أين؟!
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي
مجلس التعاون إلى أين؟!
في عام 1981 جرت تجربة مثيرة ضمن إطار مكاني محدود بين ستة من الدول الخليجية حيث تحفز زعماء هذه الدول المتجاورة إلى إنشاء تجمع اطلق عليه مجلس التعاون الخليجي مدفوعين بضرورة توحيد ما لديهم من إمكانات وتنسيق ما لديهم من موارد. وقد نص ميثاق المجلس على ان أعضاءه يشكلون عناصر الأمه العربية ويشددون على ان المجلس يقوم على الايمان بوحدة المصير والاهداف والاندماج بين اعضاءه سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا.
وقد اثار انشاء هذا المجلس حسد دول الجوار العربي فقاموا بأنشاء الاتحادالعربي المكون من مصر، السودان، الأردن، العراق، واليمن. وتمكن مجلس التعاون الخليجي من الصمودامام الاحداث الجسيمة التي مرت بها المنطقة وأظهرت دوله مجموعة من الخصائص خلال العقدين المنصرمين مكنتها من تجنب عدم الاستقرار الداخلي التي عصفت ببعض الدول العربية المجاورة.
لان أنظمة دول الخليج المحافظة ابرزت مرونة في التكيف مع التغييرات الجذرية التي سببها التحديث الاقتصادي وازدياد تقلبات الأوضاع الأمنية وثبتت قدرة حكومات المجلس على التلاحم والتعاون في مجال البنى الإقليمية رغم الاختلافات التي كانت تطفو على السطح بين الفينة والأخرى. وقد اتخذ التعاون الخليجي منحنى مؤسسيا عبر لقاء القمة سنويا، وانشاء امانه دائمة ، والتعاون في مجال الأمن والدفاع.
والمنطقة العربية فيها معتركات عديدة هي في حقيقتها تنازع مصالح والعالم اليوم هو عبارة عن أمم متصارعة من أجل المصالح وهذا هو المقياس الصحيح في ميدان الاتفاقات الدولية.
لقد أصبح العالم حلبة صراع والخليج جزء من هذا الفلك. والنجاح الذي حققته المملكة في حشد الأمتين العربية والأسلامية في قمتين متتالية مع الرئيس الأمريكي كانت له ردات فعل عديدة في نفوس الزعماء المشاركين قد تتخذ صفه التنافس والحسد. والأنسان مجبول على حب الزعامة ولا يتورع عن التنازع والتنافس في سبيلها إذا وجد نفسه قادرا على ذلك.
ومن المؤسف ان ينعكس نجاح القمة على دول الخليج مباشره، ونخرج بوافر من الخطايا الغامضة، والتصريحات المتناقضة، وسياسات لم ترى النور. وينفجر هذا الأنبوب الإعلامي المصاب بالإسهال ، ليجعل من قطر دولة مارقة على الأجماع الخليجي.
فهل أضحت قطر عالم العرب الصغير الذي يعكس توترات المنطقة؟ ان الخليج في مأزق بفعل أبنائه وقد الصقت بقطر تهمة التعاون مع ايران وهذا يطرح تساؤل: ما هو البئر الذي شربت منه قطر ولم يشرب منه جيرانها؟
وإذا كان من الصعب إعطاء أسباب دقيقة عن الخلاف السعودي القطري فلابد من ابراز الخيارات المطروحة أمام الطرفين . والحق سلاح تستخدمه الدول في مبرراتها اكثر مما هو هدف بحد ذاته . وعندما تتنازع الدول حول حق من الحقوق أنما تنشد بذلك تحقيق مصالحها وتقوم من اجل ذلك بتقديم الحجج المثالية لدعم مواقفها. وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا).
والخوف هو أن يتطور الخلاف السعودي القطري إلى نزاع يتسبب في إنقسام دول المجلس إلى مؤيد ومحايد. واستمرار الخلاف سيفسح المجال أمام الدول الأقليمية والقوى العالمية للتدخل والقيام بتصرفات من شأنها ان تؤدي الى انفراط عقد المجلس عن طريق اقناع اعضاءه بالوقوف مع هذا الجانب او ذاك في النزاعات الإقليمية حيث الوضع في منطقة الخليج معقد جدا بسبب وجود صراعات متزامنة ومتداخلة بين الجانبين العربي والفارسي.
وحكام الخليج يجب ان يدركوا انعكاسات التوترات التي نشأت بعد زيارة الرئيس الأمريكي وهم المعنيين بتلك التوترات من نواح عديدة. فلاشك ان العديد من زعماء الدول الذين شاركوا في قمة الرياض لم ينظروا بعين الرضا لنجاح القمة وتحييد إيران، فمنهم من سبق القمة وزار واشنطن وهو يحمل ملفات مليئة بالمكائد، ومنهم من شعر بإزاحة بلاده عن قيادة العرب، ومنهم من اعتد بنسبه ومنهم من تغيب. وربما وجد الرئيس الأمريكي لنفسه في هذا الشقاق متنفسا لإلهاء المنطقة وقادتها عن مطالبته بتنفيذ وعوده للقمه بالحد من تدخلات إيران في المنطقة ومن المؤكد التقاء مصالح هؤلاء جميعا بتصعيد الخلاف السعودي القطري لاحداث شرخ في مجلس التعاون الخليجي والقضاء عليه من خلال توجيه سهامهم إلى آتون الخلاف ليتطور الى نزاع ويحدث مثلما حدث بين العراق والكويت .
ولكن المملكة العربية السعودية رغم كل مقومات الفوز التي تملكها فلن تقوم بالاعتداء على شقيقتها قطر مهما كانت المبررات، والخلاف السعودي القطري منوط بتعريفه واسلم وسيلة للحل هو قيام أمانه المجلس بالتحرك الفوري لعقد قمة خليجية استثنائية لتقريب وجهات النظر لكلا الدولتين. وقد عهدنا في حكام الخليج الحكمة والقدرة على حل مثل هذا الخلاف والأبقاء على الخليج العربي سليم معافى عزيز الجانب بحكامه وشعوبه.
عضو مجلس المنطقة
اللواء/م - عبدالله بن كريم العطيات