تحذير: "التدخين مضّر بالصحة" جملة منقوشة على علب السجائر، يقرؤها المدِّخن دون اهتمام، ويوماً ما حين تكف الشركات المنتجة عن وضع هذه الجملة، فإنَّ المدِّخن سيشعر أنَّ شيئاً ما قد فُقِدَ منه.
مفارقة مشابهة يعيشها المتعاملون مع الحاسوب اليوم، حيث يطالعك على شاشة الحاسوب مع تشغيل معظم البرامجيات رسالة تحذيرية من مغبة نسخ وتوزيع البرامجيات؛ لكونها محمية بموجب حقوق النشر والتأليف والطبع والاتفاقات الدولية، وسوف يتعرض المخالف لملاحقة قانونية مدنية وجزائية.
لقد أصبح الجميع كما يقول الدكتور/ حسن عبد العزيز في كتاب بعنوان "مستقبل الثورة الرقمية" اليوم يتحدثون باهتمام عن القرصنة الفكرية، وبالأخص قرصنة البرامجيات، وهو تعبير عن سرقة البرامجيات من خلال النسخ غير المشروع.
لكن، لماذا تُثار هذه الضجة الكبيرة حول قرصنة البرامجيات أو ما يعرف بشكل أشمل بالجرائم الإلكترونية.
بداية يمكن القول إنه من الصعوبة الحصول على تحديد دقيق للمقصود بالجرائم الإلكترونية، وتعدّد أنماطها وظهور أشكال جديدة مستحدثة.
بَيْدَ أنَّ بعض الجهات عرّفت الجريمة الإلكترونية بأنها: فعل غير مشروع يرتكب متضمناً استخدام أيّ جهاز إلكتروني أو شبكة معلوماتية خاصة أو عامة كالإنترنت.
ولا يخفى أنَّ أشكال الجرائم الإلكترونية كثيرة ومتنوعة، منها على سبيل المثال تلك الجرائم التي يكون فيها النظام المعلوماتي موضوع الجريمة، وذلك كما في حالة إيقاف الشبكة المعلوماتية عن العمل أو تعطيلها أو تدميرها أو إعاقة الوصول إلى الخدمة، أو اختراق أو تدمير المواقع الإلكترونية أو اختراق البريد الإلكتروني.
كما أنَّ هناك جرائم يكون فيها النظام المعلوماتي أداة لارتكاب الجريمة ووسيلة لتنفيذها، كما في حالة استغلال الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية للاستيلاء على الأموال أو التشهير بالآخرين وتشويه سمعتهم أو الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية.
وتشير الوقائع إلى أنَّ سرقة البرامجيات تسجِّل تزايداً مستمراً يتزامن مع الانتشار والازدهار المستمر الذي تحققه صناعة الحاسوب.
وللأسف فقد غزت الأسواق بضاعة فكرية مزوّرة دفعت العالم إلى موقف المواجهة مع تجاّر التزوير الفكري وطبقت كثير من الدول عقوبات صارمة جراّء ذلك بحق تجارة التزوير الفكري، من خلال مقاضاة مرتكبي الجرائم الفكرية التزويرية، بل وصل الأمر بمداهمة الشرط أوكارهم لضبط بضائع مزوّرة ومصادرتها، وفي أحيان كثيرة يتم إتلافها على مرأى من الناس.
هنا، ينبغي أن نشير لبعض الحقائق الشرعية في هذا المجال:
أولاً: الاعتداء على الحياة الخاصة والتجسس على مخاطبات ومراسلات المتعاملين بالشبكة المعلوماتية محرم شرعاً، لقوله سبحانه: "ولا تجسسوا..." الحجرات/ 12. ولأن في ذلك تتبعاً للعورات وكشفاً للمستور.
ثانياً: الاعتداء على الأشخاص بالسّب والقدح والتشهير مما حرّمته الشريعة الإسلامية ونهت عنه، قال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيِّناً" الأحزاب/ 58.
ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة، وللأسف، أنَّ هناك مَنْ يحرِّص غيره على بعض الجرائم الإلكترونية كالدخول إلى أجهزة الآخرين بغير حق أو يقوم بشرح كيفية نشر المواقع المعادية أو الداعية إلى الرذيلة؛ إنَّ هذا يُعدُّ مخالفة صريحة للنظام، على حد قول الدكتور/ عبد الله بن عبد العزيز العجلان، الذي يضيف قائلاً إنَّ من أهم مميزات تقنية المعلومات سهولة تبادل المعلومات وتداولها، وهذه الميزة كغيرها من مميزات التقنية تستغل من بعض الناس لنشر أفكارهم الهدامة وممارسة هواياتهم الضارة بالآخرين.
ورغم ذلك فإن صدور نظام يُعنى بمكافحة الجرائم الإلكترونية يتوقع بإذن الله تعالى منه أن يسهم في تحسين البيئية النظامية لاستخدامات تقنية المعلومات ويحافظ على الأمن ويدعم الاقتصاد الوطني.
ويبقى أمان البرامجيات هاجساً يثير قلق الشركات دائماً وأبداً، ويثير هذا الموضوع جملة تساؤلات: مَنْ الذي يملك الحق في البرامجيات؟ هل هو الشخص الذي كتب البرامجية أو كتب البرامجية حق نسخ البرامجيات لصالح شركات أخرى؟!.
إن هذه الأسئلة وغيرها كانت محور نقاش حصيلته اتفاق الرأي أحياناً والاختلاف أحياناً. ولكن تمَّ الاتفاق على أنَّ البرامجية تكون من حق رّب العمل إذا كان المبرمج يشغل وظيفة لدى رب العمل، وحين تكون وظيفة المبرمج يحكم الاستشاري يحدِّد الاتفاق المبرم بين الطرفين شكل الانتفاع من البرامجية.
وأخيراً تتعارض الآراء وترتفع الأصوات بنغمات متنافرة، ولكن الجميع يتفق على أنَّ صحوة أخلاقية هي المفتاح للخروج من أزمة ما يسمّى بقرصنة البرامجيات.
بل إنَّ هذه الصحوة الأخلاقية مطلوبة لإنقاذ إنجازات القرن التقنية كلها من أعدائها، ومن ذاتها أولاً، خاصة عندما تتسم هذه الذات بالأنانية والاندفاع والسعي إلى الاحتكار المعرفي والاقتصادي على السواء...
د. زيد بن محمد الرماني
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مفارقة مشابهة يعيشها المتعاملون مع الحاسوب اليوم، حيث يطالعك على شاشة الحاسوب مع تشغيل معظم البرامجيات رسالة تحذيرية من مغبة نسخ وتوزيع البرامجيات؛ لكونها محمية بموجب حقوق النشر والتأليف والطبع والاتفاقات الدولية، وسوف يتعرض المخالف لملاحقة قانونية مدنية وجزائية.
لقد أصبح الجميع كما يقول الدكتور/ حسن عبد العزيز في كتاب بعنوان "مستقبل الثورة الرقمية" اليوم يتحدثون باهتمام عن القرصنة الفكرية، وبالأخص قرصنة البرامجيات، وهو تعبير عن سرقة البرامجيات من خلال النسخ غير المشروع.
لكن، لماذا تُثار هذه الضجة الكبيرة حول قرصنة البرامجيات أو ما يعرف بشكل أشمل بالجرائم الإلكترونية.
بداية يمكن القول إنه من الصعوبة الحصول على تحديد دقيق للمقصود بالجرائم الإلكترونية، وتعدّد أنماطها وظهور أشكال جديدة مستحدثة.
بَيْدَ أنَّ بعض الجهات عرّفت الجريمة الإلكترونية بأنها: فعل غير مشروع يرتكب متضمناً استخدام أيّ جهاز إلكتروني أو شبكة معلوماتية خاصة أو عامة كالإنترنت.
ولا يخفى أنَّ أشكال الجرائم الإلكترونية كثيرة ومتنوعة، منها على سبيل المثال تلك الجرائم التي يكون فيها النظام المعلوماتي موضوع الجريمة، وذلك كما في حالة إيقاف الشبكة المعلوماتية عن العمل أو تعطيلها أو تدميرها أو إعاقة الوصول إلى الخدمة، أو اختراق أو تدمير المواقع الإلكترونية أو اختراق البريد الإلكتروني.
كما أنَّ هناك جرائم يكون فيها النظام المعلوماتي أداة لارتكاب الجريمة ووسيلة لتنفيذها، كما في حالة استغلال الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية للاستيلاء على الأموال أو التشهير بالآخرين وتشويه سمعتهم أو الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية.
وتشير الوقائع إلى أنَّ سرقة البرامجيات تسجِّل تزايداً مستمراً يتزامن مع الانتشار والازدهار المستمر الذي تحققه صناعة الحاسوب.
وللأسف فقد غزت الأسواق بضاعة فكرية مزوّرة دفعت العالم إلى موقف المواجهة مع تجاّر التزوير الفكري وطبقت كثير من الدول عقوبات صارمة جراّء ذلك بحق تجارة التزوير الفكري، من خلال مقاضاة مرتكبي الجرائم الفكرية التزويرية، بل وصل الأمر بمداهمة الشرط أوكارهم لضبط بضائع مزوّرة ومصادرتها، وفي أحيان كثيرة يتم إتلافها على مرأى من الناس.
هنا، ينبغي أن نشير لبعض الحقائق الشرعية في هذا المجال:
أولاً: الاعتداء على الحياة الخاصة والتجسس على مخاطبات ومراسلات المتعاملين بالشبكة المعلوماتية محرم شرعاً، لقوله سبحانه: "ولا تجسسوا..." الحجرات/ 12. ولأن في ذلك تتبعاً للعورات وكشفاً للمستور.
ثانياً: الاعتداء على الأشخاص بالسّب والقدح والتشهير مما حرّمته الشريعة الإسلامية ونهت عنه، قال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيِّناً" الأحزاب/ 58.
ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة، وللأسف، أنَّ هناك مَنْ يحرِّص غيره على بعض الجرائم الإلكترونية كالدخول إلى أجهزة الآخرين بغير حق أو يقوم بشرح كيفية نشر المواقع المعادية أو الداعية إلى الرذيلة؛ إنَّ هذا يُعدُّ مخالفة صريحة للنظام، على حد قول الدكتور/ عبد الله بن عبد العزيز العجلان، الذي يضيف قائلاً إنَّ من أهم مميزات تقنية المعلومات سهولة تبادل المعلومات وتداولها، وهذه الميزة كغيرها من مميزات التقنية تستغل من بعض الناس لنشر أفكارهم الهدامة وممارسة هواياتهم الضارة بالآخرين.
ورغم ذلك فإن صدور نظام يُعنى بمكافحة الجرائم الإلكترونية يتوقع بإذن الله تعالى منه أن يسهم في تحسين البيئية النظامية لاستخدامات تقنية المعلومات ويحافظ على الأمن ويدعم الاقتصاد الوطني.
ويبقى أمان البرامجيات هاجساً يثير قلق الشركات دائماً وأبداً، ويثير هذا الموضوع جملة تساؤلات: مَنْ الذي يملك الحق في البرامجيات؟ هل هو الشخص الذي كتب البرامجية أو كتب البرامجية حق نسخ البرامجيات لصالح شركات أخرى؟!.
إن هذه الأسئلة وغيرها كانت محور نقاش حصيلته اتفاق الرأي أحياناً والاختلاف أحياناً. ولكن تمَّ الاتفاق على أنَّ البرامجية تكون من حق رّب العمل إذا كان المبرمج يشغل وظيفة لدى رب العمل، وحين تكون وظيفة المبرمج يحكم الاستشاري يحدِّد الاتفاق المبرم بين الطرفين شكل الانتفاع من البرامجية.
وأخيراً تتعارض الآراء وترتفع الأصوات بنغمات متنافرة، ولكن الجميع يتفق على أنَّ صحوة أخلاقية هي المفتاح للخروج من أزمة ما يسمّى بقرصنة البرامجيات.
بل إنَّ هذه الصحوة الأخلاقية مطلوبة لإنقاذ إنجازات القرن التقنية كلها من أعدائها، ومن ذاتها أولاً، خاصة عندما تتسم هذه الذات بالأنانية والاندفاع والسعي إلى الاحتكار المعرفي والاقتصادي على السواء...
د. زيد بن محمد الرماني
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية