قبل عقدين من الزمان، وتحديدًا في تسعينيّات القرن الماضي، أتذكّر عندما كنّا نتحلّق في مدرستنا المتوسّطة حول شاشة تلفاز ضخمة لمشاهدة فيلم عمر المختار الذي يجسّد نضال المجتمع الليبي لمواجهة الاستعمار الإيطالي.
ورغم تقادم عهد تلك اللحظة إلا أن أحداث الثورة الليبية لا تزال عالقة في الذهن، ولا أنسى كيف كنّا نهتف بحماس لانتصار الثوّار، ونبتهج فرحًا عندما يُقتل الجنود الغزاة، ونبتهل إلى الله لكيلا يأسر الطليان عمر المختار ويعدمونه بالرصاص.
التيّار السلفي كان مسيطرًا على مفاصل التعليم آنذاك، لكنه كان أكثر انفتاحًا من واقعه المعاصر. كنّا نشاهد على شاشة سنمائيّة إلى جانب فيلم المختار أفلامًا وثائقيّة ونضاليّة أخرى. وكنّا نحفل بأعمال مسرحيّة مدرسيّة تلامس واقعنا وتنمّي إحساسنا بإنسانيّتنا، وتهيئ لنا التعايش مع الظروف المحيطة بنا، ولا يزال أثرها في نفوس ذلك الجيل حاضرًا حتى يومنا هذا.
لم تكن المدرسة السلفيّة بالحدّة التي هي عليه الآن، رغم أنها لا تعيش حاليًا أفضل حالتها، وأصبحت تواجه هجومًا من داخل التيّار أكثر مما تواجهه من خارجه، وباتت النخب المثقّفة تتنبأ بقرب أفول تأثير تلك المدرسة إن ظلّ واقعها صداميًا ورافضًا للتحوّلات الفكريّة والثقافية والمعرفيّة، إذ هي مطالبة بإبداء تسامح أكبر حيال الظروف الراهنة وأن تعيد هيكلة آليّات تفكيرها لتستوعب المجتمع من جديد.
وكنت أتساءل عندما أتذكّر السينما المدرسيّة: هل كان معلمونا آنذاك سلفيين متبعين لتعاليم المدرسة السلفيّة، أم أن من يسمون أنفسهم بأتباع المدرسة السلفية اليوم هم السلفيون حقًا؟، وما الذي جعل السلفيّة تتخلى عن احتفائها بالفن السينمائي والمسرحي وتجنح نحو خطاب التحريم والانغلاق؟، وهل نحن إزاء مدرستين سلفيتين إحداهما علميّة والأخرى جهاديّة؟.
ما أعرفه حقًا، هو أن معلمينا كانوا أكثر تسامحًا مع الفن ومنجزاته من سلفيي اليوم، رغم أن الفكر السلفي في تلك المرحلة كان في ذروته إبّان الجهاد الإسلامي لتفكيك الاتحاد السوفيتي، وتسامحهم كان عاصمًا لنا بعد الله من تبنّي الأفكار الضالة والمنحرفة.
لم نكن نعرف شيئًا يُدعى "إرهاب"، ولم نسمع قط عن شاب يُقدم على قتل أحد والديه؛ لأن سماحة الدين ورقيّ الفن كانا مهذبين لسلوكيّات المجتمع، وحان الوقت ليعود بعض أتباع المدرسة السلفيّة إلى السماحة في التدين، ويعود للفن الجميل والراقي منابره وشاشاته.
ياسر صالح البهيجان
ماجستير في النقد والنظرية
ورغم تقادم عهد تلك اللحظة إلا أن أحداث الثورة الليبية لا تزال عالقة في الذهن، ولا أنسى كيف كنّا نهتف بحماس لانتصار الثوّار، ونبتهج فرحًا عندما يُقتل الجنود الغزاة، ونبتهل إلى الله لكيلا يأسر الطليان عمر المختار ويعدمونه بالرصاص.
التيّار السلفي كان مسيطرًا على مفاصل التعليم آنذاك، لكنه كان أكثر انفتاحًا من واقعه المعاصر. كنّا نشاهد على شاشة سنمائيّة إلى جانب فيلم المختار أفلامًا وثائقيّة ونضاليّة أخرى. وكنّا نحفل بأعمال مسرحيّة مدرسيّة تلامس واقعنا وتنمّي إحساسنا بإنسانيّتنا، وتهيئ لنا التعايش مع الظروف المحيطة بنا، ولا يزال أثرها في نفوس ذلك الجيل حاضرًا حتى يومنا هذا.
لم تكن المدرسة السلفيّة بالحدّة التي هي عليه الآن، رغم أنها لا تعيش حاليًا أفضل حالتها، وأصبحت تواجه هجومًا من داخل التيّار أكثر مما تواجهه من خارجه، وباتت النخب المثقّفة تتنبأ بقرب أفول تأثير تلك المدرسة إن ظلّ واقعها صداميًا ورافضًا للتحوّلات الفكريّة والثقافية والمعرفيّة، إذ هي مطالبة بإبداء تسامح أكبر حيال الظروف الراهنة وأن تعيد هيكلة آليّات تفكيرها لتستوعب المجتمع من جديد.
وكنت أتساءل عندما أتذكّر السينما المدرسيّة: هل كان معلمونا آنذاك سلفيين متبعين لتعاليم المدرسة السلفيّة، أم أن من يسمون أنفسهم بأتباع المدرسة السلفية اليوم هم السلفيون حقًا؟، وما الذي جعل السلفيّة تتخلى عن احتفائها بالفن السينمائي والمسرحي وتجنح نحو خطاب التحريم والانغلاق؟، وهل نحن إزاء مدرستين سلفيتين إحداهما علميّة والأخرى جهاديّة؟.
ما أعرفه حقًا، هو أن معلمينا كانوا أكثر تسامحًا مع الفن ومنجزاته من سلفيي اليوم، رغم أن الفكر السلفي في تلك المرحلة كان في ذروته إبّان الجهاد الإسلامي لتفكيك الاتحاد السوفيتي، وتسامحهم كان عاصمًا لنا بعد الله من تبنّي الأفكار الضالة والمنحرفة.
لم نكن نعرف شيئًا يُدعى "إرهاب"، ولم نسمع قط عن شاب يُقدم على قتل أحد والديه؛ لأن سماحة الدين ورقيّ الفن كانا مهذبين لسلوكيّات المجتمع، وحان الوقت ليعود بعض أتباع المدرسة السلفيّة إلى السماحة في التدين، ويعود للفن الجميل والراقي منابره وشاشاته.
ياسر صالح البهيجان
ماجستير في النقد والنظرية