رأيتُ أغنام الراعية الغريبة العابدة في قمة جبيل؛ فصعدت لها ببطء حتى أقتربت منها، فجلستُ على صخرة مطلة على الوادي والفياض وكاد التأمل يفقدني وعيّ ونسيت صاحبتي؛ فالمشارف جاذبة للخواطر ، فقمت واتجهت إليها وسلمت عليها.
فقالت: مالك مكثت طويلا، حتى خشيت عليك من الارهاق .
قلت: هو كذلك، ولكن الله سلم وأكلت من شجرة شيح؛ فذهب الارهاق ، ثم مكثت أتأمل .
قالت: إن هذه الأعشاب، وعروق الشجر دواء وغذاء .
قلت: أسأل الله أن يعوضكِ عن زهدكِ وجوعك وحرمانكِ بنعيم الجنة بعد تطهيرك بمعاناة الدنيا .
ثم قلت: كأنك فوق قمة الجبل رقيب على نزل تحذيرنهم من الغزاة .
قالت: المكان يوحي بذلك، ولكني لا أخشي ولا يخُشى مني، ثم أردفتْ بالقول : لا ريب أن بعض النزل يروونا الآن ويرتابون أو يقتربون منا لو كنا في الأزمان الغابرة لا أمن فيها لدولة.
قلت: هل تخشون من الغزاة في الأزمان الغابرة؟
قالت: أشد منهم خيفة (الحنشل)؛ قلتُ: منهم الحنشل.
قالت: جماعة من الأفاك الصعاليك يجتمعون ويجولون في الديار الأبعد لعلهم يداهمون قافلة أو ينهبون إبلا، أو يعدون على أغناما، وتارة يهاجمون النزل ليلا ، ليسرقوا أو يستاقون إبلا أو أغناما .
قلت: إذن هم غزاه. قالت: هدفهم والغزاة واحد، لكن الحنشل، لا يركبون إبلا ولا خيلا ، وهم أشد خفية، ويمتهنون حمل الأوعية، إذا لم يجدوا مطمعا.
قلت: وهل تعرضتِ أنت وأسرتك أو جيرانك في القرى أو النزل للحنشل في أيامك ؟
قالت: إن أسرتنا كانت فلاحة في قرية ، فتعرضنا للسطو، ولكن السور حول القرية يخفف من الأمر، ولكن تنطلق الإبل صباحا، وكذلك الأغنام والذين يحتطبون، فيتفاجؤون بأن أفرادا من الحنشل مختبئين بجانب الأشجار، فيحدث الضرب وتارة القتل، والهروب على من رأى نفسه في مآزق.
قلت: وهل أغنامك تعرضت لذلك؟
قالت: يوم كنت أرعى مع أخي خارج الأسوار، فداهمنا أثنان من الحنشل، وقبضوا على أخي، وقيدوه وهددوني إن تحركت من هذا المكان قبل أن يصلوا إلى مكان بعيد لا يستطيع أحدً أن يلحق بهم في ذلك المكان ، فهددونا إن غادرنا مكاننا بأنهم سيعودون علينا ويقتلوننا، فمكثتُ بجانب أخي حتى تواروا عنا، فأطلقت وثاقه، وعدنا إلى أهلنا نتباكى، وذهبت أغنامنا ولم يتمكن القوم من اللحاق بهم، لأن الليل داهم القرية، وقد كان لنا رفقاء يبتعدون عنا لأجل الرعي، فداهمهم الحنشل، وكان على إحدى الراعيات ثياب جديدة، فطلبوا خلعها، لكن البنت رفضت فأندفع أحدهم عليها، لكن أخاها دخل معهم في معركة حتى وصل الأمر إلى المدى؛ فقتلوا أخاها، وسلبوا ثيابها، واستاقوا أغنامهم وأخذت الفتاة بالعودة باكية عارية تختفي من شجرة إلى شجرة حتى أقبلت علىّ، وطلبت مني ما يسترها، لكنها كادت تهلك من شدة البكاء والقهر.
قلت: وهل القوافل التي تجلب المؤن تتعرض لذلك؟
قالت: هم الأكثر مع الحيطة والحذر والحراسة من رجال أشداء، فتارة يخطط الحنشل لهم من بعد، وكان والدي في قافلة ، ونزل ركبهم في مكان بين جبلين، وقد أختبأ الحنشل، حتى أقترب الفجر، فدهموا القافلة، وحدثت معركة مفاجأة؛ فقتلوا ونهبوا الإبل، وقبض أهل القافلة على أحدهم، مما خلف معركة فيما بعد بين القبائل المتجاورة ، وقد رأيت من مخلفات الحنشل عددا من الأيتام والأرامل، بل الجثث المتساقطة ، والناس يحتضرون في أزمان متعاقبة.
وقالت: سمعت حكايات من المآسي كثيرة، وتارة تتكشف عندهم المروءة من خلال وقائعهم، فسمعت من امرأة: أن ليلة من الليالي داهمهم (سبر) وهم الطلائع المكتشفون لطرائق النهب من النزل؛ قالت المرأة للراعية: إنها كانت نائمة وبجانبها طفلها الرضيع، فلما أفاقت من رقدتها لم تجد طفلها، فأخذت تصرخ وخرجت من خلف البيت تترقب وأخذت تجري لعلها تجد الذئب الخاطف وخرج خلفها من سمع الصراخ والاستغاثة، ولكنها ما لبثت أن قابلت رجلا وإذا به يعطيها الطفل وولى، ولكنها تداركت ونادته.
فقالت: بالله من أنت، ولك الأمان، فأسمعها (أسمه) ؛ قالت الراعية للمرآة: وكيف عرفتِ أنه من حنشل .
قالت: إنهم وجدوا أثرهم حول النزل وتابعوهم، حتى عرف رجال النزل واقعهم ، فإذا قائدهم، قد أرسل أحد شبابهم ليرصد النزل، ولكنهم أحاطوا ببيوتهم، وكانت الأغنام بينهم لا يستطيع الحنشل اخراجها بلا معرفة النزل ، فلما رجع إلى رفقائه أخبرهم؛ وقال: لا مجال ؛ فقال كبيرهم: بل خفت منهم، ولم تتعرف على حالتهم ، وناموا لكن هذا الراصد عاد فوجد الطفل فأخذه ووضعه بين رجلي القائد، فأستيقظ الرجل مذعورا من الطفل ، ثم أدرك أن صاحبه الذي بعثه سبرا أتى به: فقال له: أرجع الطفل لأهله، فلما عاد وجد أمه في المقدمة، ثم تواصلت الحياة وأخذت ترقب المحجوزين من الحنشل ؛ فقلت: كيف يحجزونهم؟
قالت: يحفرون حفرة ويقيدونهم فيها ، وذات يوما رأت المرأة أحد المقبوض عليهم فكأنها أحست بإحساس داخلي وجاءت له من الخلف وهو غافل ؛ فقالت: يا سليمان فألتفت مذعورا ، فسلمت عليه .
قالت: بالله ألم تكن صاحب الطفل.
قال لها: بلى والله، وعملت المرأة على فك وثاقة وزودته وأركبته على مطية.
فقالت: مالك مكثت طويلا، حتى خشيت عليك من الارهاق .
قلت: هو كذلك، ولكن الله سلم وأكلت من شجرة شيح؛ فذهب الارهاق ، ثم مكثت أتأمل .
قالت: إن هذه الأعشاب، وعروق الشجر دواء وغذاء .
قلت: أسأل الله أن يعوضكِ عن زهدكِ وجوعك وحرمانكِ بنعيم الجنة بعد تطهيرك بمعاناة الدنيا .
ثم قلت: كأنك فوق قمة الجبل رقيب على نزل تحذيرنهم من الغزاة .
قالت: المكان يوحي بذلك، ولكني لا أخشي ولا يخُشى مني، ثم أردفتْ بالقول : لا ريب أن بعض النزل يروونا الآن ويرتابون أو يقتربون منا لو كنا في الأزمان الغابرة لا أمن فيها لدولة.
قلت: هل تخشون من الغزاة في الأزمان الغابرة؟
قالت: أشد منهم خيفة (الحنشل)؛ قلتُ: منهم الحنشل.
قالت: جماعة من الأفاك الصعاليك يجتمعون ويجولون في الديار الأبعد لعلهم يداهمون قافلة أو ينهبون إبلا، أو يعدون على أغناما، وتارة يهاجمون النزل ليلا ، ليسرقوا أو يستاقون إبلا أو أغناما .
قلت: إذن هم غزاه. قالت: هدفهم والغزاة واحد، لكن الحنشل، لا يركبون إبلا ولا خيلا ، وهم أشد خفية، ويمتهنون حمل الأوعية، إذا لم يجدوا مطمعا.
قلت: وهل تعرضتِ أنت وأسرتك أو جيرانك في القرى أو النزل للحنشل في أيامك ؟
قالت: إن أسرتنا كانت فلاحة في قرية ، فتعرضنا للسطو، ولكن السور حول القرية يخفف من الأمر، ولكن تنطلق الإبل صباحا، وكذلك الأغنام والذين يحتطبون، فيتفاجؤون بأن أفرادا من الحنشل مختبئين بجانب الأشجار، فيحدث الضرب وتارة القتل، والهروب على من رأى نفسه في مآزق.
قلت: وهل أغنامك تعرضت لذلك؟
قالت: يوم كنت أرعى مع أخي خارج الأسوار، فداهمنا أثنان من الحنشل، وقبضوا على أخي، وقيدوه وهددوني إن تحركت من هذا المكان قبل أن يصلوا إلى مكان بعيد لا يستطيع أحدً أن يلحق بهم في ذلك المكان ، فهددونا إن غادرنا مكاننا بأنهم سيعودون علينا ويقتلوننا، فمكثتُ بجانب أخي حتى تواروا عنا، فأطلقت وثاقه، وعدنا إلى أهلنا نتباكى، وذهبت أغنامنا ولم يتمكن القوم من اللحاق بهم، لأن الليل داهم القرية، وقد كان لنا رفقاء يبتعدون عنا لأجل الرعي، فداهمهم الحنشل، وكان على إحدى الراعيات ثياب جديدة، فطلبوا خلعها، لكن البنت رفضت فأندفع أحدهم عليها، لكن أخاها دخل معهم في معركة حتى وصل الأمر إلى المدى؛ فقتلوا أخاها، وسلبوا ثيابها، واستاقوا أغنامهم وأخذت الفتاة بالعودة باكية عارية تختفي من شجرة إلى شجرة حتى أقبلت علىّ، وطلبت مني ما يسترها، لكنها كادت تهلك من شدة البكاء والقهر.
قلت: وهل القوافل التي تجلب المؤن تتعرض لذلك؟
قالت: هم الأكثر مع الحيطة والحذر والحراسة من رجال أشداء، فتارة يخطط الحنشل لهم من بعد، وكان والدي في قافلة ، ونزل ركبهم في مكان بين جبلين، وقد أختبأ الحنشل، حتى أقترب الفجر، فدهموا القافلة، وحدثت معركة مفاجأة؛ فقتلوا ونهبوا الإبل، وقبض أهل القافلة على أحدهم، مما خلف معركة فيما بعد بين القبائل المتجاورة ، وقد رأيت من مخلفات الحنشل عددا من الأيتام والأرامل، بل الجثث المتساقطة ، والناس يحتضرون في أزمان متعاقبة.
وقالت: سمعت حكايات من المآسي كثيرة، وتارة تتكشف عندهم المروءة من خلال وقائعهم، فسمعت من امرأة: أن ليلة من الليالي داهمهم (سبر) وهم الطلائع المكتشفون لطرائق النهب من النزل؛ قالت المرأة للراعية: إنها كانت نائمة وبجانبها طفلها الرضيع، فلما أفاقت من رقدتها لم تجد طفلها، فأخذت تصرخ وخرجت من خلف البيت تترقب وأخذت تجري لعلها تجد الذئب الخاطف وخرج خلفها من سمع الصراخ والاستغاثة، ولكنها ما لبثت أن قابلت رجلا وإذا به يعطيها الطفل وولى، ولكنها تداركت ونادته.
فقالت: بالله من أنت، ولك الأمان، فأسمعها (أسمه) ؛ قالت الراعية للمرآة: وكيف عرفتِ أنه من حنشل .
قالت: إنهم وجدوا أثرهم حول النزل وتابعوهم، حتى عرف رجال النزل واقعهم ، فإذا قائدهم، قد أرسل أحد شبابهم ليرصد النزل، ولكنهم أحاطوا ببيوتهم، وكانت الأغنام بينهم لا يستطيع الحنشل اخراجها بلا معرفة النزل ، فلما رجع إلى رفقائه أخبرهم؛ وقال: لا مجال ؛ فقال كبيرهم: بل خفت منهم، ولم تتعرف على حالتهم ، وناموا لكن هذا الراصد عاد فوجد الطفل فأخذه ووضعه بين رجلي القائد، فأستيقظ الرجل مذعورا من الطفل ، ثم أدرك أن صاحبه الذي بعثه سبرا أتى به: فقال له: أرجع الطفل لأهله، فلما عاد وجد أمه في المقدمة، ثم تواصلت الحياة وأخذت ترقب المحجوزين من الحنشل ؛ فقلت: كيف يحجزونهم؟
قالت: يحفرون حفرة ويقيدونهم فيها ، وذات يوما رأت المرأة أحد المقبوض عليهم فكأنها أحست بإحساس داخلي وجاءت له من الخلف وهو غافل ؛ فقالت: يا سليمان فألتفت مذعورا ، فسلمت عليه .
قالت: بالله ألم تكن صاحب الطفل.
قال لها: بلى والله، وعملت المرأة على فك وثاقة وزودته وأركبته على مطية.