قصة قصيرة: الراعية وعالمة الحديث
مكثتُ زمنا لم أحادث الراعية الزاهدة حافظة القرآن، واشتقت إلى فصاحتها، وخبرتها، وتجاربها في عمرها المديد ، فاتجهت إلى مضان تواجدها في حرة خيبر، فرأيت شويهات في مقربة الطريق البرى ، وقد اقتربت منها ، فإذا هي في وادٍ كثيف الشجر راكعة ، فانتظرت زمناً يماثل قرأة سورة البقرة ، فلما انتقلت من مصلاها دلفت إليها ، وسلمت بسلام مغموس بالود من قلبي وأحسست أن الأمر كذلك عندها.
فقلت: قد اقتربت من مواطن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام .
قالت: إن تلك الأماكن لما أطوف فيها يتراءى لخيالي أطياف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه، وغزوته بخيبر، وبلدتك تبوك.
فقلت: أبهجتي مسامعي بذكر الأبرار، وتبوك معاً.
قالت: إنني حاولت أسير في مسار الغزوتين، وأبيت في أماكن أتوقع أنها تستميل الجيوش للمبيت التي سخرها الله ، ثم أن حادثة مع قافلة الحاج المصري حفرت في ذاكرتي تجربة لم تفارق ذاكرتي.
قلت: لعلى أسعد بتلك الذكرى مع ضيوف الرحمن .
قالت: خطر لي أن أزور الطور الذي رفعه الله فوق موسى، وأماكن مواطنة في صحراء سيناء ، فأخذت ألتمس تلك القوافل المصرية، وتأكدت من إحداهن وسرت خلفها عن بعد ، حتى نزلت في فياض شاسعة ذات أعشاب كثيفة، وشجيرات كثيرة ، فرعيت بجانبهم، واقترب بعض أفرادها مني، ولم يحادثني ، وإذا بامرأة تقترب مني.
قلت: ألم تخش من الرجال والمرأة التي أتت بعدهم؟
قالت: إن الخوف أنتزع مني عبر الأزمان، والأماكن الموحشة ، ولكنها هي التي تخشى مني، فسلمتْ عن بعد ، ووراءها عن بعد أيضاً بعض الرجال: فرددت السلام .
وقالت الحاجة: من أنت أيتها المرأة ؟
قالت: راعية لشويهاتي.
قالت: وأين نزلكِ ؟
قلت الراعية: الغربة والوحدة ، وأماكن الخلوة.
قلتُ للراعية: كأنك تستدرجينها ؟
قالت: هو كذلك، فقد مالت نفسي لصحبتهم.
قلت : وماذا قالت لكِ .
قالت الحاجة: إنكِ تستخدمين الفصحى ، فأجابتها الراعية: أليست لغة القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
قالت الحاجة: بلى ، ولكن الغرابة في احتفاظكِ بها ، فهل أقرباؤك كلهم يتحدثون بها.
قالت الراعية: يوم كانوا أحياء ، أما الأن: فلا قرابة ، ولا مجاورة.
قالت الحاجة: أيتها المرأة : أذهلتيني بأحوالك.
قالت الراعية: أتخشين الجلوس، بلا ضيافة عندي .
قالت الحاجة : والله أصابني وجل منك.
قلت الراعية: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
قالت الحاجة: (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)
قالت الراعية: (يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ )
قالت الحاجة: هل أنت من الأنس أو من الجن ؟
قالت لها: وهل يتكشف الجن للبشر ؟
قالت الحاجة : إنني أعجز عن الإجابة ، ولكنني أحببت مجالستك ، لو تعطيني الأمان، وتعاهديني .
فقالت الراعية : لكِ الأمان، ولم استدرج أحدا للمحادثة منذ زمن إلا أنتِ رغبة في طور سيناء .
قالت الحاجة: حان لأبى حنيفة أن يمد رجله وحان لي الجلوس.
قالت الراعية: معالمي، ومحادثتك كشفت عن أحوالي، فهل لك شأن أنت؟
قالت الحاجة: أنا جليلة راوية الأحاديث في مصر (إنني أحفظ الحديث، وأعلمه) .
قالت الراعية: تلك غرابة ان ألتقي بامرأة راوية للحديث، وتعلمه .
قالت الحاجة: إني أحفظه وأحفظ رواياته ، ثم قالت للراعية: بعد محادثتكِ، هل لكِ أن تصحبينا حتى نصل إلى سيناء ؟
قالت: إني أفعل ذلك الآن.
قالت الحاجة: إذن كوني في صحبتي .
قالت الزاهدة: إنني أكتفِ برؤية القافلة، وأهتدي بمسيرتكم .
قالت الحاجة: وأين أزوادك، وحاملة أثقالك؟
قالت الراعية: إن هذه الحقيبة هي زادي، ومائي، وكل ما أملك .
قالت الحاجة: إن كنت صادقة، فأنت من الغرباء الصالحين.
قالت الحاجة: إنما أحب العزلة.
قلتُ: لعلك صحبتها، وأخذت عنك، وأخذت عنها .
قالت الراعية: دعتني للالتحاق بقافلتها، والتعهد بي.
فقالت الراعية: إنني وإياكِ لمفترقان .
قالت المحدثة: بالله عليك تصبرين على صحبتي، ولو لأيام معدودات كما صحب موسي الخضر.
فقالت الراعية: لا مقارنة، وإنما أهتدى بصالحين.
قالت المحدثة: صدقت ، ولكن أنت أيها الراعية الحافظة مصدر علم، فلا تبخلي بعلمك علىّ .
فقالت الراعية: أنا أسير خلف القافلة.
فقالت المحدثة وأنا سآتيك في عزلتك .
فقلت للراعية : هل تبادلتما المعرفة من خلال تجربتك، ومن خلال علمها ؟
قالت: إنها استمعت لما أحفظه من الحديث .
قلت: وهل وجدت عندك أحاديث لم تصل لها ؟
قالت: تقول الحافظة إنها سمعت مني خمسة أحاديث لم تسمعها من قبل، ووعدت بتمحيصها، ومعرفة مدى صحتها .
قلت: وهل دخلتِ معها مدينة القاهرة؟
قالت: بل ، مكثت على مقربة من الطور، لعلي أسجد على أثر من آثار موسى والخضر أو إبراهيم أو يعقوب أو يوسف عليهم السلام .
قلت: إذا رحلة لا تُنسى مع العالمة المحدثة رحمها الله .
قالت: بل ، زودتني بمنهج جديد في الحياة، وزادتني معرفة بما يناسب أحوالي .
قلت: لقد طال الحديث، ولعلي أجدك غداً في أحضان هذه الجبال التي تشبه جبال الطور .
قالت: إن شاء الله.
مكثتُ زمنا لم أحادث الراعية الزاهدة حافظة القرآن، واشتقت إلى فصاحتها، وخبرتها، وتجاربها في عمرها المديد ، فاتجهت إلى مضان تواجدها في حرة خيبر، فرأيت شويهات في مقربة الطريق البرى ، وقد اقتربت منها ، فإذا هي في وادٍ كثيف الشجر راكعة ، فانتظرت زمناً يماثل قرأة سورة البقرة ، فلما انتقلت من مصلاها دلفت إليها ، وسلمت بسلام مغموس بالود من قلبي وأحسست أن الأمر كذلك عندها.
فقلت: قد اقتربت من مواطن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام .
قالت: إن تلك الأماكن لما أطوف فيها يتراءى لخيالي أطياف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه، وغزوته بخيبر، وبلدتك تبوك.
فقلت: أبهجتي مسامعي بذكر الأبرار، وتبوك معاً.
قالت: إنني حاولت أسير في مسار الغزوتين، وأبيت في أماكن أتوقع أنها تستميل الجيوش للمبيت التي سخرها الله ، ثم أن حادثة مع قافلة الحاج المصري حفرت في ذاكرتي تجربة لم تفارق ذاكرتي.
قلت: لعلى أسعد بتلك الذكرى مع ضيوف الرحمن .
قالت: خطر لي أن أزور الطور الذي رفعه الله فوق موسى، وأماكن مواطنة في صحراء سيناء ، فأخذت ألتمس تلك القوافل المصرية، وتأكدت من إحداهن وسرت خلفها عن بعد ، حتى نزلت في فياض شاسعة ذات أعشاب كثيفة، وشجيرات كثيرة ، فرعيت بجانبهم، واقترب بعض أفرادها مني، ولم يحادثني ، وإذا بامرأة تقترب مني.
قلت: ألم تخش من الرجال والمرأة التي أتت بعدهم؟
قالت: إن الخوف أنتزع مني عبر الأزمان، والأماكن الموحشة ، ولكنها هي التي تخشى مني، فسلمتْ عن بعد ، ووراءها عن بعد أيضاً بعض الرجال: فرددت السلام .
وقالت الحاجة: من أنت أيتها المرأة ؟
قالت: راعية لشويهاتي.
قالت: وأين نزلكِ ؟
قلت الراعية: الغربة والوحدة ، وأماكن الخلوة.
قلتُ للراعية: كأنك تستدرجينها ؟
قالت: هو كذلك، فقد مالت نفسي لصحبتهم.
قلت : وماذا قالت لكِ .
قالت الحاجة: إنكِ تستخدمين الفصحى ، فأجابتها الراعية: أليست لغة القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
قالت الحاجة: بلى ، ولكن الغرابة في احتفاظكِ بها ، فهل أقرباؤك كلهم يتحدثون بها.
قالت الراعية: يوم كانوا أحياء ، أما الأن: فلا قرابة ، ولا مجاورة.
قالت الحاجة: أيتها المرأة : أذهلتيني بأحوالك.
قالت الراعية: أتخشين الجلوس، بلا ضيافة عندي .
قالت الحاجة : والله أصابني وجل منك.
قلت الراعية: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
قالت الحاجة: (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)
قالت الراعية: (يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ )
قالت الحاجة: هل أنت من الأنس أو من الجن ؟
قالت لها: وهل يتكشف الجن للبشر ؟
قالت الحاجة : إنني أعجز عن الإجابة ، ولكنني أحببت مجالستك ، لو تعطيني الأمان، وتعاهديني .
فقالت الراعية : لكِ الأمان، ولم استدرج أحدا للمحادثة منذ زمن إلا أنتِ رغبة في طور سيناء .
قالت الحاجة: حان لأبى حنيفة أن يمد رجله وحان لي الجلوس.
قالت الراعية: معالمي، ومحادثتك كشفت عن أحوالي، فهل لك شأن أنت؟
قالت الحاجة: أنا جليلة راوية الأحاديث في مصر (إنني أحفظ الحديث، وأعلمه) .
قالت الراعية: تلك غرابة ان ألتقي بامرأة راوية للحديث، وتعلمه .
قالت الحاجة: إني أحفظه وأحفظ رواياته ، ثم قالت للراعية: بعد محادثتكِ، هل لكِ أن تصحبينا حتى نصل إلى سيناء ؟
قالت: إني أفعل ذلك الآن.
قالت الحاجة: إذن كوني في صحبتي .
قالت الزاهدة: إنني أكتفِ برؤية القافلة، وأهتدي بمسيرتكم .
قالت الحاجة: وأين أزوادك، وحاملة أثقالك؟
قالت الراعية: إن هذه الحقيبة هي زادي، ومائي، وكل ما أملك .
قالت الحاجة: إن كنت صادقة، فأنت من الغرباء الصالحين.
قالت الحاجة: إنما أحب العزلة.
قلتُ: لعلك صحبتها، وأخذت عنك، وأخذت عنها .
قالت الراعية: دعتني للالتحاق بقافلتها، والتعهد بي.
فقالت الراعية: إنني وإياكِ لمفترقان .
قالت المحدثة: بالله عليك تصبرين على صحبتي، ولو لأيام معدودات كما صحب موسي الخضر.
فقالت الراعية: لا مقارنة، وإنما أهتدى بصالحين.
قالت المحدثة: صدقت ، ولكن أنت أيها الراعية الحافظة مصدر علم، فلا تبخلي بعلمك علىّ .
فقالت الراعية: أنا أسير خلف القافلة.
فقالت المحدثة وأنا سآتيك في عزلتك .
فقلت للراعية : هل تبادلتما المعرفة من خلال تجربتك، ومن خلال علمها ؟
قالت: إنها استمعت لما أحفظه من الحديث .
قلت: وهل وجدت عندك أحاديث لم تصل لها ؟
قالت: تقول الحافظة إنها سمعت مني خمسة أحاديث لم تسمعها من قبل، ووعدت بتمحيصها، ومعرفة مدى صحتها .
قلت: وهل دخلتِ معها مدينة القاهرة؟
قالت: بل ، مكثت على مقربة من الطور، لعلي أسجد على أثر من آثار موسى والخضر أو إبراهيم أو يعقوب أو يوسف عليهم السلام .
قلت: إذا رحلة لا تُنسى مع العالمة المحدثة رحمها الله .
قالت: بل ، زودتني بمنهج جديد في الحياة، وزادتني معرفة بما يناسب أحوالي .
قلت: لقد طال الحديث، ولعلي أجدك غداً في أحضان هذه الجبال التي تشبه جبال الطور .
قالت: إن شاء الله.