إنه لأمر مؤثر عن حق ما يقوله "توماس فريدمان": إن بؤساء الأرض يرغبون في الذهاب إلى عالم ديزني، وليس إلى المتاريس، تستحق هذه العبارة مكانًا لها لدى الأجيال القادمة، بجوار إعلان الملكة ماري إنطوانيت عام 1789م الذي صرحت به عندما علمت أن الناس تثور في باريس مطالبة بالخبز، قالت: فليأكلوا الكعك!!
إن قراءة فاحصة لتقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية تؤكد أن أكثر من 2 بليون نسمة أو ربع البشرية يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وربما لن يزعجهم الذهاب إلى والت ديزني، ولكنهم سيفضلون أولاً وقبل كل شيء الحصول على طعام جيد، ومسكن لائق، وملابس مناسبة، وتعليم أفضل، فضلاً عن الحصول على وظيفة.
إن ملايين الناس في جميع أنحاء العالم مستعدون من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية أن يشيِّدوا المتاريس، ويلجؤوا للعنف دون أدنى شك، إذًا لماذا لا يجري تخصيص جزء ضئيل جدًّا من ثروة العالم؛ من أجل تُعساء الأرض؟!
إذ لو خصصنا 1% فقط من هذه الثروة لمدة عشرين سنة لتنمية البشر التعساء فمن الممكن أن يختفي البؤس الشديد، وتختفي معه مخاطر العنف المستوطن، بَيْدَ أن العولمة صمَّاء وعمياء إزاء تلك الاعتبارات، وبالعكس فهي تزيد من سوء الاختلافات والانقسامات، وتعمل على استقطاب المجتمعات، في عام 1960م قبل العولمة المعاصرة كان أكثر من 20% من سكان الكوكب أغنى ثلاثين مرة من أفقر من 20%، وفي عام 1997م وفي ظل قمة العولمة كان الأكثر ثراءً أغنى 74 مرة من أفقر الفقراء في العالم!! وتتنامى هذه الفجوة كل يوم، واليوم إذا جمعنا الناتج الوطني الإجمالي لجميع البلدان المتخلفة في العالم بسكانها البالغ عددهم أكثر من 800 مليون نسمة، لن يعادل ناتج الجمع مجموع ثروة أغنى ثلاثة أفراد في العالم.
صحيح أن للعولمة جوانب إيجابية إلى جانب آثارها السلبية، ولكن كيف يمكننا التغاضي عن حقيقة انخفاض دخل الفرد في أكثر من 80 بلدًا أو في نصف دول العالم تقريبًا خلال أعوام العولمة العشرين؟! أم أنه منذ سقوط الشيوعية، عندما رتب الغرب افتراضيًّا علاجَّا اقتصاديًّا عبقريًّا للاتحاد السوفيتي السابق، مطاعم ماكدونالدز جيدة، وقع أكثر من 200 مليون نسمة من سكان الاتحاد السوفيتي السابق من مجموع السكان الذي يصل إلى 350 مليون نسمة تقريبًا في شباك الفقر؟!!
للحقيقة فإن العولمة تمثل عرضًا من أعراض نهاية الدورة ليس نهاية العصر الصناعي فحسب، مع وجود التقنية الجديدة اليوم، وليس نهاية الثورة الرأسمالية الأولى فحسب مع الثورة المالية، ولكنها أيضًا نهاية الدورة الفكرية الدورة التي كان العقل يقودها، كما عرفها فلاسفة القرن 18م، لقد ولّد العقل السياسة الحديثة كما زعموا، وأشعل شرارة الثورتين الأمريكية والفرنسية، ولكن هذا العقل المشيّد: الدولة، المجتمع، الصناعة، القومية، الاشتراكية، قد تغيَّر تغيُّرًا عميقًا.
إن انتصار السوق وتوسع العولمة قد يؤدي إلى حدوث مكاشفة حتمية بين الرأسمالية والديمقراطية، بحيث تقود الرأسمالية بلا هوادة إلى تركز الثورة والقوة الاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة، وهو ما يقود بدوره إلى التساؤل الأساس التالي: كم تستغرق عملية إعادة التوزيع من وقت؛ كي تجعل هيمنة الأقلية الغنية مقبولة لدى غالبية سكان العالم؟
وتكمن المشكلة في أن السوق يعجز عن الاستجابة والعولمة تدمر دولة الرفاه في جميع أنحاء العالم.
إذًا: ما الذي يمكننا القيام به؟! أظن أن الإجابة النموذجية عند دُعاة العولمة: أعطوا الناس ساندويتشات الهمبرجر، وأرسلوهم إلى عالم ديزني! حتى نمنع نصف البشرية من التمرُّد واختيار العنف؟!
أ.د/ زيد بن محمد الرماني ـ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com
إن قراءة فاحصة لتقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية تؤكد أن أكثر من 2 بليون نسمة أو ربع البشرية يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وربما لن يزعجهم الذهاب إلى والت ديزني، ولكنهم سيفضلون أولاً وقبل كل شيء الحصول على طعام جيد، ومسكن لائق، وملابس مناسبة، وتعليم أفضل، فضلاً عن الحصول على وظيفة.
إن ملايين الناس في جميع أنحاء العالم مستعدون من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية أن يشيِّدوا المتاريس، ويلجؤوا للعنف دون أدنى شك، إذًا لماذا لا يجري تخصيص جزء ضئيل جدًّا من ثروة العالم؛ من أجل تُعساء الأرض؟!
إذ لو خصصنا 1% فقط من هذه الثروة لمدة عشرين سنة لتنمية البشر التعساء فمن الممكن أن يختفي البؤس الشديد، وتختفي معه مخاطر العنف المستوطن، بَيْدَ أن العولمة صمَّاء وعمياء إزاء تلك الاعتبارات، وبالعكس فهي تزيد من سوء الاختلافات والانقسامات، وتعمل على استقطاب المجتمعات، في عام 1960م قبل العولمة المعاصرة كان أكثر من 20% من سكان الكوكب أغنى ثلاثين مرة من أفقر من 20%، وفي عام 1997م وفي ظل قمة العولمة كان الأكثر ثراءً أغنى 74 مرة من أفقر الفقراء في العالم!! وتتنامى هذه الفجوة كل يوم، واليوم إذا جمعنا الناتج الوطني الإجمالي لجميع البلدان المتخلفة في العالم بسكانها البالغ عددهم أكثر من 800 مليون نسمة، لن يعادل ناتج الجمع مجموع ثروة أغنى ثلاثة أفراد في العالم.
صحيح أن للعولمة جوانب إيجابية إلى جانب آثارها السلبية، ولكن كيف يمكننا التغاضي عن حقيقة انخفاض دخل الفرد في أكثر من 80 بلدًا أو في نصف دول العالم تقريبًا خلال أعوام العولمة العشرين؟! أم أنه منذ سقوط الشيوعية، عندما رتب الغرب افتراضيًّا علاجَّا اقتصاديًّا عبقريًّا للاتحاد السوفيتي السابق، مطاعم ماكدونالدز جيدة، وقع أكثر من 200 مليون نسمة من سكان الاتحاد السوفيتي السابق من مجموع السكان الذي يصل إلى 350 مليون نسمة تقريبًا في شباك الفقر؟!!
للحقيقة فإن العولمة تمثل عرضًا من أعراض نهاية الدورة ليس نهاية العصر الصناعي فحسب، مع وجود التقنية الجديدة اليوم، وليس نهاية الثورة الرأسمالية الأولى فحسب مع الثورة المالية، ولكنها أيضًا نهاية الدورة الفكرية الدورة التي كان العقل يقودها، كما عرفها فلاسفة القرن 18م، لقد ولّد العقل السياسة الحديثة كما زعموا، وأشعل شرارة الثورتين الأمريكية والفرنسية، ولكن هذا العقل المشيّد: الدولة، المجتمع، الصناعة، القومية، الاشتراكية، قد تغيَّر تغيُّرًا عميقًا.
إن انتصار السوق وتوسع العولمة قد يؤدي إلى حدوث مكاشفة حتمية بين الرأسمالية والديمقراطية، بحيث تقود الرأسمالية بلا هوادة إلى تركز الثورة والقوة الاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة، وهو ما يقود بدوره إلى التساؤل الأساس التالي: كم تستغرق عملية إعادة التوزيع من وقت؛ كي تجعل هيمنة الأقلية الغنية مقبولة لدى غالبية سكان العالم؟
وتكمن المشكلة في أن السوق يعجز عن الاستجابة والعولمة تدمر دولة الرفاه في جميع أنحاء العالم.
إذًا: ما الذي يمكننا القيام به؟! أظن أن الإجابة النموذجية عند دُعاة العولمة: أعطوا الناس ساندويتشات الهمبرجر، وأرسلوهم إلى عالم ديزني! حتى نمنع نصف البشرية من التمرُّد واختيار العنف؟!
أ.د/ زيد بن محمد الرماني ـ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com