ونحن صغار، كنا نحلم، لكن أحلامنا لا يفسرها أحد، هي في نظر الكبار - نوع من " التخاريع "!
وبعد:
كانت جدتنا تتحدث بلهجة جازمة، لم تعرف النصب ولا الرفع ولا الجر، ولا أي من أدوات المجاملة، ولو كانت في حضرة الباشا " كبير العرب ". تلك العجوز ( الفوهرر) التي كانت ترتدي معطفا عسكريا باليا وتنتعل بسطارا ، وقد أجمع العرب ( أهل الحي ) بما فيهم كبيرهم أنها ما لها أجيال، وشهرتها بين العربان تفوق شهرة كبير العرب . إنها تمثل " بيت الخبرة " وهي المرأة الوحيدة التي تسمح تقاليد العرب بدخولها إلى مجلس الرجال(الشّقّ ) فتشير وتستشار ولها رأي يحظى بالقبول والاجماع .
لم تكن جدتنا " عرّافة " ولم تدّعي علم الغيب، لكنها كانت فقط تحلم، وتفسر أحلامها، وكانت أحلامها تشكل مصدرا موثوقا. يكفي أن تضع رأسها الصلب على وسادة بالية فتنكشف لها حجب الغيب.
كانت لديها رؤية ورؤيا، وكان كبير العرب يثق بأحلامها الليلية، وهي عنده بمثابة " وكالة أنباء المستقبل " فتأتيه صبحا، وتتفنجل من قهوته العامرة، وتقص عليه أخبار مناماتها. ومن مناماتها أن كبير العرب سيرزق بولد، فيفرح كبير العرب وتصدق الرؤيا !
كانت جدتنا الوحيدة التي تستمع لأحلامنا الصغيرة، وإذا أرادت شيئا تنادينا بصوت لا يخلو من بحة: يا عيالي، يا النشامى ! فكان صوتها كفيل باخراج الجميع .هكذا كانت تنادينا دوما لتشعل الحماس فينا، وكأنها ستقودنا إلى معركة. وكانت تصنع لنا المقاليع، وكنا فخورين بذلك السلاح الفتاك العابر للشعبان، فوعدتنا ذات يوم أن تمنحنا شحنة معدلة من تلك المقاليع الذكية، لكن حدث في ذلك اليوم ما لم يكن في حسبان جدتنا، فقد قام كبير العرب بتقريع ولده البكر( حلاقة على الزيرو ) وتضامنا معه قام الربع بتقريع أولادهم، حتى أصحاب " الحوافة " لم تسلم رؤوسهم، فأصبحنا مجموعة من القرعان.
وفي عصر ذلك اليوم أوفت جدتنا بوعدها، فوهبت كل واحد منا مقلاعة من ترسانتها ( العدل ).، فحملنا المقاليع وخرجنا إلى شعيب للرماية، وكان يطربنا صوت أزيز المقذوفات وهي تعبر ذلك الشعيب، فأصيبت قرعة ابن كبير العرب بإحدى المقذوفات، وكل قرعة تهون أمام قرعة ابن كبير العرب. لذلك أصدر كبير العرب أمرا لجدتنا بعدم انتاج المقاليع !
كانت أحلام جدتنا ورديّة تسعد العرب، وكبير العرب، لكن وبعد حين تغيّر سيستم جدتنا، فلم تعد ترى في المنام إلا ما يسوء العرب ، فكان آخرها " كابوس " وقع على نافوخ كبير العرب، فأمر جدتنا بعدم الافصاح عن ذلك الحلم، وأكتفى بالتصريح لمن حضر مجلسه بالقول: أم فلان، حالمة " حلم " كفانا الله شرّه !.
تغيّرت نظرة العرب لجدتنا حتى وصفها البعض بالخرف، ولم تعد تلقى الحفاوة والتكريم عند كبير العرب، كما كانت في سابق عهدها حين كانت أحلامها " سمن على عسل "، ولم يعد أحد يسألها عن أحلامها، وكأن الأحلام تأتي على مزاج جدتنا!
شعرت جدتنا أن أحلامها - وإن كانت صادقة - لا تصلح للنشر. فعقدت العزم على الرحيل، فركبت بعيرها، فحملها وأثقالها، وحطت رحالها في الركن الشرقي من القرية بالقرب من المقبرة، لتموت هناك ويدفن معها سرّ " الحلم الأخير ".
وبعد:
كانت جدتنا تتحدث بلهجة جازمة، لم تعرف النصب ولا الرفع ولا الجر، ولا أي من أدوات المجاملة، ولو كانت في حضرة الباشا " كبير العرب ". تلك العجوز ( الفوهرر) التي كانت ترتدي معطفا عسكريا باليا وتنتعل بسطارا ، وقد أجمع العرب ( أهل الحي ) بما فيهم كبيرهم أنها ما لها أجيال، وشهرتها بين العربان تفوق شهرة كبير العرب . إنها تمثل " بيت الخبرة " وهي المرأة الوحيدة التي تسمح تقاليد العرب بدخولها إلى مجلس الرجال(الشّقّ ) فتشير وتستشار ولها رأي يحظى بالقبول والاجماع .
لم تكن جدتنا " عرّافة " ولم تدّعي علم الغيب، لكنها كانت فقط تحلم، وتفسر أحلامها، وكانت أحلامها تشكل مصدرا موثوقا. يكفي أن تضع رأسها الصلب على وسادة بالية فتنكشف لها حجب الغيب.
كانت لديها رؤية ورؤيا، وكان كبير العرب يثق بأحلامها الليلية، وهي عنده بمثابة " وكالة أنباء المستقبل " فتأتيه صبحا، وتتفنجل من قهوته العامرة، وتقص عليه أخبار مناماتها. ومن مناماتها أن كبير العرب سيرزق بولد، فيفرح كبير العرب وتصدق الرؤيا !
كانت جدتنا الوحيدة التي تستمع لأحلامنا الصغيرة، وإذا أرادت شيئا تنادينا بصوت لا يخلو من بحة: يا عيالي، يا النشامى ! فكان صوتها كفيل باخراج الجميع .هكذا كانت تنادينا دوما لتشعل الحماس فينا، وكأنها ستقودنا إلى معركة. وكانت تصنع لنا المقاليع، وكنا فخورين بذلك السلاح الفتاك العابر للشعبان، فوعدتنا ذات يوم أن تمنحنا شحنة معدلة من تلك المقاليع الذكية، لكن حدث في ذلك اليوم ما لم يكن في حسبان جدتنا، فقد قام كبير العرب بتقريع ولده البكر( حلاقة على الزيرو ) وتضامنا معه قام الربع بتقريع أولادهم، حتى أصحاب " الحوافة " لم تسلم رؤوسهم، فأصبحنا مجموعة من القرعان.
وفي عصر ذلك اليوم أوفت جدتنا بوعدها، فوهبت كل واحد منا مقلاعة من ترسانتها ( العدل ).، فحملنا المقاليع وخرجنا إلى شعيب للرماية، وكان يطربنا صوت أزيز المقذوفات وهي تعبر ذلك الشعيب، فأصيبت قرعة ابن كبير العرب بإحدى المقذوفات، وكل قرعة تهون أمام قرعة ابن كبير العرب. لذلك أصدر كبير العرب أمرا لجدتنا بعدم انتاج المقاليع !
كانت أحلام جدتنا ورديّة تسعد العرب، وكبير العرب، لكن وبعد حين تغيّر سيستم جدتنا، فلم تعد ترى في المنام إلا ما يسوء العرب ، فكان آخرها " كابوس " وقع على نافوخ كبير العرب، فأمر جدتنا بعدم الافصاح عن ذلك الحلم، وأكتفى بالتصريح لمن حضر مجلسه بالقول: أم فلان، حالمة " حلم " كفانا الله شرّه !.
تغيّرت نظرة العرب لجدتنا حتى وصفها البعض بالخرف، ولم تعد تلقى الحفاوة والتكريم عند كبير العرب، كما كانت في سابق عهدها حين كانت أحلامها " سمن على عسل "، ولم يعد أحد يسألها عن أحلامها، وكأن الأحلام تأتي على مزاج جدتنا!
شعرت جدتنا أن أحلامها - وإن كانت صادقة - لا تصلح للنشر. فعقدت العزم على الرحيل، فركبت بعيرها، فحملها وأثقالها، وحطت رحالها في الركن الشرقي من القرية بالقرب من المقبرة، لتموت هناك ويدفن معها سرّ " الحلم الأخير ".